الأونروا الضحية الجديدة بقلم : عمار جبر
لم يكتب على شعبنا وكل من يسانده الا الشقاء، فالمواجهة اليومية مع الاحتلال على جميع الصُّعُد، لكنها هذه المرة تطورت في إبداع جديد للعقلية الإرهابية في أدمغة مستوطني الكنيست، الذي عشعشت في أدمغتهم الإجرامية معاداة الإنسانية وكل ما يخصها ويعنيها، فهم يتنصلون بشكل شبه يومي من المعاهدات والمواثيق الدولية، ويخرقون أبسط القوانين البشرية، يستخفون بما هو حق له، يبررون القتل بمنتهى الوقاحة، ويستغلون وقتهم في التشبث بعدوانيتهم للشعب الفلسطيني برمته، المواجهة هذه المرة مع إحدى شرايين الحياة للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، بزيادة قانون جديد يضاف إلى القوانين العنصرية التي تصدر كلما أردوا محاولة إخضاع هذا الشعب، قوانين تستهدف المواطن الفلسطيني اللاجئ على أرضه بشكل مباشر ، ليقر بالأمس الكنيست الإسرائيلي وبشكل نهائي قانون حظر نشاط عمل وكالة الأونروا بشكل كامل، الأونروا التي يتبلور عملها حماية الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وتبذل لذلك جهوداً مستميتة لتحقيقها كما هو مذكور بند الحماية في ميثاقها وهي بشكل رئيس” الحق في الصحة، والحق في التعليم، والحق في الحياة الأسرية، والحق في عدم التمييز، والحق في عدم التعرض للاعتقال التعسفي، وغيرها من الحقوق الأساسية بموجب القانون الدُّوَليّ”.
إن القرار الذي أقره الكنيست، يتعامل مع الأونروا التي تُعني بتشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين، بصفتها منظمة إرهابية ويحظر على السلطات الإسرائيلية التواصل معها ويمنع عملها في مناطقها وفي القدس الشرقية، يهدد قطاعين هامين يعززان صمود الشعب الفلسطيني، أولاها التعليم الذي يعتبره الشعب الفلسطيني ركيزة هامة في صموده في مواجهة الاحتلال، وثانيها القطاع الصحي الذي يسند وبشكل قوي القطاع الصحي الفلسطيني الحكومي، والذي يعاني من نكسات متتالية بسبب الاستهداف المتكرر لكوادره وأجهزته ومحاصرة وجوده وتدمير بنيته التحتية ك، إن هذا القرار لا يهدف إلا كسر صمود الشعب الفلسطيني فقط، بل يغذي ويوسع دائرة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويشجع على المعاقبة الجماعية له دون مبررات، فهو يحرم الفلسطينيين من أبسط حقوقهم الإنسانية التي فرضها النظام الدولي على سلطات الاحتلال أينما وجدت، خاصة في القدس الشرقية التي يحاصرها الاحتلال بشكل خانق، ولأننا نقع تحت نير أخر احتلال على هذه البسيطة، يرجح العالم المتعامي كفة الجلاد، ويسقط من حساباته “الإنسانية” أنه ابتدع حقوق ومواثيق لصون كرامة وحياة الإنسان، ويرفض بشكل مطلق تنفيذها عندما تتعلق المسالة بالإنسان الفلسطيني، فهي قوانين انتقائية، فلا وجود للضحية الفلسطينية في مواجهة المستوطن الصهيوني، بحسبها، ولا تستطيع تنفيذ إلا ما يصب في صالح الاحتلال، قرار ابتدعته تلك العقول الإجرامية، لكسر ثَبات الشعب الفلسطيني، وإلغاء كامل لقرارات الشرعية الدولية التي تُعنى بحق العودة وحقوق اللاجئين، التي لا تستطيع سلطة احتلال على إلغاءها بتلك البساطة، فالشعب الفلسطيني شعب حي لن ينسى أو يتخلى عن حقيقة وجوده قبل هذا الاحتلال السرطاني.
إن الإفلات المتكرر من العقاب، يسمح للاحتلال وأدواته الاستيطانية بالتمادي شيئاً فشيئاً، وتتقلص قائمة المحظورات في منظوره، احتلال استباح كل شيء بلا رادع وبلا عقوبات، وهو سيسمح باستهداف الوكالة ومقراتها وأفرادها بوصفها جهة ارهابية، فهو أسقط بهذا القانون الحصانات والامتيازات لها بوصفها منظمة دولية تستمد شرعيتها من القانون الدولي الذي أسسها لغاية إدامة حياة اللاجئين الفلسطينيين في مكان تواجدهم، وهذا الاستهداف المباشر الذي سيطال الأونروا ينسحب بشكل سلبي على الشعب الفلسطيني، وتهدم جهود الأونروا التي رافقت اللاجئين الفلسطينيين منذ كانون الأول ١٩٤٩، وتحرم 545,000 ألف طالب على مقاعد التعليم الأساسي المجاني، وهو بذلك إسقاط لحقوق اللاجئين ومحاولة إنهاء القضية الفلسطينية بأي طريقة في تقاطع وقح مع ما أقره الكونغرس الأمريكي في أدار الماضي بمنع تمويل الأونروا حتى العام القادم، والهدف واضح تجفيف مصادر تمويلها، وشل مقدرتها على تقديم خدماتها للاجئين، إن وجود الاونروا مرهون بحل القضية الفلسطينية حسب ما يقتضي القانون الدولي، ولا تملك أي جهة كانت إنهاء هذا التفويض لها، أو محاولات تضييق الخناق عليها أو حتى استبدالها وتجفيف مصادر تمويلها.
إن الاكتفاء بالتنديد والتصريحات، لن يفيد في هذا السياق الذي لا يمكن أن يمر مرور الكرام، فسلطات الاحتلال في مواجهة الآن مع الأمم المتحدة التي تعتبر الأونروا إحدى وكالاتها الأساسية، واذا بقيت إسرائيل متمسكة بتعنتها تجاهها سيتعين على الأمم المتحدة، باتخاذ قرار حاسم بإلغاء عضوية إسرائيل فيها، وأقصائها من المنظومة الدولية، وهذا الإقصاء يأتي وفق المادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة “إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ هذا الميثاق، جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن.”
وهذا الإقصاء يجب أن يتلوه إعادة النظر بشكل كامل بقرار التقسيم الجائر الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى هذا القضية الفلسطينية برمتها.