شفا – انتشرت عناوين مطالبة الإدارة الأمريكية الحكومة الإسرائيلية بإدخال الإمدادات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة وربط ذلك بالدعم العسكري كالنار في الهشيم خلال ساعات محدودة في كبرى الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية والدولية.
وأظهر ذلك بجلاء حجم الخدعة التي تمارسها واشنطن في محاولة لتبييض صورتها عشية الانتخابات الرئاسية المقررة الشهر المقبل وما تتعرض له إدارة جو بايدن من انتقادات على خلفية التواطؤ في دولة الاحتلال في حرب الإبادة المستمرة على غزة.
وبعد أن روجت طويلا أنها تعمل على دفع مفاوضات وقف إطلاق النار وحماية المدنيين الفلسطينيين، اكتفت واشنطن هذه الأيام بمجرد المطالبة بإدخال الإمدادات الإنسانية بينما تنازلت على مدار عام من الحرب عن سلسلة “خطوط حمراء” وضعتها للحكومة الإسرائيلية سابقا.
مهلة زمنية تمتد لشهر!
تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية وأمريكية عن رسالة وجهتها إدارة بايدن رسالة إلى مسئولين إسرائيليين تطالب باتخاذ خطوات في غضون 30 يومًا لتحسين الظروف الإنسانية المزرية في غزة أو المخاطرة بتأثر إمدادات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل.
وأثارت هذه المهلة المقترحة الصدمة والاستهجان في ظل منع الاحتلال الإسرائيلي أي إمدادات إنسانية منذ أكثر من أسبوعين وفرض التجويع كسلاح حرب على المدنيين الفلسطينيين الصامدين في شمال قطاع غزة.
ويعني ذلك أن واشنطن تريد تخفيف حدة الانتقادات الدولية والغضب من استخدام سلاح المجاعة عبر مهلة إضافية للاحتلال تستمر على الأقل أربعة أسابيع لتشديد الخناق على الفلسطينيين وتصعيد حرب المجاعة.
وتعتمد جولة الاحتلال بشكل كبير على المساعدات العسكرية الأميركية في حربها على عدة جبهات، وكانت تحت التدقيق المكثف مع ظهور تحذيرات جديدة بشأن الوضع الإنساني في شمال غزة.
وقد أغلقت السلطات الإسرائيلية المعابر المؤدية إلى غزة في وقت سابق من هذا الشهر، مما أدى إلى توقف تسليم المواد الغذائية والإمدادات الأساسية لأكثر من 400 ألف فلسطيني يقطنون في شمال قطاع غزة.
انتهاك القانون الأمريكي
يتعين على البلدان التي تتلقى مساعدات عسكرية أمريكية وتشارك في صراع عسكري نشط أن تسمح بنقل المساعدات الإنسانية التي تدعمها الولايات المتحدة دون انقطاع، وفقًا للقانون الأمريكي ومذكرة الأمن القومي التي وقعها الرئيس بايدن في فبراير.
وقد يؤدي عدم القيام بذلك إلى تعليق المساعدات العسكرية الأميركية.
وفي مارس/آذار الماضي، أرسلت الحكومة الإسرائيلية التزاما مكتوبا إلى إدارة بايدن بالالتزام بهذه الشروط لكنها عمليا لم تلتزم بأي من بنودها.
وتشير الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن إلى وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ووزير الجيش يوآف جالانت إلى أن إدارة بايدن لا تعتقد أن “إسرائيل” تنفذ التزاماتها، لكنها لا تلوح بأي إجراءات فورية!.
وتروج وسائل الإعلام الأمريكية أن إدارة بايدن تشعر بقلق بالغ إزاء تدهور الوضع الإنساني في غزة، خاصة مع تصعيد جيش الاحتلال عدوانه في شمال قطاع غزة.
وأدت العملية الإسرائيلية الجديدة إلى تعليق إدخال شاحنات المساعدات إلى شمال غزة لمدة أسبوعين.
وتزعم إدارة بايدن أنها قلقة من أن تكون الخطوات الإسرائيلية جزءًا من خطة أوسع اقترحها جنرالات إسرائيليون سابقون لفرض حصار على شمال غزة و”تجويع” المدنيين من أجل فرض التهجير القسري.
ويأتي ذلك في وقت تؤكد منظمات الإغاثة الدولية أنها لا تستطيع تلبية احتياجات المدنيين الفلسطينيين وأن شاحنات المساعدات الإنسانية التي تدفع الولايات المتحدة ثمنها محتجزة من قبل سلطات الاحتلال على المعابر الحدودية مع غزة.
وبالإضافة إلى القصف المكثف والدمار الهائل، اضطر سكان شمال قطاع غزة إلى تحمل حالة طوارئ غذائية من صنع الاحتلال وصلت إلى مستويات مروعة في فبراير/شباط ومارس/آذار، حيث أجبر المواطنون على تناول العلف وباتت المستشفيات عاجزة عن علاج المرضى بسبب نقص الوقود.
وفي حين تحسَّنت سبل الوصول إلى منطقة شمال وادي غزّة بشكل طفيف في منتصف 2024، في أعقاب استنكار عالمي عارم، عادت دولة الاحتلال لتقطع المساعدات المنقذة للحياة عن المدنيين مجددًا.
التواطؤ الأمريكي الفاضح
انتقدت منظمة العفو الدولية التواطؤ الأمريكي الفاضح في حرب الإبادة الإسرائيلية بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين من أجل التهجير القسري وفرض التطهير العرقي.
وقالت المنظمة إنه يتعين على السلطات الإسرائيلية إلغاء أوامر “الإخلاء” القاسية وغير القانونية – والتي تشكل تعبيرًا إسرائيليًا مُلطّفًا عن التهجير القسري – الصادرة خلال الأسبوع الماضي لسكان محافظة شمال غزّة، والسماح فورًا بدخول الإمدادات الأساسية دون عوائق إلى المنطقة، بما فيها الغذاء والوقود، في ظل تزايد المخاوف بشأن مصير المدنيين المحاصرين.
وأشارت المنظمة إلى مضي تسعة أشهر منذ أن حذرت محكمة العدل الدولية من أن خطر الإبادة الجماعية في غزّة هو خطر حقيقي، ومع ذلك تواصل السلطات الإسرائيلية انتهاك التدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “لقد كثَّف الجيش الإسرائيلي جهوده الرامية إلى التهجير القسري لجميع السكان المدنيين في المنطقة الواقعة شمال وادي غزّة إلى الجنوب، بدءًا بمحافظة شمال غزة، مما أجبر المدنيين على الاختيار بين الجوع أو النزوح، بينما تُقصف منازلهم وشوارعهم بالقنابل والقذائف بلا هوادة”.
وأضافت أن “على العالم أن يكف عن الوقوف مكتوف الأيدي بينما تستخدم (إسرائيل) الحصار والتجويع والجرائم الفظيعة لتهجير المدنيين قسرًا وتدمير حياتهم. ويجب إلغاء هذه الأوامر، وينبغي لجميع الأطراف وقف إطلاق النار فورًا من أجل وضع حد لسيل المعاناة الذي يغمر المدنيين في غزّة منذ أكثر من عام”.
وتابعت هبة مرايف: “بعد عام من الموت والدمار، من المؤلم أن نسمع من الأطباء في شمال غزّة أنه يتعين عليهم إجراء عمليات بتر متعددة كل يوم، أو نسمع من العائلات الرازحة تحت الحصار أن عشرات الجثث التي لا يمكن التعرف عليها متناثرة في الشوارع أو أن الناس غير قادرين على دفن أحبائهم وسط القصف المستمر”.
وأكدت أنه “يجب على قادة العالم أن يطالبوا بوقف فوري لإطلاق النار لتخفيف المعاناة غير المسبوقة التي شهدناها خلال العام الماضي. لقد تجرأت (إسرائيل)، بمساعدة عمليات نقل الأسلحة من دول مثل الولايات المتحدة، على مواصلة مسارها المدمر في غزة مع الإفلات التام من العقاب”.
وختمت منظمة العفو: “بالإضافة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، ووضع حد للحصار الإسرائيلي القاسي واللاإنساني على غزّة وحصارها في الشمال، يجب على (إسرائيل) أن تسمح للمراقبين المستقلين بالوصول الفوري إلى غزّة للتحقيق في جميع الهجمات. ويجب أن تكون هناك مساءلة عن الدمار الذي لحق بسكان غزّة خلال العام الماضي”.