حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة ، بقلم : سري القدوة
على الرغم من وقوف أمريكا مع إسرائيل إلا أن الأخيرة تشعر بالعزلة العالمية لتجد نفسها في مواجهة العزلة الدبلوماسية المتزايدة بسبب حربها في غزة، ورغم ذلك فان حكومة الاحتلال المتطرفة باتت غير مهتمة بما يقال عنها أو بما وصلت إليه من مستوى غير مسبوق من الاتهامات المباشرة لارتكابها جرائم الحرب والإبادة الجماعية وأنها غير مبالية بما يعتقده العالم عنها، بينما أصبحت دولة غير آمنة للعديد من الإسرائيليين المقيمين فيها والذين أغلبهم قد غادرها بالفعل بلا رجعة.
وتصدر المشهد نتنياهو عبر مواقفه وعزمه على تغيير واجهة الشرق الأوسط، بينما افتقدت إسرائيل الأمن والهدوء ولم تعد قادرة في واقع الأمر على إقناع الإسرائيليين بتوفير الاستقرار، حيث أصبحت إسرائيل تعيش في عزلة دائمة، وأصبحت دولة غير آمنة بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، خاصة أصحاب الجنسية المزدوجة، وأن العديد منهم يعترفون بعدم الارتياح لأنهم لا يسمعون من نتنياهو أية نهاية واقعية باستثناء المزيد من الصراع، ويعترفون بأنهم أصيبوا بصدمة بسبب السرعة التي فقدت بها إسرائيل التعاطف العالمي والعواقب المترتبة على ذلك وواقعهم ومستقبلهم المعيشي.
حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة عكست استراتجية جديدة لهيمنة اليمين الإسرائيلي، وحملت توجهات في إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وتثير الأصوات المتطرفة داخل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، مخاوف مما يسميه البعض “التطلعات التوسعية نحو ما تعرف بـ”إسرائيل الكبرى” حيث يعتقد التكتل المتطرف أن بإمكانه التمدد إلى ما يعرف إسرائيلياً بين دجلة والفرات، ويعلنون صراحة من خلال خرائط يلتقطون الصور أمامها أنهم لن يكتفون بغزة.
ولا يمكن أن تكون تلك التطلعات التوسعية العابرة للحدود على الأجندة الآنية لحكومة الاحتلال بالرغم من أن التكتل اليميني المتطرف يتبنى مثل هذه الشعارات، وفي حقيقة الأمر تبقى الصورة التي تتمحور في عقلية نتنياهو في الوقت الراهن وما يمكنه رسمه عبر الشرق الأوسط الجديد حول تمكين إسرائيل من استيطان ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وإعادة احتلال قطاع غزة وضم الضفة الغربية، ولا تخفي إسرائيل نواياها بشأن تمديد مشروعها الاستيطاني، وأعلنت وبشكل صريح عن نيتها مضاعفة عدد المستوطنين إلى مليون، رغم ما يلقاه ذلك من انتقادات عربية ودولية.
وضمن المشهد السياسي الإسرائيلي هناك عدد من الوزراء في الحكومة اليمينية المتطرفة لا يؤمنون بحل الدولتين، والآن نبدو أبعد ما نكون عن قيام دولة فلسطينية منذ اتفاقات أوسلو، ولكن لا يمكن الاعتقاد أن المجتمع الدولي سيوافق على هذه الخرائط الإسرائيلية التي تخلو من الأراضي الفلسطينية، حيث تؤكد كل المعطيات أن المنظور الإسرائيلي للشرق الأوسط الجديد لا يمكن تحقيقه وصعب أن يصبح أمراً واقعاً، وتغيب شعب فلسطين عن المشهد بمجرد تنفيذ مخططات الاحتلال التصفوية.
ولا يمكن لدولة الاحتلال أن تستمر في حربها دون تقديم الدعم الشامل والمتكامل، وتبني المشروع الإسرائيلي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والتي عملت خلال الحرب على توفير الدعم العسكري والسياسي والمالي لحكومة التطرف، وقامت بإمدادها بالسلاح المناسب لخوض حربها، ووفرت لها التغطية السياسية الدولية مستخدمة حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي لأكثر من ثلاث مرات لمنع تمرير قرارات إدانة لإسرائيل، حيث قدمت دعماً كبيراً لإسرائيل لتضمن تفوقها الاستراتيجي، وكثفت من وجودها العسكري في ظل تزايد التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة.