ما الذي تبحث عنه اسرائيل ؟ … بقلم : د. سفيان ابو زايدة
بعد مرور اكثر من شهر و نصف على العدوان الاسرائيلي ، و بعد ان تخطى عدد الشهداء حاجز الالفين و مئة شهيد و ما يزيد عن عشرة آلاف و مئتين جريح، و بعد ان وصل التصعيد الاسرائيلي الى ذروته من خلال قصف العديد من الابراج السكنية ليلتحق قاطنيها الى عشرات الآلاف من الذين هدمت بيوتهم و اصبحوا بلا مأوى. بعد اصبحت مشاهد الدمار في كل مكان لا تستثني جامع اومدرسة او مؤسسة او بنية تحتية. على الرغم من كل ذلك، تقف اسرائيل عاجزة عن حسم المعركة لصالحها، و في احيان كثيرة تقف حائرة امام هذا العناد و هذة القدرة على الصمود و التحمل.
اتابع يوميا و لساعات طويلة الاعلام الاسرائيلي سواء كان المسموع او الكتوب او المرئي كما يتابعه غالبية الشعب الفلسطيني سواء بشكل مباشر او من خلال الترجمات ، خاصة البرنامج الذي يقدمة الزميل ناصر اللحام. ليس لان الاعلام العبري نزيه و محايد و مهني، هذا ربما ينطبق على كل ما يتعلق بهم، اما في كل ما يتعلق بنا نحن الفلسطينيين، خاصة في وقت الحرب بشكل عام و هذه الحرب بشكل خاص، فأن الاعلام العبري يفقد كل مهنيته و مصداقيته و حياديته. مع ذلك يبقى احد الوسائل الاساسية لفهم الموقف الاسرائيلي.
الجدل الداخلي الاسرائيلي قبل الحرب و منذ اليوم الاول للحرب حول غزة و مستقبلها و كيف يجب ان يكون السلوك الاسرائيلي تجاهها هو بين ثلاث تيارات رئيسية .
التيار الاول يقودة نتنياهو و معه وزير الدفاع يعلون ، يُسهل عليهم مهمتهم موقف رئيس الاركان و غالبية قيادة الاركان في الجيش الاسرائيلي و الذي يعتقد ان اهداف الحرب هي تحقيق الهدوء لسكان اسرائيل، خاصة سكان الجنوب، و اضعاف القدرات العسكرية لحماس و الجهاد الاسلامي و بقية الفصائل . هذا التيار لا يؤمن بانهاء سيطرة حماس على قطاع غزة، لسببين الاول يتعلق بواقعية تحقيق هذا الهدف، حيث يحتاج الى اعادة احتلال قطاع غزة ، او على الاقل اجزاء كبيرة منه، و البقاء هناك لفترة غير محددة الى ان يتم ترتيب الاوضاع هناك بما يتناسب مع المصلحة الاسرائيلية. هذا الامر من وجهة نظرهم مكلف جدا من الناحية العسكرية و ستخسر اسرائيل المئات من جنودها اضافة للاعداد الضخمة من المدنيين الفلسطينيين الامر الذي سيثير حفيظة المجتمع الدولي.
و السبب الاخر، وهو سياسي و استراتيجي، خاصة بالنسبة لنتنياهو الذي يعتبر ان استمرار سيطرة حماس على قطاع غزة يعفية من تقديم اي تنازلات في الضفة الغربية. نتنياهو الذي لا يملك اي برنامج سياسي سوى تعزيز الاستيطان في الضفة و التهرب من اي عملية سياسية يعتبر ان استمرار فصل غزة عن الضفة هو الضمانه لعدم الانخراط في عملية سياسية جدية، و لهذا السبب ابدى معارضته و مقاطعته و اتخذ الكثير من الاجراءات لتعطيل عمل حكومة الوفاق الوطني.
مع ذلك، هذا التيار يواجه مشكلة كبيرة تتمثل اولا في استمرار اطلاق الصواريخ و القذائف ، و الامر الاخر ان هذه الحرب اعادت القضية الفلسطينية الى الواجهه و ان هناك الكثيريين من اللاعبين الدوليين و الاقليميين يعتقدون ان حل مشكلة غزة هي ليست فقط من خلال حل مشكلة الحصار و المعابر و لا حتى الميناء و المطار، بل اضافة الى كل ذلك من الامور الاساسية كمقومات لحياة كريمة يجب ان يرافق ذلك عملية سياسية تقود الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة. هذا الامر بطبيعة الحال لا ينسجم مع ما يريده نتنياهو و من معه.
التيار الثاني في اسرائيل و الذي يقف على رأسه وزير الخارجية و زعيم حزب اسرائيل بيتنا ابيقدور ليبرمان و معه نفتالي بينت زعيم البيت اليهودي الاستيطاني و يساندهم في ذلك كل اعضاء الليكود اليمينيين المعارضين لنتنياهو داخل الحزب، هؤلاء يؤمنون ان هدف هذه الحرب يجب ان يكون واضحا، وهو تغيير الاوضاع الامنية في غزة بشكل كلي، حتى لو ادى ذلك الى اعادة احتلال القطاع بشكل كامل. هؤلاء يؤمنون ان اي اتفاق مع حماس سواء كان بشكل مباشر او غير مباشر لن يجدي نفعا و ان اسرائيل ستجد نفسها في مواجهه اخرى بعد وقت قصير، و ان الحديث عن آليات لمراقبة سلاح حماس او نزعه بأرادتها هو كلام فارغ. هؤلاء لا يعطون اجابات على الكثير من الاسئلة التفصيلية حول المدة الزمنية التي سيمكثها الجيش في غزة و ما اذا كانت حجم الخسائر و الضرر السياسي يساوي الثمن ام لا.
مشكلة هذا التيار ان موقف الجيش هو غير ذلك، على الرغم ان ما يقوله الجيش بشكل رسمي انه جاهز لتنفيذ اي مهمة يطلبها منه المستوى السياسي. و المشكلة الاخرى الذي يواجهها هذا التيار ان الغالبية العظمى حتى الان من الاسرائيليين تثق بقدرة نتنياهو و يعلون على ادارة المعركة، و ينظرون الى هؤلاء على انهم مندفعين و لا يتصرفون بمسؤولية. لكن اطالة امد الحرب و استمرار قصف المقاومة و وقوع ضحايا في صفوف الاسرائيليين كما حدث في الايام الاخيرة، هذا الامر يضعف من موقف نتنياهو و يعزز من موقف التيار الاكثر تطرف.
التيار الثالث في اسرائيل و الذي يمثل الوسط و اليسار حيث يقف على رأسه زعيم المعارضة و زعيم حزب العمل اسحق هرتسوق و الى حدا كبير تشاركه الرأي تسيفي ليفني و وزير المالية و زعيم هناك مستقبل يئير لفيد و زعيمة ميرتس زهاغا غلئون. هؤلاء قد يختلفون على طبيعة ادارة هذه الحرب و ما الذي يجب ان يفعلة الجيش من اجل توفير الهدوء للاسرائيليين، لكنهم متفقين على ان الحل ليس عسكري فقط و ان التعاطي مع غزة بمنظور امني و عسكري فقط لا يجدي نفعا ، و بالتالي يجب ان يكون هناك حل لمشاكل غزة كجزء من حل سياسي للقضية الفلسطينية. اي ان هذا التيار يؤمن بضرورة استئناف العملية السياسية التي توقفت نتيجة تهرب نتنياهو من دفع اي استحقاقات سياسية.
على اية حال ، و قبل ان تنتهي هذه الحرب سواء كان بعد يوم او بعد اسبوع او بعد شهر ، النتيجة الاولية المباشرة هي ان الفيتو الاسرائيلي على حكومة الوفاق او اي حكومة فلسطينية وطنية اخرى لن تعارضها اسرائيل بشرط ان تتحمل مسؤولياتها تجاه ما يحدث في غزة، هذا ايضا يشمل رفع الفيتو الاسرائيلي عن اجراء انتخابات تشريعية و رئاسية. و الامر الاخر ان نتنياهو لن يستطيع ان يصمد امام الضغط الدولي لاستئناف العملية السياسية. و الامر الثالث و الاخير هو ان حكومته بتركيبتها الحاليها لن تعمر طويلا ، خاصة اذا انتهت الحرب من خلال اتفاق على اساس المبادرة المصرية او بقرار من الامم المتحدة. هذا يعني ان كل الخيارات ما زالت مفتوحة.