ثقافه المبالغه والتضخيم والتبجيل والالقاب ، بقلم : د. فواز عقل
تبدأ هذه المقاله بحكايه وحوار بين الاستاذ الياباني مع حكيم الاداره العربي
قال الاستاذ الياباني: لاحظت اثناء تجوالي وبحثي أن صاحب المحل التجاري الواحد في بلادكم يسمي محله الاوحد “محلات” وصاحب المؤسسة الصغيرة يسمي مؤسسته”المؤسسة العالمية” ومالكي الشركة المتواضعة يسمون شركتهم”الشركة الدولية”ألا تجد في ذلك تضخيما ومبالغة تجافي الواقع؟
أجاب الحكيم مبتسما:نحن نعشق تضخيم الأشياء والوقائع وتفخيمها والنفخ فيها حتى نجعلها ذات طنه ورنه كرنة الطبل الأجوف وأحمد الله أنك لا تقرأ العربية والا لكنت اطلعت على صحفنا فعرفت كيف نسم كل نجاح عادي بأنه نجاح باهر وكل قرر مألوفب أنه قرار رشيد وكل اجتماع عابر بأنه اجتماع مثمر وكل انجاز طبيعي بأنه معجزة وهذا جزء من تراثنا المجيد فقد كان شاعرنا اذا افتخر بقومه وصلت به المبالغة حد القول”اذا بلغ الرضيع لنا فطاما… تخر له الجبابر ساجدينا”
قال الاستاذ الياباني مستغربا: لكن المبالغة والتفخيم والتضخيم تعمي عن ادراك الواقع على حقيقته وتقعد الانسان عن بلوغ الانجازات الفعلية الواقعية.
عبس الحكيم كأنما مسه الغضب وقال: وهل أجد لديك وسيلة أخرى غير المبالغة والنفخ في الأشياء نداري بها العجز والنقص؟
وهناك اسئلة تثقل كاهلي وكاهل الكثيرين حول الموضوع
⦁ هل الثقافه هي المسؤولة عن ذلك؟
⦁ هل يجد الإنسان في المبالغة والمسميات والألقاب طريقة لمواجهة العجز والنقص؟
⦁ هل الكلمات والمصطلحات تؤدي الى احتلال العقل وكما يقال احتلال العقل يبدأمن احتلال اللغه
⦁ وفي هذا العصر هل التعليم هو المسؤول عن ذلك؟
⦁ وهل اللغة هي المسؤولة عن ذلك؟
⦁ وهل يتأثر الناس بالكلمات والخطب والشعر فقط دون مراعاة ما وراء الكلمات والخطب؟
⦁ هل العرب مغرمون بالمبالغة والالقاب والتبجيل والتضخيم التي تدل على العظمه والتميز لكي يلفت الإنسان الانتباه الى وجوده ونسبه وحسبه؟
ان المبالغه والتضخيم والتبجيل والالقاب ظاهره قديمه متجددة في التاريخ العربي ولقد قرأنا في التاريخ أن شيخ القبيله مثلا كان مميزا ويعلن الحرب والسلام ويتحكم في أمور القبيلة وظهر لقب الملك عند الغساسنة والمناذره في اليمن ثم ظهر لقب الخليفة و السلطان وفي الاندلس اشتغل كل حاكم في منطقته وسماها امارة ثم جاء لقب أمير وقد وصف أحد الشعراء ظاهرة الألقاب بقوله
ما يزهدني في أرض اندلس…أسماء معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها… كالهر يحكي انتفاخا صوله الاسد
وفي لجاهلية الاولى أفتخرت بالاباء والنسب وتكبرت بالقبائل وهذا ابو فراس الحمداني يقول
⦁ ونحن اناس لاتوسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وقال شاعر أخر
⦁ فغض الطرف انك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقال شاعر اخر
⦁ اذا غضبت عليك بنو تميم حسبت الناس كلهم غضابا
وقال اخر
⦁ اذا بلغ الرضيع لنا فطاما تخر له الجبابر ساجدينا
⦁ ولو ارسلت رمجي مع جبان لكلن بحده يلقى السباعا
وهذا جرير يقول
⦁ هذا ابن عمي في دمشق خليفة لو شئت ساقكم الي قطينا
وقال شاعر اخر
⦁ الا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ونحن نعشق المبالغة والتفخيم والالقاب والتهويل والتبجيل ونفخها ونجعلها ذات طنة ورنه كرنة الطبل الأجوف ونعشق توليد المصطلحات والتسميات الكبرى وصناعة العناوين.
فاذا كنت تسير في أي شارع عربي فترى الشعارات والمسميات الفخمة:
⦁ فصاحب المؤسسة الصغيرة يسميها المؤسسة العالمية.
⦁ وصاحب المؤسسة المتواضعة يسميها الشركة الدولية.
⦁ وكل قرار عادي يقال عنه قرار رشيد.
⦁ وكل اجتماع عادي يقال عنة اجتماع مثمر.
⦁ وكل سفره عادية يقال عنها سفرة مميزة.
⦁ وكل انجاز عادي يقال عنه نجاح باهر.
⦁ وكل مجلس بسيط يقال عنه المجلس الاعلى.
⦁ وكل صغير سنا يقال له يا كبير .
⦁ وكل من جلس على كرسي وراء مكتب صغير يقال له ياباشا .
⦁ وكل من ليس له اسم يقال له استاذ.
وفي هذا العصر هنالك ظاهرة عجيبة هي اطلاق القابا وشعارات ومسميات وتعابير مضخمة للذات أو للآخر وكلمات :أبو الخير… أبو عرب…أبو العز…أبو علي…. زين العرب… المحسن الكبير…ابو العريف… صاحب الايدي البيضاء…. رجل مثقف…رجل سياسي…رجل دولة حتى العريس يوصف بأنه عنتر عبس.
وظهرت أسماء اخرى قاعه الامراء… قاعة السلطان… قاعه الملوك…. محلات الباشا… محلات الامير… محلات الامانة… محلات المحبة… ميدان الحرية… محلات السلطان… محلات لوفاء واحيانا نلجأ الى وضع كلمات باللغة الانجليزيه لتسمية محلات وفنادق ومطاعم.
وفي هذه الايام وقد كثرت النقابات… والمؤسسات… والجمعيات… والنوادي… والاحزاب على طول الوطن العربي وعرضة لتمنح الافراد القابا ومسميات ودرجات ورتب جديدة تتماشى مع العصر لان الكل يدعي العظمه فكل شخص عظيم حسب اعتقاده.
وقال شاعر :
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذلك
ولكن كثير من الشعراء ركزوا على الاخلاق كقيمه للانسان اكثر من القبيله والعشيرة والمنصب والاشعار التالية توضح ذلك:
⦁ أكابر الناس بالاخلاق تتصف فليزرع المرء في أقرلنه الادب
⦁ ما عاد اهل العلم ساده قومهم بل سادهم من يتقن التبجيلا
⦁ ما قيمه الناس الا في مبادئهم لا المال يبقى ولا الالقاب والرتب
⦁ لن يلفت الانظار حسن جوادك اذا لم يكن فوق الاصيل اصيلا
⦁ المرء بالاخلاق يسمو ذكره وبها يفضل في الورى ويوقر
⦁ اذا لم يكن صدر المجالس عالما فلا خير في من صدرته المجالس
⦁ فالمجد ما شادت يمينك وليس ما ورثته من حسب وكثرة مال.
ويقول السلطان عبد الحميد:
لم اخشى مطلقاً في يوم من الايام من رجل متعلم انما اتجنب هؤلاء الحمقى الذين يعتبرون انفسهم علماء بعد قراءتهم لبعض الكتب.
وهناك أقوال وحكم تركز وتمجد على اخلاق الناس.
الادب قبل العلم والتواضع قبل الشهره وقال الرسول الكريم:”تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد”
⦁ الفهم قبل الشهاده والاخلاق قبل كل شيء
⦁ كل شهادة لا تعكس تواضعا هي ورقة وحاملها والجدار سواء
⦁ كل منصب يؤدي الى التعالي هو انحطاط وقال شاعر :
⦁ يا اخي لاتمل بوجهك عني فأنا لست فحمه ولا أنت فرقد
⦁ شهادتك منصبك ثروتك قبيلتك هي لك والعمل والاخلاق هي للناس
⦁ ليس كل من أمتطى جواد خيال
⦁ مش كل من يركض في الميدان عداء
⦁ مش كل من صف صواني صار حلواني
⦁ مش كل من تصور مع كتاب صار كاتبا
⦁ والايه الكريمه تقول:ولا تمش في الارض مرحا”
⦁ وايه اخرى”ان الله لا يحب كل مختال فخور”
⦁ وما اجمل ما قال سيدنا عمر”تأهل ثم تصدر”
واخيروا نقول نحن التربويين المحاورون اصحاب اليقظة اصحاب البوصلة نصنع البوصلة لليوم التالي ولا ننتظرها
- – الدكتور فواز عقل – باحث في شؤون التعليم والتعلم .