ترهل الفصائل الفلسطينية: من قيادة الكفاح الوطني إلى الانقسام السياسي ، بقلم : م. غسان جابر
الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت منظمة التحرير الفلسطينية كانت طوال عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي محور العمل الوطني الفلسطيني.
فقد قادت هذه الفصائل نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبنت مؤسسات وهياكل تمثل الحركة الوطنية. إلا أنه مع قيام السلطة الفلسطينية في أعقاب اتفاقيات أوسلو عام 1993، بدأ ترهل هذه الفصائل وتراجع دورها الفاعل في الساحة الفلسطينية. وقد أسهم هذا الترهل بشكل كبير في إطالة أمد الانقسام السياسي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني حتى الآن.
على مدى عقود من الزمن، لعبت الفصائل الفلسطينية أدوارًا محورية في قيادة النضال الوطني الفلسطيني، وبناء المؤسسات والهياكل الوطنية. ومن أبرز هذه الأدوار:
- المقاومة والنضال ضد الاحتلال: قادت الفصائل انتفاضات شعبية وعمليات مسلحة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وشكلت بؤرة المقاومة الفلسطينية.
- البناء المؤسساتي والخدمي حيث أنشأت الفصائل اتحادات ومؤسسات شعبية وخدمية في المجالات السياسية والنقابية والاجتماعية والثقافية، لخدمة المجتمع الفلسطيني.
- كانت الفصائل بمثابة القلب النابض للحركة الوطنية الفلسطينية، وصانعة القرار السياسي الرئيسية قبل قيام السلطة.
- دورها الهام في التمثيل الدبلوماسي والعلاقات الخارجية حيث مثلت الفصائل القضية الفلسطينية دوليًا، وبنت علاقات سياسية واقتصادية مع دول العالم.
5.ساهمت الفصائل في تطوير الخطاب والهوية الوطنية الفلسطينية، وتعزيز الوعي السياسي والقومي.
أسباب ترهل الفصائل وآثاره على الانقسام لغرض الاستيعاب
أنه مع قيام السلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو، بدأ تراجع دور الفصائل الوطنية لصالح البناء المؤسسي الرسمي للسلطة.
إلا أن هذا التراجع لم يكن مصحوبًا بإصلاح داخلي للفصائل، بل انتشر فيها الترهل والانقسام، ما ساهم بدوره في إطالة أمد الانقسام السياسي الفلسطيني. ويمكن إجمال أبرز أسباب هذا الترهل في النقاط التالية:
- التمسك بالهياكل القديمة والمصالح الشخصية علما ان لدى قيادات الفصائل مصالح شخصية ومكاسب نفوذ ربطت بالهياكل والمواقع الحالية، مما جعلهم يقاومون أي محاولات للإصلاح أو التغيير.
- الخلافات الإيديولوجية والسياسية سببا في وجود خلافات عميقة بين الفصائل حول البرامج والأهداف والأولويات السياسية، ما أعاق توافقها على رؤية وطنية موحدة.
- غياب المساءلة والشفافية بسبب افتقار الفصائل إلى آليات داخلية فعالة للمساءلة والرقابة والتداول السلمي للسلطة، ما عزز الفساد وسوء الإدارة في هذه الهياكل.
- الاعتماد على التمويل الخارجي وقد ادى اعتماد الفصائل على الدعم المالي الخارجي بدلاً من بناء قاعدة شعبية قوية، ما زاد من هيمنتها وبعدها عن احتياجات الشعب الفلسطيني.
هذه العوامل أدت في مجملها إلى تراجع الدور الوطني للفصائل الفلسطينية، وساهمت بشكل كبير في استمرار.
و بناء على ذلك استغلت حركتا فتح وحماس هذا الترهل لتعزيز مواقعهما السياسية.
حيث تمكنت فتح من الاستفادة من موارد السلطة لتوسيع نفوذها.
وقد استغلت حماس الفراغ لتعزيز سيطرتها على قطاع غزة.
و تبادلت الحركتان اللوم على عرقلة المصالحة الوطنية.
ليحصل الانقسام السياسي الذي يعصف بالساحة الفلسطينية حتى الآن.
إن إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها الوطنية وفق معايير الديمقراطية والشفافية والمساءلة هي الخطوة الأساسية لاستعادة دور الفصائل الفلسطينية في قيادة الكفاح الوطني، وإنهاء الانقسام السياسي الذي يؤرق الشعب الفلسطيني. فالفصائل مطالبة اليوم بتجاوز المصالح الضيقة والتركيز على المصلحة الوطنية العليا، لتنهض من جديد بدورها التاريخي في خدمة القضية الفلسطينية.