بيضة القبان في الانتخابات ، بقلم : عمر حلمي الغول
دخلت الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 الربع ساعة الأخيرة، ولم يبق سوى 48 ساعة على تصاعد الدخان الأبيض وإعلان الفائز، في الانتخابات الأهم والأكثر استقطابا وتنافسا بين المرشحين المركزيين دونالد ترامب الجمهرري وكمالا هاريس الديمقراطية، لما لها من تداعيات على مستقبل الولايات المتحدة في ظل التحديات التي تواجهها نتاج الانزياحات الجيو سياسية العالمية لإعادة تشكل المنظومة العالمية وبناء عالم جديد متعدد الأقطاب، وسحب البساط كليا من تحت اقدام واشنطن، التي مازالت حتى اللحظة المعاشة تستأثر بمكانة القطب الوحيد، وبالقرار السياسي العالمي في المحافل الدولية، وفي قارات الكرة الأرضية، فضلا عن الازمات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية وخاصة ملف الإجهاض والتأمين الصحي والهجرة ومستقبل الديمقراطية الأميركية.
وفي سباق محتدم مع الدقائق والساعات الأخيرة من الحملة الانتخابية لكلا المرشحين، برز صوت الجاليات العربية والإسلامية ليحتل لأول مرة في تاريخ الانتخابات الأميركية، باعتباره بيضة القبان، رغم ان نسبتهم لا تزيد عن 1% من سكان الولايات المتحدة، حيث تشتد المنافسة على استقطابه وخاصة في الولايات الخمس المؤثرة في أصوات المجمع الانتخابي، وتحديدا في ولاية ميتشغان، التي حصد فيها الرئيس بايدن في انتخابات 2020 الأصوات التي رجحت فوزه، كونها تعتبر الحاضنة للأغلبية العربية والإسلامية، الذين يتمركزن في مدينة ديربورن التابعة للولاية.
وتحتل حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا، وامتدادها للحرب المفتوحة على الشعب اللبناني الشقيق مكانة هامة في العملية الانتخابية، حيث عبر العرب والمسلمين عن سخطهم وغضبهم من سياسات الإدارة الديمقراطية الحالية بقيادة بايدن، الذي قاد الحرب بشكل مباشر، ولم يتوقف عن تقديم كل اشكال الدعم السياسي والديبلوماسي والعسكري والأمني والمالي والإعلامي لحكومة نتنياهو فوق النازية حتى اللحظة الراهنة.
فضلا عن أن، كلا المرشحين حاولا ويحاولان حتى الثانية الأخيرة من الحملة على استقطاب الأصوات العربية والإسلامية، ولكن هناك حالة من التوترات السياسية القوية بين الاميركيين من أصول عربية وإسلامية، بسبب استياءهم وسخطهم من سياسات كل من الحزبين ومرشحيهم، ولهذا يسعى الرئيس ترامب لزيادة نسبة المصوتين العرب والمسلمين له، وكان زار أول أمس الجمعة الأول من تشرين اول / نوفمبر الحالي مدينة ديربورن والتقى بنحو 100 شخصية في احد مطاعم المدينة بهدف استمالتهم لصالحه، ووعدهم بوقف الحرب في قطاع غزة ولبنان، وحاول تضليلهم بهذا التوجه، وتناسى بعضهم انه، هو الذي صادق على صفقة القرن واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل ابيب الى القدس العاصمة الفلسطينية، وحاصر السلطة الفلسطينية، وسعى بشكل حثيث لتصفية ملف اللاجئين الفلسطينيين، وهو ذاته الذي وعد المليارديرة مريم اديلسون ونتنياهو اثناء لقاءه في تموز / يوليو الماضي بتوسيع مساحة دولة إسرائيل على حساب دولة فلسطين المحتلة والدول العربية المحيطة بها.
كما ان هاريس نائبة الرئيس الأميركي الحالي، لم تتخذ أي قرار ضد تسليح إسرائيل، ومازالت تنادي بذات الموقف الأميركي “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها”، ورفضت في مؤتمر الحزب الديمقراطي في آب / أغسطس الماضي اللقاء مع ممثلي العائلات الفلسطينية الثكلى، والتي عاشت فظاعة وهول الإبادة الجماعية، وسقط العديد من أبنائها ضحايا النازية الإسرائيلية، في الوقت الذي التقت فيه ممثلي العائلات الإسرائيلية، واعطاهم القائمون على المؤتمر حق الادلاء بموقفهم، ومنعوا ممثلي الجالية الفلسطينية والعربية من التعبير عن موقفهم، ليس هذا فحسب، بل رفضت المرشحة الديمقراطية اللقاء معهم، وبالتالي مواقفها الداعية لوقف الحرب، واستخدام جملة سياسية إيجابية نسبيا لصالح الحقوق الفلسطينية، لم يغير من جوهر موقفها تجاه الصراع الدائر، ولم تعد بموقف حاسم وواضح من التغول والوحشية النازية الإسرائيلية.
ورغم تصريح الإمام بلال الزهيري المتسرع باعتبار ترامب، بأنه مرشح “السلام” بعد اللقاء في مطعم عباس في مدينة ديربورن، وانهم كمسلمين يدعمون ترامب، الذي وعد بإنهاء الحرب في الشرق الأوسط واوكرانيا، الا ان حالة التوتر في صفوف الجاليات العربية والإسلامية مازالت متواترة، وهناك حالة من رفض التصويت لكلا المرشحين ترامب وهاريس، وتميل كفة التصويت لصالح المرشحة المستقلة جيل ستاين، رغم حظوظها الضئلة في الانتخابات، بيد ان التصويت لها سينعكس سلبا على التصويت لصالح هاريس، ومن الممكن ان يؤثر على فوزها. وأي كانت النتائج، فإن الصوت العربي الإسلامي بات عاملا حاسما في اللعبة الديمقراطية الأميركية، وهو ما يفرض عليهم تعزيز دورهم ومكانتهم في المشهد الأميركي، باعتبارهم قوة مؤثرة وحاسمة.
بالنتيجة ما هي الاحتمالات الممكنة أمام المرشحين الأبرز كمالا هاريس الديمقراطية ودونالد ترامب الجمهوري، اعتقد ان المرشحة الديمقراطية ستحظى بأغلبية نسبية ومحدودة على منافسها المرشح الجمهوري في حصد الأصوات وفي المجمع الانتخابي، ولكن بفارق بسيط ومحدود جدا. لا سيما وان نتائج استطلاعات الرأي تشير بشكل واضح الى تفاوت ضيق جدا بفارق نقطة او نقطتين بينهما، وان غدٍ لناظره قريب.