6:00 صباحًا / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

رؤى (2) ، العنف ليس قدرا ، بقلم : د. غسان عبد الله

رؤى لمواجهة اّثار العنف المحلي (1) بقلم : د. غسان عبدالله

رؤى (2) ، العنف ليس قدرا ، بقلم : د. غسان عبد الله

سألني زميل تربوي يكبرني سنا، هل ممكن منع العنف تحديدا نحو الأطفال؟؟!!


بعد ابداء دهشتي من السؤال ، قلت له : العنف له جذور في السلوك المكتسب، والخيارات المتاحة، ولعدم المساواة، وإساءة استخدام السلطة دور في ذلك، وبالتالي فسلسلة العنف مرتبطة بعدة حلقات منها الذاتي (نمط التربية والتنشئة ، ومنها المفروض بحكم واقع قوة الباطل ، والذي نأمل زواله عن قريب) ، وهو جزء من وباء صحي عام تظهر أعراضه بطرق مختلفة وله انعكاسات سلبية عديدة على كل من المعنّف ( بكسر النون) والمعنّف( بفتح النون)، بغض النظر عن الجنس والنوع الاجتماعي، مع ملاحظة أن للعمر والتحارب الحياتية لها دور في تحديد عمق وديمومة الصدمة النفسيّة الناجمة عن هذا الوباء القاضي على الدافعية وركائز بناء ذات الانسان سوي السلوك .


هناك من يعتقد، أفرادا وجماعات ، مخطئا طبعا ، أن لا بديل عن اللجوء الى هذه الاّفة الأسلوب المقيت لحل ما يواجهه من تحديات وصعوبات في حياته وأن لا بديل عن العنف.


يعاني مثل هؤلاء الى فقر وضحالة في المخزون الثقافي جراء التربية غير السليمة ، وبالتالي عدم القدرة والجاهزية لتبني وسائل بديلة للعنف ، مما يستوجب العمل عليهم لاختراق عقولهم وأنماط تفكيرهم ، واستبدال ما يعتقدونه بثقافة وفكر يقوم على تفهم الاّخر والاقرار بمشاعره ومخاوفه وحقوقه وواجباته ،أي استبدال الميل الى العنف ببدائل أخرى كما سيتضح لاحقا .


نعمد الى قول ذلك ، لما ما يخلّفه العنف ، لا سيما على الفئات المهمشّة ،كالأطفال مثلا ،من مشاكل نفسيّة قد تتحول الى حالة مستدامة ،فالمعاملة القاسية للطفل والعقاب الجسدي والإهانة ودوام التأنيب والتوبيخ والتنمر الجسدي والمعنوي ، جميعها تؤدي الى توقف نمو ثقة الطفل بذاته وزيادة منسوب الخوف والتردد والخجل لديه حيال أي شيء يفكر في القيام به ، ويصبح عرضة للمعاناة النفسية. فمثلا ، قد يستغل أحد الوالدين حالة خلاف أسري، والتي قد تدفع بالطفل لاتخاذ موقفا مؤيدا لأحد طرفي هذه الخلافات، مما قد يموّن أساسا لممارسة العنف ضد الأطفال، وهو حتما اعتقاد خاطىء كونه ليس فقط مبرّر غير مشروع بلا ويذّكي الصراع النفسي لدى الطفل الضحية، مما قد يؤدي الى أمراض نفسية محتملة، ناهينك الى كون هذا فرصة سانحة لبدء توليد مشاعر كراهية وحقد ونفور لدى الطفل الضحية،أو بدء التوجه الى تعاطي مشروبات ومخدرات تعمل على انحرافه السلوكي لاحقا .


لمواجهة كل الاحتمالات هذه ، ولدرء / منع الميل نحو استخدام العنف كوسيلة لتعديل السلوك ، قمنا وبالشراكة مع جامعة UMASS و مؤسسة 18 and Under الاسكتلندية بتطوير مشروع تربوي عملي تحت عنوان violence is preventable VIP أي هناك فرصا لمنع/ درء العنف كوسيلة تعامل بين حميع الافراد ، والشروع بتطبيقه عالميا ومحليا، بعد أن تم تبنيه من قبل العديد من المؤسسات العالمية وحصوله على عدة جوائز عالمية . فلسطينيا وبالتنسيق والتعاون مع المؤسسات الحكومية والأهلية ذات الشأن ، نقوم بتطبيقه عبر تدريب مجموعات من معلمات رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية الدنيا ، وفي المناطق المهمّشة، بقصد الحفاظ على سلامتهم الجسدية والعقلية والنفسية ،عبر زيادة وتعزيز الوعي لدى الأهالي والأسرة التربوية والأطفال أنفسهم بأهمية تجنب استخدام العنف مع الاّخرين ، اذ سيتعلم هؤلاء مهارات الاصغاء النشط للمشاعر ، وكيفية توفير المكان الاّمن ،قدر المستطاع، كونه من حق الفرد الشعور بالأمان ، تجنب الولوج في مواقف وأماكن تعرضهم للخطر أو تخلق لديهم أجواء من القلق والتوتر ،وأن يعي بأن جسمه هو ملك له وحده دون السماح لأي من لمسه أو احداث أذى له . أيضا ، ومن حق الطفل أن يقول “لا”. كل هذا من خلال توظيف لغة الحوار والتعلم من خلال اللعب وتوظيف ادب الأطفال والفن وتبادل الأدوار مع تخصيص، لاحقا،جلسات للتقييم والتقويم .


تجنبا للتعارض والتناقض في السلوكيات والممارسات اليومية ، وكي تكتمل دائرة التوافق الكلي على أهمية نبذ العنف ،علينا استهداف، وبكل مهنية وشفافية عالية ، جميع الفئات ذات العلاقة بتربية وتنشئة الطفل، من والدين، اخوة / أخوات ، العائلة الصغيرة و العائلة الكبيرة، مقدمي الخدمات ، مرشدون ومرشدات ،وتخصيص قسط من منهاج التربية الوطنية للتدريس حول أهمية اتبعاد العنف كوسيلة تعامل بين البشر، وأكبر عدد ممكن من أفراد الأسرة التعليمية ،ولا غضاضة في التباحث مع صانعي القرار في مجال التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية: مثل وزارات التربية والتعليم ، (بالأخص أنظمة العقوبات المدرسية وتفعيل مبادئ الشراكة المسؤولة وتكثيف الدورات التدريبية المختصة في هذا المجال)و التنمية الاجتماعية والثقافة، كما نناشد وزارة العدل بضرورة إعادة النظر في قانون العقوبات الشخصية للجرائم الشخصية وترشيد محاكم الاحداث كي تتلائم العقوبات مع الجنوحاحات، اضافة الى مراكز الشباب الاجتماعية والرياضية .


للمؤسسة الدينية دور فاعل من خلال العمل و الدعوة الى اجتناب والابتعاد الكلي عن ممارسة كل أشكال العنف مهما صغر ، تجسيدا ، بدءا من ” لو كنت فظا غليظ القلب ، لأنفضوا من حولك ” ” وبما رحمة من الله لنت لهم” ” ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق ” ، والقتل هنا ، وفق فقه الواقع والذرائع ، ليس مقصودا به فقط القتل واراقة الدماء، بل يشمل أيضا سوء التربية وعدم تنمية وتعزيز القيم والأخلاق ، اذ فقر ذلك وانحدار منسوبها يقود الى المزيد من العنف ، سواء الجسدي ، المعنوي أو اللفظي،وبالتالي الابتعاد والتناقض مع ذكر العلي القدير ” ولقد كرمّنا بني اّدم” ، مما يقوّض من فرص سيادة السلم الأهلي وضياع فرص التنمية المستدامة وتحقيق الحلم الوطني المنشود .


باتباع مثل هذا النهج في التربية والممارسة اليومية ، نكون قد قمنا بزيادة ثقة الوالدين ومقدمي الرعاية في التحدث إلى الأطفال، زيادة قدرة الأطفال على التعامل مع المواقف الخطرة المحتملة، تعريف الأطفال بمفهوم العنف الذي يمكن الوقاية منه، مع دوام التذكير والتأكيد على ما ورد أعلاه: عدم جواز تبرير اللجوء الى العنف تحت أي ذريعة من الذرائع والتي هي في غالبتها واهية .

إقرأ أيضا : رؤى لمواجهة اّثار العنف المحلي (1) بقلم : د. غسان عبدالله

شاهد أيضاً

الصحفي حسن أبو قفة

استشهاد الصحفي حسن أبو قفة في قصف إسرائيلي على النصيرات وسط قطاع غزة

شفا – استشهد، مساء اليوم الجمعة، الصحفي الفلسطيني حسن أبو قفة ونجله عماد بعد غارة …