خطر الأبواب المفتوحة ، بقلم : بديعة النعيمي
عندما تسببت صواريخ القسام في إقلاق راحة البلدات اليهودية في النقب الغربي، قررت دولة الاحتلال تصفية ما أطلقت عليه “الخلايا الإرهابية” المتواجدة في قطاع غزة. فأخذ “إيهود أولمرت” الضوء الأخضر من “جورج بوش” ليبدأ حرب مفتوحة على غزة بتاريخ ٢٧/كانون أول/٢٠٠٨.
وقد صرح قائد هيئة الأركان العسكرية الجنرال “غابي أشكنازي” وقتها للمستوى السياسي بأن “الجيش الإسرائيلي على استعداد تام للمكوث لفترة عام ونصف داخل القطاع لكي لا يبقى القطاع قاعدة لإطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل”.
ويُذكر أن جيش الاحتلال بنى مدينة كاملة في صحراء النقب، تشبه إحدى مدن القطاع. وبدأوا فيها تدريبا على عمليات اقتحامية استمرت لستة أشهر. قيل بعد ذلك أن “الاستعدادات اللوجستية لاجتياح القطاع قد اكتملت تماما”.
وبالفعل حصل الاجتياح الذي قام جيش الاحتلال خلاله بتدمير المرافق الحيوية والمدارس والجامعات والمساجد والمستشفيات والمراكز الطبية ومراكز الإيواء. كما كانت دولة الاحتلال قد استهدفت قبل بدء المعركة ستة من كوادر حركة حماس واستشهدوا جميعا. كما استشهد حوالى ١٥٠٠ من المدنيين وارتُكبت جرائم حرب.
وبعد ٣ أسابيع ويوم واحد توقف القتال، وكانت النتيجة أن القدرات الصاروخية والقتالية لكتائب القسام وبقية الفصائل لم تتأثر.
فالقطاع وقتها تحول إلى فيتنام جديدة. وقد صرح بذلك المعلق اليهودي “يوئيل ماركوس” فكتب في صحيفة “هآرتس” العبرية “أنت تعرف كيف تدخل غزة من خلال عملية كبيرة، ولكنك لا تعرف متى وكيف ستخرج منها، ولا كم سيراق من الدم خلال ذلك، نحن شهدنا فيتنام واحدة في لبنان الأولى ولسنا بحاجة إلى فيتنام ثانية في غزة”.
واليوم بعد السابع من أكتوبر/٢٠٢٣ نجد “بنيامين نتنياهو” وقد أخذ الضوء الأخضر من “جو بايدن” لدخول حرب مفتوحة ومحمومة في قطاع غزة. وقد فتح خلال أكثر من عام نار أبواب كثيرة لفيتنام جديدة مزهوا بانتصارات موهومة يصنعها لنفسه في خياله من الأحياء والقرى المهدمة بالكامل ومن البنى التحتية التي مسحها جيشه الفاشي من الجو وعشرات الآلاف من الشهداء والمفقودين، مدعيا أنه قضى على معظم قدرات حماس وحزب الله!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه.. كيف قضى على تلك القدرات والهيلوكبترات لا تتوقف من غزة وجنوب لبنان نحو المستشفيات تحمل إما جثثا أو إصابات خطيرة من جيشه الفاشل؟
كيف يعتبر نفسه منتصرا والمسيرات التي تنطلق من لبنان تسرح وتمرح وتصيب أهدافها بدقة دون مقدرة قبته الكرتونية على إسقاط أكثرها؟
فهل أوقف تدميره لتلك الأحياء والقرى الكتائب في غزة أو في جنوب لبنان عن إطلاق صواريخها ومسيراتها تجاه شمال فلسطين المحتلة حتى وصلت “تل أبيب” وحيفا وغيرها أو على مستوطنات الغلاف؟
وهل أوقف مجازر الدبابات أو الكمائن أو عمليات القنص التي تُنفذ على مدار الساعة بجيشه؟
الإجابة لا لم يستطع بدليل ما صرح به الصحفي اليهودي “آفي اشكنازي” في صحيفة”معاريف” حيث كتب:
“لأول مرة تخوض “إسرائيل” حربًا على أراضيها عند حدودها الشمالية، في تناقض تام مع عقيدة الأمن الإسرائيلي.”
وكتب أيضا:
“منذ الأزل والحرب تدور إلى جانب العدو وليس في ساحات منازلنا، ومنذ الثامن من تشرين الأول، تخوض “إسرائيل” حرباً مع حزب الله في الشمال، ولأول مرة، وبقرار حكومي، تم إخلاء السكان من منازلهم، مما أدى إلى إنشاء منطقة أمنية تدور فيها الحرب على “الأراضي الإسرائيلية, وهذه ليست مشكلة تكتيكية فحسب، بل إنها تكشف عن ضعف إسرائيلي وسابقة خطيرة للمستقبل”.
وشعب دولة الاحتلال أدرى بعثرات حكوماتها.
“أولمرت”في ٢٠٠٨ أدرك خطر الاستمرار في حرب داخل غزة فخرج منها ذليلا بعد ٢١ يوما، أما اليوم فإننا نجد “نتنياهو” وقد فتح على نفسه أبواب جهنم دون أن يدرك خطر ما فتح.