التعليم: حجر الأساس ولكن! بقلم : د. زبيدة صبحي سلمان
التعليم هو حجر الأساس الذي يُسهم في تكوين شخصية الطالب ويضعه على أولى خطوات طريق المعرفة، حيث يوفر له أدوات التفكير المنطقي والتحليل العلمي ويكسبه المقدرة على الفهم والتفسير لظواهر محيطه، ويمكنه من التنبؤ المبني على أسس علمية، فضلا عن تزويده بأسس الضبط والتحكم مما يعزز قدرته على مواجهة التحديات التي قد يواجهها. ولكن، مع تسارع وتيرة الحياة العصرية ومتطلبات سوق العمل الحديث، أصبح واضحًا أن التعليم النظري وحده لم يعد كافيًا لتحقيق النجاح الوظيفي والاجتماعي للطالب؛ فالمعرفة النظرية هي بمثابة القاعدة الأساسية للبناء المعرفي، لكنها لا تكسبه المهارات العملية والحياتية اللازمة للوصول وتحقيق الأهداف بفعالية. إن غالبية المناهج الحالية تُركز على الجانب المعرفي والكم المعلوماتي دون أن تولي اهتمامًا كافيًا للتدريب العملي أو لتنمية المهارات الحياتية الضرورية للنجاح الشخصي والمهني. وللأسف تفتقر الكثير من المدارس والجامعات إلى التركيز على هذه الجوانب، حيث تعتمد طرقها التربوية في الغالب على الطرق التقليدية التي تثمن المعرفة النظرية دون توفير الفرص العملية الكافية التي تساعد الطلاب على تطوير المهارات التطبيقية والحياتية المطلوبة.
دور المهارات في حياة الطالب العملية والشخصية:
المهارات ليست كماليات ولا هي مجرد إضافات تضاف إلى سجل الشخص، بل هي أدوات أساسية تمكن الطالب من بناء مستقبله بفاعلية. فامتلاكه لمهارات التعلم والابتكار كالتواصل، والتفكير النقدي، والعمل الجماعي، إلى جانب المهارات الحياتية مثل الصبر، وإدارة الوقت والمال، وحل المشكلات الشخصية، وضبط النفس وتحمل المسؤولية، تمنحه القدرة على التكيف مع متغيرات سوق العمل والتعامل مع تحديات الحياة اليومية بثقة وثبات. لذا بتنا نسمع أصواتاً تنادي بضرورة التكامل بين التعليم، والتدريب، والمهارات الحياتية، بحيث يتخرج الطالب مستعدًا للاندماج الفعلي في الحياة العملية والاجتماعية، بما يملكه من معرفة ومهارات تؤهله لمواجهة تحديات الواقع والنجاح في حياته اليومية .
فلم تعد المعرفة وحدها ترفع من قدر الشخص، بل يُعلي من شأن أولئك القادرين على تحويل هذه المعرفة إلى تطبيقات وإبداعات عملية وشخصية.
وتلعب المدارس والجامعات دورًا حاسمًا في إحداث هذا التوازن القائم بين توفير التعليم الأكاديمي وتعليم المهارات العملية والحياتية، ولضمان هذا التوازن، تحتاج المؤسسات التعليمية إلى تعزيز دورها في تطوير المهارات إلى جانب توفير التعليم النظري، عبر تحديث المناهج الدراسية وإدماج المهارات العملية في المناهج الدراسية، بحيث يتمكن الطالب من تطبيق المعرفة في الحياة الواقعية. والتركيز على التفكير النقدي والتحليل بدلًا من الحفظ، ما يعزز قدرات الطلبة على حل المشكلات وفهم الأمور بشكل أعمق. فضلا عن إدراج برامج لتعليم المهارات الحياتية مثل إدارة الوقت، والتواصل، وحل المشكلات، والعمل الجماعي، مما يجعل الطالب مؤهلًا للتعامل مع ضغوط العمل والحياة.
إن التوازن بين التعليم الأكاديمي وتنمية المهارات العملية يشبه تمامًا تفاعلًا كيميائيًا يحتاج لمادتين أساسيتين ليتفاعل ويعطي نتيجة فعّالة. فالمعرفة الأكاديمية هي المادة الأساسية التي تمنح الطلاب الذرات الأولى من الفهم والفكر، لكن دون مادة محفزة، الا وهي المهارات العملية والحياتية، يبقى هذا التفاعل غير مكتمل، لا يظهر أثره، ويظل غير فعّال.
فكل مهارة يتعلمها الطالب تسرع من وتيرة التعلم وتزيد من عمق المعرفة، لتصبح المعرفة النظرية قوة فعّالة، تمكن الطالب من الخروج إلى عالم ديناميكي بأفكار وحلول إبداعية.