مأزق وأزمات إسرائيلية في ظل نتائج الانتخابات الأمريكية ، بقلم : مروان أميل طوباسي
تأتي نتائج الانتخابات الأمريكية الليلة الماضية لتلقي بظلالها على الوضع الإسرائيلي وعلى التجربة السابقة من العلاقات بين الطرفين خاصة خلال العام الجاري . فقد واجه الحزب الديمقراطي الأمريكي تحديات داخلية وخارجية عدة ، انعكست في انقسامه الداخلي وتراجع شعبيته بالعديد من الولايات . فبسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية والإخفاقات في السياسة الخارجية، عاقب الناخبون الأمريكيون الديمقراطيين . إلا ان فلسطين كانت حاضرة في الانتخابات خلال الأشهر الماضية بتميز ، حيث تأثر الرأي العام الأمريكي بملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي القائم على الاحتلال الاستيطاني وعلى حجم الجرائم المرتكبة بحق شعبنا ، وتراجعت القاعدة الانتخابية التي لم يستطع الحزب الديمقراطي تحفيزها بل وخسر قطاعات منها لصالح الجمهوريين .
اليوم ، تقع المسؤولية علينا – نحن الفلسطينيين – لاتخاذ موقف تاريخي يعتمد على رؤية وطنية سياسية واضحة وجريئة لمواجهة المتغيرات الحالية بعيداً عن الرهان على حلول أمريكية لن تتغير كثيراً . إذ أن السياسة الخارجية الأمريكية، سواء بقيادة الجمهوريين أو الديمقراطيين، لطالما عكست انحيازاً ضد حقوق الشعب الفلسطيني.
من جهة أخرى ، تتصاعد التحديات السياسية والأمنية داخل إسرائيل في مرحلة غير مسبوقة من الأزمات. فقد جاء قرار بنيامين نتنياهو امس بإقالة وزير الدفاع يوآف جالنت ليعكس رغبته في تحجيم المعارضة الداخلية وتقوية قبضته على الائتلاف الحكومي. وفي الوقت نفسه، يواجه المجتمع الإسرائيلي انقسامات غير مسبوقة بين التيارات الدينية المتشددة والشرائح العلمانية التي تأسست الدولة على أكتافها.
فإقالة جالنت، الذي كان يُمثّل خطاً معتدلاً نسبياً داخل الحكومة رغم مسؤوليته المطلقة عن الجرائم ، تعد خطوة أخرى ضمن سياسة نتنياهو لتعزيز نفوذ التيارات الدينية المتطرفة .
لكن هذه السياسات لم تمر دون رد فعل ، فقد تصاعدت الاحتجاجات الشعبية ضد حكومة نتنياهو وقراراته ، وخرج امس من جديد الآلاف إلى الشوارع في تظاهرات تعكس التصدع العميق داخل المجتمع الإسرائيلي . بالإضافة إلى ذلك، يواجه النظام تحديات أمنية جسيمة، مع تصعيد العدوان على غزة ولبنان، واستمرار القصف من حزب الله في الشمال الذي أدى إلى نزوح كبير من المستوطنات القريبة.
في ظل هذا الوضع الداخلي المعقد، يستغل نتنياهو الانشغال الأمريكي بالفترة الانتقالية هنالك الان ، لتعزيز نفوذه الداخلي والمضي قدماً في تحالفه مع اليمين المتطرف. ففوز ترامب، الذي يُعرف بمواقفه الشعبوية والداعمة لإسرائيل، قد يعزز السياسات الإسرائيلية القائمة على الفكر الصهيوني المتشدد، ويمنح حكومة نتنياهو ضوءاً أخضر لمزيد من التصعيد في المنطقة. فترامب لا يُعرف بتبني موقف واضح ومعتدل، بل سبق وأن أبدى دعماً غير مشروط لإسرائيل، مما قد يؤدي إلى تصعيد أكبر ضد شعبنا الفلسطيني.
ولكن، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، فإن الديمقراطيين أيضاً لم يختلفوا كثيراً عن الجمهوريين في دعمهم لإسرائيل. فالحزب الديمقراطي دفع ثمن شراكته مع إسرائيل ومواقفهم من الحرب التي يخوضنها بأوكرانيا بالوكالة وتصعيد خلافاتهم مع الصين .
ان تصعيد العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، بالتزامن مع التهديدات المتزايدة بحق إيران التي تسعى لتحسين شروط مكانتها بالأقليم في غياب مشروع قومي عربي ، يضع إسرائيل في موقف أمني صعب للغاية. لأول مرة، يعيش حوالي مليوني إسرائيلي في الملاجئ وسط تصاعد القصف المستمر واستقبال صواريخ إيرانية حديثة بدعم من روسيا . تأتي هذه التحديات الأمنية في وقت يواجه فيه النظام الإسرائيلي ضغوطاً غير مسبوقة، حيث تتعمق الفجوات الداخلية، وتزداد التهديدات الخارجية من المقاومة في لبنان وفلسطين ، بالإضافة إلى الدعم الذي تحصل عليه هذه الجهات من إيران، اضافة الى العزلة الدولية المتزايدة ووقوف إسرائيل في قفص العدالة الدولية .
ويبدو أن إقالة وزير الدفاع جالنت جاءت كمحاولة من نتنياهو لصرف الانتباه عن قضايا أخرى ضاغطة، مثل الفضائح السياسية وتسريب الوثائق، وتجنباً لمطالبات متزايدة بمعالجة ملف الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة. كما أن استثناء المتدينين من الخدمة العسكرية وهو الامر الذي يريده نتنياهو يثير استياء الشباب العلماني، مما يزيد الفجوة بين التيارات المختلفة داخل إسرائيل.
في ظل هذه الأزمات الإسرائيلية المتصاعدة وعودة ترامب ، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام مفترق طرق تاريخي يتطلب منهم موقفاً موحداً واستراتيجية وطنية واضحة بعيداً عن الاعتماد على الأوهام الأمريكية . علينا، كفلسطينيين، أن نضع رؤى جديدة مبنية على الوحدة الشعبية والتمثيل الوطني الحقيقي، من خلال تمكين مكانة منظمة التحرير كممثل وحيد وإعادة الروح الى الكفاحية الى حركة فتح وتوحيد صفوفها كقائدة للتحرر الوطني، وأن نبتعد عن السياسات التي تعتمد على توقع دعم خارجي لن يتحقق.
فاليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تتطلب المتغيرات الإقليمية منا أن نترك أشكالا من الانزواء ، حيث التاريخ لا يقبل الفراغ ، فمكاننا هو بين فئات المجتمع وبميدان مواجهة الاحتلال سياسيا وشعبيا حتى يقف عدوان الإبادة ونحمي شعبنا من إرهاب عصابات جيشهم وقطعان مستوطنيهم ، لنواجه تحدياتنا برؤية وطنية شاملة تدرك مصالح الشعب الفلسطيني وتعمل على تحقيق وحدته وثبات حقوقه على قاعدة وحدة الشعب والأرض والقضية وإنهاء الأحتلال .