5:23 مساءً / 3 أكتوبر، 2024
آخر الاخبار

حال الناس (6) بقلم : د. غسان عبد الله

غسان عبدالله

حال الناس (6) بقلم : د. غسان عبد الله


بعد أن تمعنت جيدا ، أثناء خلوة شبه طويلة ‘ في صومعتي ألخاصة ، قررت الكتابة لوصف الحال الذي لا يسّر ولا يبشّر بخير ، بل ينذّر باّت أكثر بؤسا وتدهورا ، رغم أنني أعي جيدا أن من احدى مهام الكتابة للشعب ، احلال الأمل ورفع منسوب التفاؤل لدى هذا الشعب ، لكن كوني لست من أصحاب فلسفة بيع الوهم وخداع الشعب كي أنال رضاه ، ولقناعتي بأنه من عمق ادراك حدة الأزمة/ الأزمات يتولد الدافع والمحرك للتغيير والانجاز وبالتالي يرتفع منسوب الأمل القائم على أسس عتيدة.


لا أكتب وصف هذه الحالة لمن له أذنان ترهقهما نجوى الحقيقه ، ولمن ليس له هوى يعميه عن الحق ، معبراً عن شعوري ازاء ما يكتب ويحكى رسمياً وبشكل غير رسمي ، وذلك بعد أن حبست الذات في موضوعية متشددة ، ما أكتبه هو نوع من التعبير والافصاح عما كبته في السريرة منذ زمن ، دون استطراد مدركاً أن ما من باب يفتح أمامي الا ليؤدي إلى أبواب لاحصر لها .


أنا واحد من هذا الكون ، هذا الشعب، الذي وعي لوجوده، لذا قررت أن لا أعوم في مفهوم دوري الانساني فقط، دافعي الذاتي هو أن الدعوة لم تقفل، ويجب أن لا تتعلق بالكتمان والتستر ، دون جلبة،


من احدى دوافع الكتابة هنا ، ما شاهدته في أكثر من مرة وأكثر من موقع، قيام فتية من هنا وهناك بعد أن قرّروا طمس التاريخ الأصيل ، ليلقوا بين يديك ما يودون صنعه من قناع يتستر به ذوو الغايات ، لأنهم المقربون ، الأمرون والناهون ، قرروا الاستيلاء على قميص عثمان وأخذوا ، بعد أن أمعنوا فيه ، توسيعاً وقصاً وتنزيلا حتى جعلوه ، على قدر مقاساتهم فقط ، أنيقاً بنظرهم ومغرياً ومنيراً لمن حولهم.


صحيح أن الغالبية من أبناء شعبي باتت صفر اليدين ، لكنها لن تكون صفر النفس من الأمجاد ، وأكبرها محاربة الغش والكذب والطمع والظلم، بعد أن قرروا محاربة الجهل ، الجهل بأبسط الأمور وهو الذي يرى بأم عينيه من يكذب عليه كل صباح ومساء.


للأسف ،عمَ الجهل غالبية المجالس والمؤسسات المحشوة في المتعلمين وأنصاف المثقفين وبات الجاهل يستذكر القول ” إن الصبر مطية من اتقى والرضى والتسليم منارة من ارتقى ” ، أخذ هولاء الجهلة يكيلون الثناء ويضخمون ويعظمون ، يبجلون ويفخمون ، كل هذا لأن الجهل يأخذ بصاحبه إلى الادعاء البغيض والقول المنكر والاستخفاف بعقول الناس ، متناسياً حقيقة ما من کلام عظم به من لا يستحق الا أضحك الأذكياء وأن أرضى الأغبياء ، ولا نصيحة عندي لهؤلاء الجهلة الا إما أن يحتموا بالصمت أو الاستعاذة بالمعرفة والحقيقة وهي أشد ابراء.

نعم تراهم يجمعون قسطاً لا بأس به من العلم ، وبدلاً من توظيف العلم لاحقاق الحقيقه تراهم يطمسون ما يشاءون ويحرفون ويزيفون لإخراج المنشود في ثوب الحقيقة ، فينتحلون الألقاب والأنساب ، ويختلقون الحوادث، يقبَحون الوجه الصبيح ويجمَلون الوجه القبيح .


الدافع الوحيد لهولاء ، هو الخبث والسخف ، وإلا كيف يقبل لذاته بان “يخرّف ” بما لا يعرف والحقيقه تقلصت تحت قدميه ، ولكنه للمناصب ساعياً ، وكما قال الشاعر : “عجباً لمن طلب المناصب جاهلاً إن المناصب لا تدوم” .


الأحمق في ساعة وظفوه، فكان في رجل المسؤول كالحذاء الضيق ،وتكون النتيجة إفقار اهل القلم والمعرفه بعد أن بخل عليهم الزمن كما هي العادة منذ عصور غابرة.


كيف لنا كشعب ، صهر وجوده عبر الزمن بترابه الوطني وكرامته الانسانية ، كيف لنا أن تلهث وراء كذبة كبرى أسموها فض النزاع والصراع، بعد أن صودرت الأرض واتسعت المستوطنات بأيدينا ، فنحن العمال والمقاولون الذين شيدناها ، ونحن سماسرة العولمة والدمقرطة وفق النهج الذي يريده الآخر، ونحن من الذي بعلم أو غير علم ، نساعد الآخر في ضرب الاحلام والتطلعات ، كل ذلك بغية نيل الرضا وصك صكوك الوكالات والامتيازات..


اه .. ربما ترفع الشعارات وتلهث وراءها دون ادراك معناها ، نتحدث عن تربية الأجيال الشابة ، بناة المستقبل ، حافظي الكرامة والكبرياء، وتكون الخطوة الأولى في تربيتهم الصفع والتدليل معاً ، هم للصفع كأداة ارشاد وتوجيه ، وهم للتدليل ، كأداة تعبير عن الحب والاعتناء ، وبعدها نجد أنفسنا امام جيل خائر العزيمه يغمى عليه من أولى جولات المواجهة مع الذات ، وان كان الحماس هو الدافع الذاتي له عند مواجهة الطرف الآخر ، أي فقط هو الموت الذي يحركهم.


تركنا الساحة ، وتركنا الكتاب ، قد يكون السبب وراء الكتاب أننا أجبرنا على القراءة في المدرسة والبيت، ولكن لماذا تركنا الساحه ؟ هل أصبحنا غير قادرين على اللعب ؟ هل توصلنا إلى قناعه بعدم جدوى حراسة المرمى ، أو لم يعد هناك من هو مستعد للقيام بتلك المهمة ، فالكل يطمح لأن يكون أفضل هدّاف ولو في معارك الكلام ، وتركنا المرمى بدون حارس ! جراء ذلك لم نعد سوى أرقام على شاشات التلفاز وأكثر من ذلك مصدر رزق وكالات الأنباء العابثة بمصيرنا ومشاعرنا وهمومنا .. تقتل ، تستشهد ، تجرح ، تطارد . تغتال ، تعتقل و……….. وتكون المحصلة واحدة : بالخسارة هذا اذا قالوها ، لانهم منشغلين بالبرنامج الآتي أو الحلقة الجديدة أو السهرة الموعودة .

أهي حقا ليست معركتنا ولم تعد تخصنا ، لماذا اخترنا أن نقف بعيداً مشاهدين من وراء ستار ؟ ألا يحزنك هذا ؟ أنا لا أدعوك للبكاء ، لأن البكاء هو السد المانع والقامع لإنجاز الانتصار . فقط ، علينا ليس فقط تكرار سؤال ما العمل ؟، لكن أيضاً الابداع في إيجاد الأجوبة وان تعددت واختلفت في مفرادتها وتراكيبها ، بقيت تصب في الهدف الواحد الذي لا حياد عنه ، فلا حرقة الدعاء ولا تنهد الصلاة قد ينبض الحياة في الأذرع والجباه ، لأنه فقط بالعمل ينبجس النبع من الصخرة وينبت الغداء وردا ساخن الحمرة ، به تختصر الزمان ، ونجني سنابل الغداء، و به نبقى وإن اختلفنا ، أصدقاء في متاهات الوجود الكئيب ، حيث يزداد الدمار وينتشر الفناء.

إقرأ أيضاً ..

حالة الناس (5) بقلم : د. غسان عبدالله

حال الناس (4) بقلم : د. غسان عبد الله

حال الناس (3) بقلم : د. غسان عبد الله

حال الناس (2) بقلم : د. غسان عبد الله

حال الناس (1) ، بقلم : د. غسان عبدالله

إقرأ أيضاً حول الكاتب : د. غسان عبد الله

شاهد أيضاً

الحوثي: الأحداث الأخيرة تمثل تصعيدًا غير مسبوق ضد رموز المقاومة

شفا – أعلن قائد حركة أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، اليوم الخميس، أن الأحداث …