شفا – جدَّد القيادي الفلسطيني محمد دحلان “ابو فادي” ، العهد والقسم الأول لمؤسسي الثورة الفلسطينية المعاصرة خلال خطاب رسمي، مؤكداً على مواصلة العمل على استعادة نهضة وكرامة الحركة، عبر سبل العمل الحركي والوطني والكفاحي، وفقا لثوابت النهج الديمقراطية، بعيداً عن شبهة الوصاية أو الفوقية أو التعيينات الانتقائية.
القضية الفلسطينية أمام مفترق خطير
أكد دحلان في كلمة له بمناسبة ذكرى مرور 52 عاماً على انطلاق الثورة الفلسطينية المتواصلة بأن القضية الفلسطينية أمام مفترق طرقٍ خطير، بين احتلال يحاول تكريس وقائع جديدة كل يوم، وبين نهج سياسي فلسطيني رسمي يسعى جاهداً، لتبديدِ كل أوراقِ القوة الفلسطينية، وتحويلِها إلى وسائل مُحرمة أو مُحتقرة أو هامشية، نهج يكتفى بتحويل القضية الفلسطينية إلى مسألة أوراق وقرارات.
وأكد دحلان أن النهج الحالى يشكل إنقلاباً واضحاً على التجربة الوطنية وعلى مسيرة وتجربة الزعيم الراحل أبو عمار الذى آمن بحاجة الفلسطينى إلى كل أوراق القوة، وهو يدخل الطرقَ الدبلوماسيةَ الوعرة لانتزاع الحقوق من المحتل بل أن يأخذ بناصية العمل السياسى.
وأوضح دحلان أن الواقع الفلسطيني الحالي لا يوجد له وصفاً واحداً ينطبقُ عليه، فلا الفلسطينيون كيانٌ مستقل، ولا كيانٌ محتل بكامل المعاني القانونية للكلمة، مضيفا “كما أننا لسنا ثورة حتى بمعايير الحد الأدنى للثورة، وممنوع علينا مقاومة الاحتلال بالوسائل الشرعية وطنيا وعالميا، ولكن مسموحٌ لنا العيش للتعايش مع المحتل بشروطه، وكل ذلك أصاب قضيتنا بتشوهات عميقة، بهدفِ إفراغها من كلِ محتواها الوطني التحرري، وبهدف دفعِ شعبنا عميقا نحو الاستسلام للأمر الواقع”.
وأشار القيادي الفتحاوي أن ما ينطبق على القضية الوطنية الفلسطينية ينطبق أيضا على مؤسساتها الوطنية الفلسطينية، وعلى منجزات الفلسطينيين الوطنية، فمنظمة التحرير الفلسطينية، تكاد تصبحُ ذكرى من الزمن الثوري الجميل، وأن هناك مهام جسام أمام العمل الوطني يأتي على رأسها الحفاظ على عروبة وإسلامية القدس بهية المدائن، وأكد على “ضرورة الإعلان الفوري عن تنفيذ قرار الأمم المتحدة لعام 2012 وإعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال، والمطالبة بصيغة اعتراف متبادل بين دولتين بديلاً لاعتراف مجلس السلطة الأحادي بدولة إسرائيل وبديلا لاعتراف إسرائيل المبتور بمنظمة التحرير الفلسطينية”.
وحذر دحلان من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب الفلسطيني وقال إنها ليست أفضل من القضية الوطنية، محذرًا من عواقب هذه الأوضاع التي شبهها بفوهة بركان اقتصادي اجتماعي مدمر إذا انفجر فإنه لن يبق ولن يذر. وانتقد دحلان افتخار البعض بامتلاك سفارات في الخارج بدلًا من السعي إلى توفير الستر والعيش بكرامة للفقراء من أبناء الشعب الفلسطيني، في الوقت الذى قدرت فيه مراكز الدراسات والإحصاء الفلسطينية بأن السلطة أنفقت نحو 54% من الموازنة البالغة أكثر من 3.2 مليار دولار على الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
وتساءل دحلان: أليس من الأجدر تحويل تلك الإمكانيات إلى أولويات وطنية تهم شعبنا؟.
وعن ذكرى انطلاقة حركة فتح الـ52 قال دحلان “إن الحركة انطلقت أولًا وأخيرًا من أجل فلسطين أرضًا وشعبًا، ولم تكن تجمع مقاتلين محترفين يسعون إلى القتال من أجل القتال؛ بل كانت عهدًا وقسمًا، كفاحًا وقتالًا، رصاصًا وحجارة من أجل فلسطين”.
وطالب دحلان باستعادة دور فتح الحاسم، في قيادة المسيرة الفلسطينية نحو الاستقلال الوطني، مؤكدًا أن ذلك لن يتم إلا بشروط يجب تنفيذها فعلًا وليس قولًا وهى تمسك فتح براية وقيادة العمل والوطني، ومواجهة الواقع بروح مسئولة وعقل منفتح. وأوضح دحلان أن فتح فقدت زعميها المؤسس ياسر عرفات، في خضم قبولها تحدى السلام، دون سقوط أيًا من الخيارات الكفاحية، بالإضافة إلى وضع قضيتي الاستقلال والقدس نصب أعين الفلسطينيين، وقضية اللاجئين والأسرى، مؤكدًا أن الحركة فاوضت فى كل محطة بانفتاح وقاتلت بشراسة دون أن تتغير.
وأكد أن فتح رشحت ودعمت أبو مازن للإنتخابات الرئاسية الفلسطينية عام 2005، بهدف تأمين الاستمرارية، وتجديد الأمل، وذلك فى ظل الغياب “المفجع” لأبو عمار ومحاولة لاجتياز المحنة، متسائلًا: “هل أخطأنا فى هذا القرار؟”. وأوضح دحلان ما طرأ على الأمور من تغيير، حيث قال أن أبو مازن بدأ ينفردُ رويدًا رويدًا، ومع ذلك لم يسع أحدٌ منا إلى الصدام، مضيفًا أن هناك مجموعةً متلاحقة من الأحداث الكبرى تدفقت تباعًا، من بينها تصميم أبو مازن على إجراءِ الانتخابات التشريعية الفلسطينية، دون إعدادِ فتح لمتطلبات ذلك الاستحقاق الكبير، ورغم كل المناشدات والنصائح التى قدمت له لعدم المضى فى الانتخابات، وكذلك التخلى لاحقاً عن غزة قبيل وخلال انقلاب حماس، والانشغال فى جولات مفاوضات عبثية مع إسرائيل ودون أى ضمانات، فضلًا عن تحويل التنسيق الأمنى إلى واجب مقدس.
ولفتَ دحلان إلا أنه تحمل كل مظالم وافتراءات أحداث غزة، وفُاز بعضوية مركزية فتح في المؤتمر السادس رغم كل الجهود السوداء لإسقاطه عمدًا، مؤكدًا أن ذلك تم بفضل أبناء الحركة المخلصين. وتابع دحلان أن مؤتمر المقاطعة بكل مخرجاته أضاف إلى المشهد أزمات بنيوية ومنهجية في فتح، فضلًا عن انتهاكات وصلت إلى حد تغيير شعارات فتح الأصيلة، مؤكدًا أنه كان على علم بالحملات التي كانت تهدف للتخلص منه، ولكنه تحمل حتى آلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن من حملات افتراء وتضييق في حقه وحق المئات من أبناء فتح.
وقال دحلان: “إن بدايةَ العمل نحو المستقبل يبدأ من فتح، لأن فتح وحدَها تستطيعُ أن تكوّن قوةَ التغيير المطلوب”، موضحًا أنه لا يقصد تغيير الأشخاص، وإنما تغيير النهج والمسار، وهو مسار فتح الأصيل المتمثل فى السم والمقاومة. وعقب دحلان: “الأشخاص زائلون، ولا ينبغى السماح لهم بإزالةِ فتح مع زوالِهم، لأن فتح هى قلب وعقل القضية الفلسطينية”.
وطرح دحلان الأسس الفتحاوية الثلاثة المتفق عليها كثوابت ومسلمات وهى كما ذكرها نصًا..
أولا: نحن لا نعترف بأي من نتائج ومخرجات مؤتمر المقاطعة المسمى افتراء بـ ” المؤتمر السابع “، وموقفُنا هذا نهائي، لكنه موقفٌ لا يقللُ من احترامنا وتقديرِنا العالي لإخوة لنا شاركوا في ذلك المؤتمر، لظروفِهم أو لمعتقداتِهم الخاصة.
ثانيا: نحن لا نسعى، ولن نسمحَ بأي انشقاق أو انقسام فى فتح، وكما قال أمير الشهداء أبو جهاد يوما ” نحن أم الولد “، أما من قرر الخروج عن قواعد ودساتير وأخلاقيات الحركة فعليه أن يتحمل النتائج.
ثالثا: نحن فتح، وباقون فيها، وسنعمل لنهضتها واستعادة بنائها واسترجاع كرامتها بأساليب عملِنا الحركي والوطني والكفاحي، وبصورةٍ جماعية من القاعدة إلى القمة، وبذات النهج الديمقراطي الذى تربينا عليه، بعيدًا عن الوصاية والفوقية والتعيينات الانتقائية.
وأشار دحلان إلى أن انتهاء زمن التفرد الحزبي أو الفردي بالقرار الفلسطيني، مؤكدًا تعامله مع المهام الوطنية بأفق واسع يستند على تلك الأسس، مؤكدًا أن العمل الفلسطيني أمام مهام عدة، تتمثل في أن القدس جوهرة تاج فلسطين، لذلك يجب العمل دوما على متابعة همومها وقضاياها وأن تبقى سيرتها حية في كل مفاصل الحياة، فهي مفصل فلسطين تاريخيا وجغرافيا وثقافيا.
أما ثاني هذه المهام فهي الإعلان بوضوح وصراحة، عن انتهاءِ المرحلةِ الانتقالية، والالتزام الواضح والصريح بقرارات المجلس المركزي الفلسطيني، واللجنةِ التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهى القرارات الخاصة بتحديد العلاقة مع دولةِ الاحتلال من كلِ جوانبِها، بما في ذلك التنسيق الأمني، الذى أصبح تنسيقا يخدمُ الاحتلال واستمراره.
وثالث هذه المهام حسب رؤية النائب دحلان: الإعلان فورًا عن تنفيذ قرار الأمم المتحدة لعام 2012 حول دولة فلسطين، وإعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال، بالإضافة إلى المطالبة بصيغة اعتراف متبادل بين دولتين، بديلًا عن اعترافنا الأحادي بدولة إسرائيل، وبديلًا لاعتراف إسرائيل المبتور بمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويأتي العمل الجاد والصادق لإنهاءِ الانقسام وانجاز المصالحة الوطنية بعيدًا عن الفئوية والمصالح الضيقة، هو المهمة الرابعة التي أشار إليها دحلان، بالإضافة إلى مصالحةٌ تتمُ عبر لقاء وتوافق وطني شامل، ولقاءٌ يستند إلى حزمة اتفاقات وتفاهمات أنجزت في السابق، مؤكدًا أنه بدون إنهاء مصيبةِ الانقسام الكبرى لن يكون هناك أمل في انتزاع الاستقلال الوطني الكامل.
وشملت المهمة الخامسة ، مطالبة دحلان بالتوقف فورًا عن كلِ أشكال المفاوضات المهينة أو السعي إليها، المباشرة منها أو الملتوية، سواء عبر لقاءات ثنائية، أو من خلال مؤتمرات غامضة، لافتًا إلى أنه لم يعد هناك أي طائل سياسي ووطني من المفاوضات، بالإضافة إلى وجوب وقفُ التنسيق الأمني مع الاحتلال فورًا، لاسيما بعد أن تخلى عن كل تعهداته والتزاماته في الاتفاقيات.
كما طالب دحلان بالاتفاق مع المجموعة العربية لصياغة مشروع قرار يقدم إلى مجلس الأمن الدولي، وفق آليات تنفيذية محددة لتطبيق قرار قبول فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة مع الأخذ في الحسبان، وضع إطار واضح للعلاقة بين الدولتين.
واختتم دحلان مهام العمل السبعة، بضرورة العمل الجاد لعقدِ المجلسِ الوطنى الفلسطينى، فى دورة تاريخية تضم كل قوى الشعب، فضلاً عن دورة تضمن مشاركةَ حركتى حماس والجهاد الاسلامى فى المجلس، فى أُطر منظمة التحرير الفلسطينية، مؤكدا أن ذلك إنجاز من شأنه تأكيد وحدانية التمثيل الفلسطينى حقا وفعلا.
ودعا دحلان إلى التفكير جديًا في عقد المجلس الوطني الفلسطيني في مصر أو الأردن، مطالبًا في الوقت ذاته بتفعيل الإطار القيادي المؤقت من أجل وضع آليات تناسب المرحلة القادمة من النضال الوطني ورسم محددات وطنية ملزمة للجميع، مع ضرورة خلق توافق عربي ودولي حولها.
وأكد القيادي محمد دحلان ” ابو فادي” أن الأسس المشار إليها تعتبر مفاصل رئيسية لرسم خارطة طريق وطنية فلسطينية من شأنها أن تراكم شبكة أمان عربية تشد من أزر الحركة، مشددًا على ضرورة وضع بعض الخطوات العاجلة للوصول إلى اللحظة المأمولة.
وهذه الخطوات كما ذكرها النائب دحلان هي تفعيل أعمال المجلس التشريعي الفلسطيني بالتفاهم مع كل القوى والكتل الممثلة، بهدف استعادة هيبة ومسؤوليةِ المؤسسة التشريعية والرقابية، وللحد من تغول السلطة التنفيذية وفسادها، ولوقف التصرف بمصير ومقدرات الشعب الفلسطيني.
وثانى هذه الخطوات هى المكافحة من أجل منظومةِ عدالة، ومؤسسات قضائية مستقلة، عن السلطة التنفيذية وتغولها الفاحش، فضلًا عن رفض كل الإجراءات والتعيينات المخالفة للقانون وللنظام الأساسى الفلسطينى، بما فى ذلك كل ما يتعلق بأساليب وشخوص وتعيينات السلطات القضائية بما فيها المحكمة الدستورية.
كما طالب بضرورة كف يد السلطة التنفيذية، عن استخدام المؤسساتِ الأمنية في خدمة أهداف شخصية، وزجها للتدخل في الحياة السياسية والحزبية في فلسطين، بكل ما يمثلُه ذلك التدخل من انتهاك صريح وواضح للحريات والحقوق الفردية والسياسية.
وقال محمد دحلان أن هذه أبرز ملامح ورؤية القضايا الوطنية والحركية، مشيرًا إلى إدراكه التام لصعوبة المهمة والطريق المليء بالأشواك والألم، مؤكدًا أن أحفاد الأنبياء على أرض فلسطين، قدرُهم اجتياز الطرق الوعرة والدروب الصعبة، من أجل فلسطين.
وفى ختام خطابه، وجه محمد دحلان، التحية للشعب الفلسطيني والزعيم ياسر عرفات قائلًا: “سلاماً لِرُوح القائد المُؤسس الشهيد ياسر عرفات، ولأرواحِ الشهداءِ جميعًا، عاشت الذكرى.. وعاشت فتح من أجلِ فلسطين”.