هل تمارس الإدارات الأمريكية الصدق لمرة واحدة..؟؟ بقلم : راسم عبيدات
الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومنذ ما يقارب اربعة عقود …وهي تمارس نفس السلوك والسياسة الذرائعية والقائمة على إدارة الصراع وعدم حله،وبيع الوهم للقادة الفلسطينيين والعرب ، بأنها لديها رؤيا ومشروع سياسي قائم على حل الدولتين …ولكون العرب في حالة من العجز على المستوى الرسمي،وكنظام عربي رسمي من بعد عام 1973،اسقطوا خيار المقاومة العسكرية،واتجهوا الى عقد اتفاقيات “سلام” مع اسرائيل ” كامب ديفيد” ووادي عربة واتفاقية أوسلو الإنتقالية …كانوا يعتقدون بأن ذلك سيسهم في جلب السلام والأمن والإستقرار للمنطقة،وبأن اتفاقياتهم وتطبيعهم مع اسرائيل، قد يحد ويلجم من أطماع قادة اسرائيل في التوسع والإستيطان، والتي تترجم إلى افعال على ارض الواقع،فقادة اسرائيل يقولون وعلى لسان وزراء في الحكومة ،وبما فيهم رئيس الوزراء نتنياهو، بأن اسرائيل لن تسمح بقيام دولة فلسطينية ما بين النهر والبحر ،وفي الدورات المتعاقبة للجمعية العامة للأمم المتحدة وأخرها الدورة ال 79،كان نتنياهو يظهر خرائط تؤكد على ما يقوله ،بعدم وجود شعب فلسطيني ولا أرض فلسطينية..ايماناً بقناعته التلمودية والتوراتية،بالقول لجيشه بان ما تطأه اقدامكم من ارض للأعداء فهي ملك لكم ،وسموتريتش وزير ماليته خيّر الفلسطينين ما بين التهجير بالقوة او القتل او البقاء كمواطنين من الدرجة الثانية خدم ،سقائين وحطابين…وهو يقول أيضاً بأنه لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني وهذا اختراع عمره أقل من مئة عام …وبن غفير يطرح العودة للإستيطان في قطاع غزة …وكذلك رفيقه سموتريتش الذي يريد دولة يهودية تشمل فلسطين التاريخية والأردن واجزاء من سوريا ولبنان والعراق ومصر والسعودية ..ويتماثل معهم في هذه الرؤيا الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب،والذي يقول بأن اسرائيل دولة صغيرة جغرافيا ويجب ان تتوسع ،ووجهة نظر بلينكن اليهودي وبايدن الصهيوني ليست بعيدة عن هذا الطرح .
الإدارة الأمريكية بقيت تدعم كل السياسات الإسرائيلية في الضم والتهويد والإستيطان والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني،وتقول بأنها ترفض السياسات الإحادية الجانب،التي من شأنها زيادة حدة التصعيد في المنطقة وقتل ما يعرف بفرص ” السلام” واكذوبة حل الدولتين،فهي دائماً تقول اسرائيل دولة فوق القانون الدولي،ويجب عدم فرض عقوبات عليها ناعمة او خشنة ،أو اتخاذ قرارات بحق قادتها او مستوطنيها،لخرقهم السافر والفاضح للقانون الدولي والدولي الإنساني …وهي تتعامل مع ما تحققه او تفرضه اسرائيل من حقائق وتغيرات على الأرض ،بما لا يمكن التراجع عنه…وبقي مشروع حل الدولتين معلقاً في الهواء ، ينتظر معجزات ربانية لتحقيقه ، فأمريكا واداراتها المتعاقبة تريد ان تستمر في إدارة الصراع لا أن تنهيه ،وهي تقف عملياً الى جانب اسرائيل برفض هذا الحل ،حتى وصلت بها الوقاحة عند تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة،بأن الدولة الفلسطينية،لن ترى النور إلا بموافقة اسرائيل وقرارها ،ولذلك هي ترى بأن الشعب الفلسطيني لا يستحق دولة ولا يمكن ان تقوم له دولة،بل هي تدعم الحل الإقتصادي للقضية الفلسطينية الذي يشرعن ويؤبد الإحتلال ،وهذا ما عبر عنه كوشنير مستشار الرئيس الأمريكي السابق ترامب في قمة البحرين الإقتصادية في 25و26/حزيران 2019 ،بأن القضية الفلسطينية،عبارة عن صفقة تجارية ،وقضية انسانية،وليس قضية سياسية وطنية لشعب يريد التحرر من نير الإحتلال،وبايدن الرئيس الأمريكي الحالي عندما التقي الرئيس عباس في بيت لحم- تموز/2022،وطالبه بلفتات سياسية،اعادة فتح القنصلية الأمريكية في القسم الشرقي من المدينة ووقف الإستيطان وفتح أفاق سياسية نحو يحل يفضي للدولتين،قال له بأن مطالبك لكي تتحقق، عليك أن تنتظر قدوم المسيح لكي يحققها لك.
الماساة ان القيادات العربية والفلسطينية ،بقيت ترهن حقوق الشعب الفلسطيني الى تبدل وتغير الإدارات الأمريكية والحكومات الإسرائيلية،وتقديم المزيد من التنازلات،والتي كانت اسرائيل تقابلها بالمزيد من التشدد والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، والتي كانت حكوماتها تتبادل وتوزع الأدوار بينها،وبأن تحقيق المطالب الفلسطينية، لا توجد ظرف مؤاتيه لتحقيقها .
من بعد السابع من اكتوبر/2023 ،هذه المعركة التي اعادت القضية الفلسطينية الى قمة الإهتمام الإعلامي والسياسي للعالم ،وأدخلتها لكل بيت في العالم،مذكرة بالظلم والأذى الذي لحق بالشعب الفلسطيني جراء الإحتلال الإسرائيلي.
الإدارة الأمريكية بدلاً من ان تقود تحرك جدي نحو حل سياسي،يقود الى اقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران /1967، عمدت الى “شيطنة” قوى المقاومة الفلسطينية،ووققفت كشريكة الى جانب اسرائيل عسكرياً ومالياً وحماية قانونية وسياسية في الأمم المتحدة ،وبقيت تردد نفس اسطوانتها المشروخة،انها لا تريد أن يكون تصعيد في المنطقة،وتسعى لحل سياسي،ولكن ما بين ما كانت تقوله أمريكا، وبين ما تترجمه على الأرض مسافة كبيرة، بل هي تفعل عكس ما تقول،وحتى وصلت الوقاحة بها،رغم كل المجازر التي ارتكبتها اسرائيل بحق المدنيين والإتهامات التي وجهت لها،استدعت دولة جنوب افريقيا الى رفع دعوة ضدها بتهم ممارسة إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية،وسعي رئيس محكمة الجنايات الدولية كريم خان الى اصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو ووزير حربه غالانت ،بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
هذه المواقف دفعت امريكا لكي تسميت بالدفاع عن اسرائيل،ولكي يصل الأمر بجون كيربي مسؤول الإتصالات الإستراتيجية في البيت الأبيض ، للقول بأن اسرائيل لم تقتل أي مدني،وأن الذين يرتقون من اطفال ونساء غزة، ربما بسبب كائنات فضائية تهاجمهم،وهددوا وارعدوا ضد رئيس محكمة العدل الدولية،وحاولوا تعطيل قرار محكمة العدل الدولية.
أمريكا بقيت تناور وتبيع الأوهام والخداع والتضليل، بأنها لا تريد تصعيداً وأنها مع حل الدولتين،دون تحديد لماهية هذه الدولة، واين ستقام، واين هي حدودها الجغرافية ،وهل سيكون لها سيطرة وسيادة على أراضيها وبحرها وجوها وثرواتها ..؟؟.
أمريكا رغم الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين في جباليا وبيت لاهيا،فهي تنكر هذه الجرائم،ولا تجبر اسرائيل على وقفها،بل تتمنى على اسرائيل زيادة إدخال المساعدات الإنسانية للمناطق الشمالية من قطاع غزة،ووزيرة الخارجية الألمانية المتصهينة والوقحة امنالينا جيربيوك ،تقول بأن لإسرائيل الحق في قتل المدنيين وإستهداف المشافي والمدارس، اذا كان فيها مقاومين من أجل حماية نفسها.
امريكا اعتقد بأنها اعطت الضوء الأخضر لرئيس وزراء الإحتلال وحكومته،من أجل القيام بعمليات الضم للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ، لكي تغلق ملف القضية الفلسطينية،ولكنها امام الرأي العام العالمي وامام حلفائها العرب ،تريد الظهور بمظهر المؤيد للحلول السياسية…ولكن على الأرض،تؤيد كل ما يقوم به نتنياهو وجيشه،تحت ذريعة حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها،وأن الدولة الفلسطينية قد تشكل خطر وجودي على قاعدتها المتقدمة في المنطقة.
هي أمريكا لم تتغير ،وكانت على النقيض دوماَ مع إرادة الشعوب وتطلعاتها في الحرية والاستقلال، وقفت الى جانب أنظمة مغرقة في القمع والتنكيل والظلم والاستبداد والقتل، وتدخلت في شؤون الكثير من الدول لقلب أنظمة حكم عبرت عن إرادة شعوبها، لكونها تريد شق عصا الطاعة على أمريكا وهيمنتها ،ولذلك أمريكا لن يصحو ضميرها ولو لمرة واحدة، ولن تنتصر للمظلومين والشعوب المحتلة، فهي دائماً في الخانة المعاكسة لإرادة الشعوب.