شفا – فقدت حنان، التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات، كلتا ساقيها في غارة جوية إسرائيلية قتلت والدتها الشهر الماضي.
وفقدت شقيقتها مسك، البالغة من العمر 18 شهرًا، ساقها اليسرى – كانت قد بدأت للتو في تعلم كيفية المشي. وهما اثنتان فقط من أكثر من 4000 طفل فقدوا أحد أطرافهم على الأقل منذ شنت “إسرائيل” حرب الإبادة الجماعية على غزة في أكتوبر الماضي.
قالت شفاء الدغي التي ترعى الآن ابنتي أختها: “الوضع مفجع، لقد تعلمت مسك للتو المشي والآن لا تستطيع ذلك”.
وأضافت أن حنان، التي لا تزال صغيرة جدًا بحيث لا تستطيع فهم حالتها، تستمر في السؤال عن ساقيها.
وتابعت “تسألني لماذا الأطفال الآخرون لديهم أرجل بينما هي لا تمتلكها. لا أستطيع أن أجد الكلمات لشرح الأمر لها. عندما يسألونني عن أمهم أخبرهم أنها قادمة، لكنهم بدأوا يفقدون الثقة في إجاباتي. ماذا يجب أن أقول عندما تسألني عمن أخذ ساقيها؟”.
آلاف حالات البتر
تشير تقديرات وزارة الصحة في غزة إلى أن أكثر من عشرة آلاف فلسطيني فقدوا أحد أطرافهم على الأقل منذ بدء حرب الإبادة قبل عام، بما في ذلك ما لا يقل عن أربعة آلاف طفل.
وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد حالات البتر في قطاع غزة بما يتراوح بين 3105 و4050 حالة.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن الإصابات الخطيرة في الأطراف، والتي تقدر بما بين 13455 إلى 17550 حالة، هي السبب الرئيسي للحاجة إلى إعادة التأهيل.
ووفقا للوكالة التابعة للأمم المتحدة، فإن الزيادة في إصابات الحبل الشوكي والدماغ والحروق الخطيرة تساهم في العدد الإجمالي للحالات التي تغير الحياة.
الشهادة أهون
فقدت سحر، 8 سنوات، التي تعيش في مخيم جباليا شمال غزة، ساقها اليسرى في قصف أودى بحياة والدتها أيضًا في نيسان/أبريل الماضي.
قال والدها صقر وادي: “كان فقدان زوجتي أمرًا صعبًا للغاية. لكن رؤية ابنتي تفقد ساقها كان أصعب”.
وأضاف “كانت سحر دائمًا مليئة بالحياة – الجري واللعب والضحك – والآن أصبحت حبيسة. في بعض الأحيان، أحملها خارجًا فقط لأمنحها فرصة لتغيير المشهد.”
كما أصيب ابناه في الهجوم، لكن جروحهما كانت طفيفة. وفي غزة، يعاني العديد من الأطفال من الندوب الجسدية والعاطفية التي خلفتها سنة من الحرب الطاحنة. وقد تركت إصابة سحر دمارًا عاطفيًا كبيرًا.
قال والدها إنها لم تعد الطفلة السعيدة التي كانت عليه من قبل، فهي الآن تتحدث في الغالب عن الموت والحرب، وكل ما تتمنى أن تتمكن من الوقوف على قدميها مرة أخرى.
وتواجه الأسرة تحديات هائلة في شراء المسكنات والأدوية في ظل الحصار الإسرائيلي، وتقول “تقدمنا بطلبات للحصول على تصاريح سفر للحصول على العلاج المناسب لها ولكن لم يستجب أحد”.
وأعظم أمنيات وادي هي أن تحصل سحر على ساق صناعية، ويقول “أريدها فقط أن تمشي مرة أخرى مثل الأطفال الآخرين. كانت تحب الكاراتيه والذهاب إلى النادي ولكنها الآن محرومة من كل ذلك”.
واقع جديد
قال الدكتور محمد شاهين، أخصائي جراحة العظام في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح وسط قطاع غزة، إن عمليات البتر في غزة غالباً ما تكون نتيجة لإصابات في الأنسجة العميقة.
وأوضح “نتخذ قرار البتر عندما يصبح الطرف غير قابل للإنقاذ بسبب العدوى أو فقدان الشرايين أو تلف الأنسجة العميقة أو فقدان العظام. عندما يصل المرضى بأطراف مبتورة بالفعل، فإنهم عادة ما يتفهمون الأمر. ولكن عندما يتعين علينا اتخاذ قرار البتر، فإن إقناعهم يكون صعبًا.”
ويقدر شاهين بأن هناك نحو 10 عمليات بتر يوميًا في مختلف أنحاء غزة، منها ثلاث عمليات في مستشفى شهداء الأقصى وحده. ويتطلب الأمر فريقًا من المتخصصين، بما في ذلك جراحو العظام، وجراحو الأوعية الدموية، والمعالجون الفيزيائيون، ومتخصصو الصحة العقلية، لإعداد مبتور الأطراف لواقعهم الجديد.
وسلط الدكتور عرفات أبو مشايخ، رئيس قسم الصحة النفسية بمستشفى شهداء الأقصى، الضوء على الجراح النفسية العميقة التي تخلفها عمليات البتر.
وقال: “إن فقدان أحد الأطراف، وتغير مظهر الجسم، وعدم القدرة على أداء الأنشطة اليومية يسبب ضائقة نفسية هائلة. إنها رحلة تبدأ بالإنكار وتنتهي فقط بالقبول، والعديد من الناس لا يصلون إلى هذه النقطة بشكل كامل”.
ولزيادة الطين بلة، فإن افتقار غزة إلى مراكز إعادة التأهيل والكراسي المتحركة والعكازات يجعل من الصعب على مبتوري الأطراف التكيف مع ظروفهم الجديدة.
يقول الدكتور أبو مشايخ “غالبًا ما أواجه نفس السؤال المحزن من الأطفال: هل ستنمو ساقي مرة أخرى؟ ولا أستطيع الإجابة عليهم لأنهم لا يفهمون بعد حقيقة وضعهم”.
وأضاف أنه “في ظل عدم وجود مراكز للأطراف الاصطناعية أو مرافق كافية للصحة العقلية في غزة، هناك حاجة ماسة إلى المزيد من المتخصصين في الصحة العقلية لمساعدة مبتوري الأطراف على التكيف”.