التعليم الالكتروني في أوقات الازمات و عدم الاستقرار: التعليم المهني و التقني ، بقلم : د. ملكة سمارة
يعتبر قطاع التعليم بشكل عام وقطاع التعليم المهني و التقني بشكل خاص في فلسطين أحد أكثر القطاعات تضررًا من جائحة كورونا COVID-19في مارس 2020. وتطلب ذلك إغلاق المدارس وغياب آلاف الطلاب عن فصولهم العادية وانتقالاً سريعاً إلى التعليم الإلكتروني للحفاظ على استمرارية التعليم.
ومع ذلك، كانت التحديات التي تواجه استخدام التعليم الإلكتروني عديدة، بما في ذلك الحاجة إلى بنية تحتية رقمية لهذا التحول غير المسبوق وافتقار المعلمين إلى المعرفة والمهارات والكفاءات للنهوض بالتعليم الإلكتروني. علاوة على ذلك، لم يكن معظم الطلاب وأسرهم مجهزين بشكل كافٍ بالإنترنت والكهرباء و ثقافة التعليم الالكتروني و التعليم عن بعد.
في أبريل 2020، أطلقت وزارة التعليم والتعليم العالي خطتها الوطنية للاستجابة لجائحة كورونا ، والتي أكدت على التعليم عن بعد كحل لضمان استمرارية التعليم وحددت الإجراءات الحكومية لتنفيذ الخطة.
كما أطلقت الوزارة سلسلة من المبادرات عبر الإنترنت على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية المحلية لتقديم الدعم للطلاب.
واستخدمت هذه المبادرات أدوات تعليم إلكتروني متزامنة وغير متزامنة.
كان الوضع يختلف بالنسبة للتعليم المهني و التقني, حيث شكل التعليم الالكتروني تحديا اكبر للمعلمين و الطلبة و الذي كان يتطلب تعليم مهارات عملية تتطلب المزيد من الوقت والجهد والممارسة والإبداع للتعليم والتعلم من كلا الطرفين : المعلمين والطلبة.
في الوقت نفسه، بدأ بعض معلمي التعليم المهني و التقني في استخدام منصات عبر الإنترنت مثل تطبيق زووم, فيس بوك و واتس اب لتقديم التعليم الإلكتروني المتزامن، بينما بدأ معلمون آخرون في تنفيذ أساليب التعليم الإلكتروني غير المتزامنة، مثل تسجيل دروسهم على YouTube والقنوات التلفزيونية المحلية اعتمدت ممارسات هؤلاء المعلمين على معارفهم ومهاراتهم وكفاءاتهم التي يمتلكونها في استخدام المنصات والأدوات والأساليب الرقمية لتقديم التعليم الإلكتروني لطلابهم.
ومع ذلك، بما أن مستويات كفاءة تكنولوجيا المعلومات والاتصال (ICT) ومستويات التأهيل و التأقلم مع فكرة و بيئة التعليم عن بعد كانت تختلف و تتفاوت من معلم إلى آخر, و هذا شيء طبيعي, حيث انه يعتمد على عوامل مختلفة منها المؤهلات العلمية و الخبرة العملية و الشغف في استخدام الأدوات و التطبيقات التكنولوجية من اجل التعليم و التعلم, القناعة بأهمية استخدام التكنولوجيا للتعليم عن بعد, و أيضا هناك صفات يمتلكها القليل من الافراد و التي تسمى الكفايات الفوقية( meta-competencies) و هي كفايات يمتلكها الافراد تمكنهم من التكيف و التعامل و الاستجابة للتغيير في وقت الازمات اكثر من غيرهم.
هذا بدوره كان عاملا مساعدا لتميز بعض المعلمين و اظهار ابداعهم في التعليم عن بعد و بالتالي نجاحهم في تقديم المحتوى التعليمي لطلابهم, حيث اصبح هؤلاء المعلمين يمثلون قصص نجاح يحتذي بها عالميا.
في الوقت الحالي , يعاني النظام التعليمي في فلسطين من الحرب و تبعاتها و التي تؤثر سلبا على انتظام العملية التعليمية , و لا يزال جميع القائمين على التعليم من حكومة و وزارات و طواقم التعليم في المؤسسات التعليمية و الطلبة و ذويهم يبذلون قصارى جهدهم للتواصل مع الطلبة و دعمهم لتمكين العملية التعليمية من الاستمرار.
ومن هذه الجهود هي استخدام منصات التعليم الالكتروني في حال عدم تمكن الطلاب و المعلمين بالوصول الى مدارسهم .
و لا زال, فان هناك حاجة ملحة بوجوب أخذ العديد من العوامل في عين الاعتبار عند دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات(ICT) في التعليم حيث تواجه البلدان النامية على وجه الخصوص العديد من العوائق أمام تنفيذ التعليم الإلكتروني، بما في ذلك القيود التكنولوجية والبنية الأساسية، ونقص معدات تكنولوجيا المعلومات والوصول إلى الإنترنت و الكهرباء، ونقص التمويل، وفي بعض الحالات أيضًا مقاومة التغييروتبني ثقافة التعليم عن بعد تمثل التحدي الاكبر.
لذلك، يجب تصميم التعليم الإلكتروني في البلدان النامية بعناية لمراعاة هذه التحديات والتغلب عليها.
إن استخدام التعليم الإلكتروني لتقديم تعليم عالي الجودة للطلبة يتطلب أيضًا أن يمتلك المعلمون التدريب والمعرفة والمهارات والكفايات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات .
وكما ذكرت إحدى الدراسات: “المعلمون الأكفاء هم مفتاح التنفيذ الناجح للتعلم الإلكتروني ويجب أن يتمتعوا بالمهارات والخبرة المناسبة للتنفيذ الفعال” (Gulbahar & Kalelioglu 2015) , ومع ذلك، فإن الأطر اللازمة لتطوير كفاءات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتعلم الإلكتروني لدى المعلمين تحتاج إلى التكيف مع الاحتياجات المحلية ومستويات مؤهلات المعلمين، كما يجب تحديد الكفاءات المحددة التي يحتاج إليها المعلمون حيث تشير الخبرة الدولية في تصميم برامج التعليم الإلكتروني إلى أن برامج التدريب لمعلمي التعليم والتدريب المهني والتقني في فلسطين يجب أن تبدأ بالخطوة التالية بعد محو الأمية الرقمية، وهي تعميق المعرفة (اليونسكو 2011).
يمكن لمثل هذا النهج أن يحول المعلمين من امتلاك المعرفة الأساسية بأساليب التعليم الإلكتروني إلى القدرة على تطبيق تلك المعرفة لاستخدام التكنولوجيا الرقمية لحل المشكلات المعقدة، والانتقال من أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأساسية إلى أدوات أكثر تعقيدًا، وتحويل فصولهم الدراسية إلى مجموعات يديرونها ويوجهونها عبر الإنترنت.
وعلاوة على ذلك، “يتطلب التدريس باستخدام التكنولوجيا من المعلمين توسيع معرفتهم بالممارسات التربوية عبر جوانب متعددة من عمليات التخطيط والتنفيذ والتقييم” (Ertmer & Ottenbreit-Leftwich 2010) ومع ذلك فإن مثل هذا التحول سوف يتطلب تصميم برامج تدريبية تعمل على بناء قدرات المعلمين على الأبعاد التالية:
(1) معرفة في محتوى التعليم الإلكتروني؛
(2) المعرفة التربوية بمناهج وممارسات التدريس الالكتروني؛
(3) الموارد التعليمية أو التكنولوجيا أو المواد الجديدة أو المعدلة.
(4) كما يتطلب الأمر تغيير معتقدات المعلمين ومواقفهم التربوية فيما يتعلق بمناهج التعليم الإلكتروني حيث لا يزال هناك من لا يؤمن باهمية التعليم الالكتروني و التعليم عن بعد.
و في النهاية, لا يمكن الاعتماد على جهة واحدة و وضع المسؤولية على عاتقها لاحداث التغيير و القيام بكل المهام , لذلك أكدت الأبحاث أن عقلية المشاركة الموحدة و الدعم من جميع أصحاب المصلحة والجهات الفاعلة a unified ‘buy-in’ mindset of all stakeholders تمكن من إحداث تغيير ذي معنى على مستوى أكثر أهمية لتحقيق النتائج المرجوة من عملية التعليم.
كذلك يجب تحفيز ثقافة التعليم و التعلم عن بعد لأنها أصبحت ثقافة سائدة في كل دول العالم من اجل تعليم و تعلم مهارات و كفايات و معارف جديدة و التي هي جزء من استراتيجيات التعلم مدى الحياة ( Lifelong Learning ) التي أصبحت جزء من أنظمة التعليم و ذلك لتأهيل الطلبة و المتعلمين بشكل عام على مواكبة التغيير السريع و المستمر في متطلبات سوق العمل.
- – : د. ملكة سمارة – خبيرة و باحثة دولية في مجال التعليم المهني و التقني