3:14 مساءً / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

هل تسهم الضغوط النفسية في تكوين شخصيات أقوى أم أكثر هشاشة؟ بقلم : هنادي طلال الدنف

هل تسهم الضغوط النفسية في تكوين شخصيات أقوى أم أكثر هشاشة؟ بقلم : هنادي طلال الدنف

هل تسهم الضغوط النفسية في تكوين شخصيات أقوى أم أكثر هشاشة؟ بقلم : هنادي طلال الدنف

تعد الضغوط النفسية جزءًا أصيلًا من التجربة الإنسانية؛ فقد تكون ضغوط الحياة اليومية كالتحديات في العمل والدراسة، وقد تكون ضغوطًا أشد وطأة كالظروف القاسية التي يفرضها النزاع والحروب. على الرغم من أن هذه الضغوط تشكل تحديات صعبة، إلا أن آثارها تختلف بين شخص وآخر، مما يدفع للتساؤل: هل تسهم هذه الضغوط في صقل الشخصيات وتقويتها، أم أنها تُسبب هشاشة تجعل الشخص أقل قدرة على التكيف؟

عند مواجهة الضغوط، يستجيب الأفراد بطرق متنوعة. إذ تطوّر بعض الشخصيات ما يعرف بـ “الصمود النفسي”؛ وهو قدرة الفرد على التكيف مع الأزمات والتغلب على الشدائد دون أن يؤثر ذلك سلبًا على استقراره النفسي. الأشخاص ذوو الصمود النفسي عادةً ما يتمتعون بقدرة أكبر على مواجهة التحديات، ويعتمدون على مصادر دعم مثل العائلة والأصدقاء أو حتى معتقداتهم الشخصية، مما يجعلهم قادرين على تجاوز الصعاب وتحقيق نمو شخصي. وتشير الأبحاث إلى أن الصمود النفسي ليس سمة ثابتة، بل هو عملية تتغير وتتعزز بتكرار التجارب الصعبة. مثلًا، وجدت دراسة أُجريت على مجموعة من الأشخاص الذين عاشوا تجارب نزوح قسري أن بعضهم اكتسب قدرة أفضل على التكيف مع الحياة الجديدة، مشيرين إلى أن الضغوط الشديدة كانت بمثابة حافز لابتكار حلول جديدة للتعامل مع التحديات المتكررة.

في المقابل، قد تُسهم الضغوط النفسية، خاصةً تلك المستمرة والمكثفة، في خلق هشاشة داخلية تجعل الفرد أكثر عرضة للقلق والاكتئاب. الأشخاص الذين لم يتلقوا دعمًا كافيًا أو لم يتمكنوا من بناء مهارات نفسية كالتكيف والتغلب على الضغوط قد يواجهون صعوبة في إدارة هذه الضغوط. يتجسد ذلك في فقدان الثقة بالنفس وتكرار الأفكار السلبية، وقد يصل إلى اضطرابات نفسية شديدة. في بعض المجتمعات التي تعاني من صراعات مستمرة، مثل مناطق النزاعات، تظهر آثار الضغط النفسي بشكل أوضح على الأفراد، حيث تُسهم الضغوط المتراكمة في تكوين ما يُعرف باضطراب ما بعد الصدمة، والذي ينعكس على الصحة النفسية والبدنية للأشخاص. قد يشعر هؤلاء الأفراد بأنهم عالقون في دائرة متكررة من القلق والخوف، مما يجعلهم أقل قدرة على مواجهة الصعوبات المستقبلية.

تتأثر استجابة الفرد للضغوط بعدة عوامل، منها الدعم الاجتماعي، فالذين يتمتعون بشبكة دعم قوية يكونون أكثر قدرة على التعامل مع الضغوط، إذ يوفّر الدعم الاجتماعي مساحة للتنفيس وتبادل المشاعر والأفكار، مما يساعدهم على التحلي بالصبر في مواجهة المصاعب. كذلك تؤثر القدرات الشخصية في مدى التكيف، فبعض الأشخاص يمتلكون مهارات شخصية، كالتنظيم والتخطيط وحل المشكلات، تمكنهم من تخطي الضغوط بطريقة أكثر فاعلية. أما المرونة الذهنية، فهي عامل آخر؛ إذ تشير الدراسات إلى أن الأشخاص المرنين ذهنيًا يتكيفون بسهولة مع التغيرات ويبدون تفاؤلًا تجاه الحياة، مما يجعلهم أكثر استعدادًا لتحويل الضغوط إلى فرص للتعلم والنمو. كما تؤثر البيئة المحيطة بشكل مباشر في استجابة الأفراد، حيث قد تسهم البيئة الآمنة والمستقرة في بناء قدرات قوية للتعامل مع الأزمات، بينما تسهم البيئات غير المستقرة، كبيئات النزاع والفقر، في إضعاف قدرة الفرد على التكيف.

من المهم معرفة أن المرونة النفسية تُعد مهارة يمكن تعزيزها عبر التدريبات النفسية المختلفة، مثل التعرف على مصادر القوة الذاتية وتطوير مهارات التأقلم. وقد تكون هذه المهارات بسيطة، مثل تعلم كيفية الاسترخاء أو تنظيم الوقت، وقد تتطلب تدريبًا متخصصًا كعلاج الصدمات. وتشير بعض الدراسات إلى فعالية برامج التدريب على الصمود النفسي في تعزيز القدرة على التكيف مع الضغوط، حيث يتعلم الأفراد كيفية التعامل مع مشاعرهم السلبية وبناء علاقات صحية. مثل هذه البرامج أصبحت متاحة بشكل متزايد في المدارس وأماكن العمل وحتى في مخيمات اللاجئين.

في نهاية المطاف، قد تكون الضغوط النفسية عاملًا في تكوين شخصيات أكثر قوة وصلابة، عندما تتوفر بيئة داعمة وعوامل مساعدة تعزز من قدرة الفرد على التحمل والتكيف. ومع ذلك، قد يؤدي الضغط الشديد أو المستمر دون دعم إلى خلق هشاشة نفسية، تجعل من الصعب على الفرد مواجهة المستقبل بثقة. تذكّرنا هذه الرؤية المزدوجة بأن الضغوط ليست مجرد تحدٍ، بل قد تكون فرصة للنمو، وهذا يتوقف على كيفية استجابة الفرد لها.

  • – هنادي طلال الدنف – اخصائية نفسية – غزة – فلسطين

شاهد أيضاً

د. مجدلاني : قرار الاحتلال إلغاء الاعتقال الإداري للمستوطنين إطلاق اليد للمزيد من الجرائم

شفا – اعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني …