قراءة نقدية في ديوان ” سديم الحياة ” للشاعر نسيم خطاطبة ، بقلم : الناقد رائد الحواري
منذ بداية القرن الماضي والأدب الفلسطيني يواكب الأحداث، من هنا نجد العديد من الأحداث والوقائع حاضرة في القصائد، القصص، الروايات، أو المذكرات، وهذا يشير إلى انتماء الأدباء لقضيتهم الوطنية، لكن هذا التناول لا يعني (إهمال) الجانب الشخصي للأديب/للشاعر، فهناك هموم/قضايا/مشاعر شخصية يتناولها الأديب، في ديوان “سديم الحياة” للشاعر نسيم خطاطبة نجد كل شيء فيه، الهموم والمشاعر الشخصية والمتمثلة بالحب، بالمرأة، وعلاقة الشاعر بالقصيدة، بالكتابة وكيف يتعامل معها، ونجد حضور الطبيعة، إضافة إلى القضايا والهموم الوطنية الفلسطينية والعربية، فالديوان نجد فيه ما هو شخصي، وما هو وطني وقومي وديني، فالشاعر من خلال هذا التنوع والتعدد يريد الإشارة إلى فلسطينيته وما يعانيه تحت نير الاحتلال، وأيضا إنسانيته وحقه في الحياة السوية/العادية.
الكتابة
سنحاول التوقف قليلا عند ما جاء في الديوان، ونبدأ من الأداة الأهم بالنسبة للشاعر، فبها يوصل ما يريد طرحه، وبها يكون شاعرا، لهذا نجده يستحضر الكتابة في أكثر من قصيدة، منها ما جاء في “مولد جديد” التي جاء فيها:
هذه حروفي فاقرأ القوافي ترى في كل حرف ما تريد
وكتابي لكل وقت زمان يتبدى كمولد باسم جديد” ص10.
اللافت في هاذين البيتين أنهما يلخصان ما جاء في المقدمة، فهناك مجموعة قضايا يطرحها الشاعر في الديوان، وبما أن فيها الهموم الوطنية وهذا يجعلها تخترق الزمن والمكان، ليطلع عليها الآخرين، إن كانوا في فلسطين أو خارجها، أو كان في هذا الزمن أو في المستقبل.
ونلاحظ أن الشاعر يستخدم مجموعة ألفاظ لها علاقة بالكتابة: “حروفي/حرف، فاقرأ، كتابي” وهذا ما يجعل الفكرة تصل إلى المتلقي من خلال المعنى العام للقصيدة وأيضا من خلال الألفاظ المستخدمة.
وفي قصيدة “تبيان المشاعر” يؤكد الشاعر انتماءه لرفاقه الشعراء من خلال قوله:
“يا صفوة البيان والتبيان أنا فيكم الأخ والخلان
الشعر يسعف في فحواه عبر وعبير معتق بإحسان” ص113.
نلاحظ تماهي الشاعر في ما يكتبه من خلال: “البيان والتبيان، وبين الأخ والخلان” فمن خلال البيان والتبيان، أكد انتمائه للأدب/ للشعر، وفي الأخ والخلان أكد اجتماعيته ووجوده ضمن أسرة متآلفة ومتحابة، وهذا ما يجعل صورة الشاعر مثالية إن كانت على صعيد الأدب أم على صعيد العلاقات الاجتماعية.
المرأة
المرأة أحد أهم عناصر الفرح التي يلجأ إليها الشعراء، فهي تمنحهم الفرح المطلق الذي يتمثل في “الكتابة، الطبيعة، التمرد، في قصيدة “شذرات محب” نجد أثر حضور المرأة على الشعر، بحيث أصبح يحلق في فضاء رحب، متحررا من الواقع، مما جعل القصيدة مطلقة البياض، يجتمع المضمون واللفظ لخدمة المعنى:
“مهما كتبت القوافي لها اسما تعجر الأقلام وصفا بها ورقا
تسير على الأرض وثاقا في النفس كأنها شمسا
فالصبح عليل مع نسائمها وصوت الطير عذبا مبهجا” ص64.
فكرة المقطع متعلقة بالأثر الإيجابي الذي تتركه المرأة/الحبية على الشاعر، وهذا واضح من خلال مضمون الأبيات، لكننا نلاحظ وجود ألفاظ متعلق ببقية عناصر الفرح، الكتابة التي نجدها في: “كتبت، القوافي، الأقلام” ونجد كذلك الطبيعة: “الأرض، شمسا، فالصبح، نسائمها، الطير” ونجد التمرد/الثورة حاضرة من خلال قوة وأثر المرأة على الطبيعة، فأمست شمسا يلغي وجودها الشمس الحقيقية.
من هنا يمكننا فهم وجود العديد من القصائد المتعلقة بالمرأة، بالحبية، فهي من سهلت وأوجدت البياض، الفرح في الديوان.
الصور الشعرية
أهمية الأدب لا تكمن في الأفكار/المضمون الذي يحمله فحسب، بل في الشكل الذي جاءت به، لهذا لا يمكن أن يكون للشعر أثر على المتلقي دون وجود صور شعرية، وما الصورة السابقة التي شبهة حضور الحبية بالشمس إلا صورة من تلك الصور’ في قصيدة “أصحاب الأرض” يعطنا الشاعر صورة رائعة عن فلسطين وأهلها:
“أخبر الزيتون أن ينيرا يوقد بدمنا قنديلا” ص197.
فالشاعر هنا اختزل حالة الفلسطيني وفلسطيني من خلال “الزيتون” وأكد البعد الوطني والقومي والديني من خلال “يوقد بدمنا قنديلا” فكل من يقرأ هذا البيت سيُقاد إلى فلسطين وشعبها، واللافت في هذا البيت أنه يلبي رغبات كل المتلقين، إن كانوا فلسطينيين، أو عرب أو مسلمين، فكل من يقرأ هذا البيت يجد فيه شيئا من رؤيته/أفكاره عن فلسطين وشعبها.
غزة وطوفان الأقصى
قلنا في المقدمة إن الأدب الفلسطيني يواكب الأحداث، من هنا نجد الشاعر يتحدث في أكثر من قصيدة عن غزة، وما أحدثه “طوفان الأقصى” في زعزعة للدولة الاحتلال، فلم يعد الكيان هو القوى، وأمسى مجرد كيان هزيل/ ضعيف، يمكن خلعه إذا ما وجدت الإرادة والقوة، يقول في قصيدة: “طوفان الأقصى”:
طوفان يغرق العصيان وغزة المجد رجال شجعان
يحيلون ساحات الوغى دخان وعبير المعارك يكسر القضبان
اليوم نغزوهم يا غزة العدنان ونقلب الآفاق عليهم والميزان
جحافل الزحف تجتاح الجدران وتقتحم مغتصبات وتدق الخزان
سبعة أكتوبر عصي النسيان تاريخ لا زيف فيه ولا هذيان” ص126و127.
نجد في هذه الأبيات حقيقة موضوعية عما أحدثه “طوفان الأقصى” في الفكر والمسلمات المتعلقة بدولة الاحتلال، فلأول مرة بعد حرب تشرين عام 1973 يتم الهجوم على دولة الاحتلال، ولأول مرة يقوم الفلسطيني بالهجوم، فكان دائما يقاوم/يدافع، يصد المحتل، لكنه في طوفان الأقصى كان المبادر للهجوم، وفعلا أحدث هزة ليس في دولة الاحتلال فحسب، في المنطقة العربية وفي العالم.
واللافت فيما جاء به الشاعر أن يقربنا من طرح غسان كنفاني وضرورة (دق الجدران)، وهذا ما جعل المقطع يأخذ بعدا واقعيا بعد أن كان رمزيا، بمعنى أن طوفان الأقصى هو التطبيق الحقيقي لما طرحه كنفاني في رواية ” رجال في الشمس”
تنوع اللغة في الديوان
نلاحظ أن الشاعر يستخدم بعض الآيات القرآنية في بعض القصائد، وأيضا يستخدم اللهجة المحكية، وهذا ما يجعل الديوان قريب من المتلقي، فالعديد من المتلقين يستمتعون بالشعر الشعبي، يقول في قصيدة “آلام الوغى”:
“يما وهي صغارنا
تحت ردم دارنا
يما ماحلى الشاهدة
بين أدين جارنا” ص190.
تنوع أشكال القصائد
هناك قصائد قدمها الشاعر تقرأ قراءة أفقية/عادية، وقراءة عمودية، وأعتقد أن مثل هذه القصائد تحتاج إلى وقفة وتأمل من القارئ، لكي يتم الحكم عليها.
الديوان من منشورات مكتبة دار الإعلام للنشر والتوزيع، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2023.
- – الناقد رائد الحواري – نابلس – فلسطين