شفا – قالت مجلة The Nation الأمريكية إنه في حين يراقب العالم ما يحدث، يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة كارثة إنسانية متعمدة ذات أبعاد ملحمية تتفاقم مع مرور كل ساعة.
وأبرزت المجلة أنه في الأسابيع الأخيرة، فرضت “إسرائيل” حصاراً كاملاً على شمال غزة وكثفت قصفها هناك، مع ورود تقارير تفيد بأن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تنفذ سياسة التجويع لإجبار الفلسطينيين المتبقين على الانتقال إلى الجنوب.
ولفتت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي دمر بالفعل جزءاً كبيراً من غزة، ولكن إذا لم يتحرك المجتمع الدولي على الفور، فلن يبقى شيء أو أحد في الشمال.
وبحسب المجلة اختبر عاما كاملا من حرب الإبادة الإسرائيلية قدرة سكان قطاع غزة على التحمل بطرق لم يكن تخيلها قط، لكن الأسابيع القليلة الماضية دفعتهم إلى أقصى حدود أي شيء يمكن وصفه بأنه “حي”.
المشاهد مأساوية للغاية
تناولت المجلة حالة الطبيب عزالدين شهاب (28 عامًا) من شمال غزة، الذي ولد ونشأ في جباليا ولا يزال يقيم حاليًا فيها، وحتى الثاني والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، كان يعمل في غرفة الطوارئ في المستشفى الإندونيسي المدمر الآن.
وقال شهاب “بصفتي طبيباً تخرجت وعدت إلى غزة العام الماضي بعد عقد من الزمان في الخارج، فقد كرست حياتي للشفاء. ولكن هذه المهمة سُلبت مني”.
وأوضح “عملت في المستشفى لمدة ثمانية أشهر قبل أن أضطر إلى المغادرة عندما حاصر الجنود الإسرائيليون المجمع ، تاركين المستشفى بدون كهرباء. نفدت جميع الإمدادات الطبية تقريبًا، ولم يكن هناك أي وسيلة لعلاج الجرحى. كانت سيارات الإسعاف تكافح للوصول إلى الجرحى، وكان سائقوها يخاطرون بحياتهم للتنقل في الشوارع التي تحولت إلى حفر وأنقاض”.
وذكر شهاب أنه داخل المستشفى، كانت المشاهد مأساوية للغاية “كان علينا أن نتخذ خيارات مستحيلة: من ننقذ ومن نتركه يموت، ليس لأن إصاباتهم كانت بالغة الخطورة، ولكن لأن الحصار الإسرائيلي كان يعني ببساطة أننا لم نكن نملك الإمدادات اللازمة لمساعدتهم”.
وتابع قائلا “لقد شاهدت أطفالاً يموتون بسبب نفاد شيء أساسي مثل المضادات الحيوية”.
قتل الأطباء والممرضين
شهد شهاب قتل الاحتلال الإسرائيلي العديد من زملائه لمجرد قيامهم بعملهم، فيما تقطعت السبل بآخرين في مناطق خطرة، غير قادرين على الوصول إلى المستشفيات التي تشتد الحاجة إليها. وفي كل يوم نخاطر بحياتنا، وندرك أن الأماكن التي كان من المفترض أن تعالج المرضى أصبحت أهدافاً.
وأكد الطبيب شهاب أن منطقة شمال غزة تحولت إلى مقبرة مفتوحة، ولم يعد هناك ملجأ آمن لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين ما زالوا هنا، بما في ذلك 72 فرداً من عائلته.
وقال “لقد دُمرت المستشفيات والمدارس والمنازل ـ الأماكن التي كانت مخصصة للمأوى والحماية، تماماً، وتحولت كل المساحات التي كانت تعدنا بالأمان إلى غبار، لقد بلغ حجم الدمار حداً لا يمكن قياسه، والضحايا من البشر مذهولون”.
وأضاف أن “الشوارع التي كان الأطفال يلعبون فيها أصبحت الآن مليئة بالجثث، ومن بقي منا محاصرون، محاطون بالموت. وإذا لم تقتلنا انفجارات القنابل، فإن الحرائق التي تسببها ستقتلنا”.
التجويع سلاح حرب
لقد أصبح الفلسطينيون في شمال غزة محرومين من الغذاء والماء والإمدادات الطبية، وتبحث الأسر عن كل ما يمكنها العثور عليه للبقاء على قيد الحياة مثل الدقيق المتعفن، والمعلبات منتهية الصلاحية، وأي شيء يمكن استهلاكه.
بموازاة ذلك أصبحت الخضراوات الطازجة واللحوم والحليب ذكريات بعيدة منذ أكثر من عام، وخاصة بالنسبة لأطفالنا الذين أصبحت أجسادهم هشة بسبب سوء التغذية.
وقال الطبيب شهاب “إن الجوع سلاح يُستخدم لقتلنا ببطء، ويراقب الآباء بلا حول ولا قوة أطفالهم وهم يذوون ويضعفون يوما بعد يوم، ولم تعد أجسادهم الصغيرة قادرة على محاربة العدوى المنتشرة في الملاجئ المكتظة”.
وتابع “لقد فقدت العد لعدد المرات التي اضطررت فيها أنا وعائلتي إلى النزوح. لقد اضطررنا إلى الفرار من مبنى مدمر إلى آخر، بحثًا عن الأمان الذي لا وجود له”.
وأضاف “إننا نعيش الآن في مدرسة تابعة للأمم المتحدة بالقرب من مخيم جباليا للاجئين، ولكن حتى هنا، في المكان الذي يفترض أن يكون ملاذاً آمناً، فإننا لسنا في مأمن. فالقنابل تسقط على مقربة شديدة منا حتى أننا نشعر بأن الجدران تهتز”.
وذكر الطبيب شهاب أن الفصول الدراسية المخصصة للتعلم تمتلئ بصراخ الأطفال الصغار الذين لا يستطيعون فهم سبب انهيار عالمهم من حولهم. والازدحام لا يطاق، حيث تتكدس العشرات من الأسر في غرف ضيقة، وتتشبث بشدة بالأمل في النجاة من الضربة التالية.
وأكد أن ما يحدث في غزة هو اعتداء على الطفولة نفسها وحرب ضد جوهر ما يعنيه أن تكون إنسانًا.
وشددت المجلة الأمريكية على أنه يتعين على إدارة بايدن والمجتمع الدولي أن يفتحا أعينهما، والأهم من ذلك، قلوبهما. إن ما تفعله “إسرائيل” في غزة ينتهك كل معايير القانون الدولي، وكل ذرة من الكرامة الإنسانية، ويشكل سابقة خطيرة.
وأبرزت أن الحصار، وقصف المنازل والمدارس والمستشفيات، والقتل الجماعي للمدنيين، هي جرائم تتطلب أكثر من مجرد الإدانة. إنها تتطلب اتخاذ إجراءات فورية لوقفها.
بعد عام من الرعب المتواصل، لابد وأن ينتهي الهجوم الإسرائيلي أخيراً. الفلسطينيون في غزة لا يطلبون الكثير، بل يطالبون فقط بالحق في العيش في حرية وكرامة وأمان، وأن يروا أطفالهم يكبرون. وأن يحصلوا على الغذاء والرعاية الطبية. هذه ليست ترفاً؛ بل هي حقوق إنسانية أساسية. حقوق تُنتزع مني بينما يراقب العالم بصمت.