معيقات رؤية الشرق الأوسط الجديد رغم العنجهية الصهيو-أمريكية على تنفيذها ، بقلم : مروان أميل طوباسي
هناك توافقا بين مكونات هذا الفكر الصهيو أمريكي، اسرائيل والولايات المتحدة على ضرورة إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يتماشى مع مصالحهما الاستراتيجية، وهو ما أشرت له بمقالات سابقة. وهو ما يتضح اليوم عند الحديث عن ما يسمى بإسرائيل الكبرى كنواة لهذا المشروع بتوسعة رقعة اسرائيل القائمة دون حدود معلنة، من خط فيلادلفيا حتى الليطاني مناطق من شرق نهر الأردن بالمملكة مرورا بجنوب غرب سوريا وربما اكثر.
فقد كان نتنياهو قبل ايام يتحدث في هيئة الأمم في قاعة شبه فارغة انسحب منها معظم ممثلي دول العالم ، وكأنه لا يمثل دولة اسرائيل بل كرئيس لحكومة كل العالم وكحاخام اكبر يكرر ما جاء بالتوراة ويحدد خرائط المنطقة بل والعالم الذي يريده كزعيم “لشعب الله المختار” و “لقوى الخير” بالعالم ، ويدوس على كل القرارات الدولية في مجلس الامن وحتى الصادرة عن الجمعية العامة ويتهم العالم بمعاداة السامية ومعاداة الضحية الوحيدة بالتاريخ بل حتى بمعاداة اسس الامن والسلم العالمين الذي يرى هو في نفسه الحريص الوحيد عليها في مواجهة “قوى الشر” ، ويعلن بذلك بدء عملية تغير وجه الشرق الاوسط .
ما يساعد نتنياهو على التعالي والفوقية والوقاحة هذه هو اعتماده على دعم لا متناهي من حزبي الساحة الأميركية الديمقراطي والجمهوري بالتساوي والتي تقع تحت مؤثرات مصالح الحركة الصهيونية الاقتصادية والمالية التي تسيطر على معظم مجمعات الصناعات المختلفة هنالك، وهذه هي مصيبة ووباء النظام الدولي القائم الذي يمنع بالترهيب والتخويف تحول اعلان عدد من الدول بالتضامن مع شعبنا الى خطوات عملية تعاقب بها دولة الاحتلال، . كما ويساعده ضعف الموقف العربي المناهض فعلا لهذه التوجهات، امام انجرار العديد من دول العالم العربي والإسلامي الى السياسات الأمريكية بالمنطقة بل والعمل كحلفاء او حتى شركاء لها في تسهيل تنفيذ المشروع وكأنه مشروع يخدم مصالح شعوبنا العربية.
لكن السؤال الأساسي هو، هل بإمكانهم فعلاً تنفيذ هذا المشروع؟ لمحاولة الاجتهاد بالإجابة على ذلك ، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار عدة عوامل تتلخص في قضايا عدة اهمها ؛
أولاً: قدرة ثقافة وقوى مقاومة هذا المشروع الاستعماري الحديث ، فعلى الرغم من الضغط العسكري والسياسي المستمر وعمليات الاغتيال والضربات المتلاحقة لحركات المقاومة المسلحة واحزابها في لبنان وفلسطين واليمن والتهديد باحتلال مناطق جديدة ومحاولات تقويض تلك القوى المختلفة ، كما واستهداف التراث التاريخي الكفاحي لهذه القوى ولمنظمة التحرير باعتبارها حركة تحرر وطني ومحاصرة دور السلطة الوطنية باعتبارها المفترض كمرحلة نحو الدولة وفرض مكانة “سلطة خدمات لسكان المناطق دون سلطة ” على دورها ، لا تزال ثقافة وقوى المقاومة تتمتع بقاعدة دعم شعبية واسعة ومرونة تكتيكية مكنت قوى التحرر والمقاومة هذه من الاستمرار حتى الان رغم الضغوط السابقة والجارية حاليا بتصاعد والتي اعتقد بانها لم تنتهي ولم تنهي دور حركات المقاومة . نجاح المشروع الأمريكي الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على قدرتهم على القضاء بشكل نهائي على هذه القوى وعلى كي وعي وثقافة التحرر الوطني لدى شعوبنا العربية ومنها شعبنا الفلسطيني كما واثارة الاخبار والمعلومات التي تخدم مشروعهم من خلال سيطرتهم على الماكينة الإعلامية العالمية بهدف ايصالنا الى الشعور بالانهزام، الامر الذي لم يتحقق حتى الآن وربما لن يتحقق لاحقا ، وهذا امر يعتمد علينا نحن وفق الكثير مما هو مطلوب منا على قاعدة استمرار كفاحنا نحو إنهاء حرب الإبادة على لبنان وغزة واسقاط الاحتلال ووحدتنا الواسعة على قاعدة وحدة الارض والشعب والقضية الوطنية السياسية .
ثانيا: الاستقرار الإقليمي، حيث إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد يتطلب استقرارا سياسيا واقتصاديا في دول رئيسية مثل العراق وسوريا ولبنان، وهي دول تعاني من حالة عدم استقرار مزمنة بحكم مؤامرة ما سمي بالربيع العربي الذي شكل المرحلة الاولى من مخطط الشرق الاوسط الجديد. فبدون استقرار إقليمي، سيكون من الصعب تنفيذ أي رؤية طويلة الأمد لإعادة تشكيل المنطقة.
ثالثا: الدور الإيراني، حيث إيران تلعب دورا في محاولات تعزيز مكانتها الجيوسياسية بالمنطقة وكلاعب مهم على المستوى الدولي يسعى لتحقيق مصالحه ومشروعه بالمنطقة في غياب اي مشروع عربي . فأي محاولة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط دون التعامل مع النفوذ والدور الإيراني ستواجه صعوبات كبيرة . التوترات بين الولايات المتحدة وإيران تجعل من تنفيذ المشروع امرا معقدا، الا في حالة تلبية مصالح إيران وطموحاتها او على الاقل الحد الادنى منها الذي يضمن لإيران بقائها لاعبا مهما ذو تأثير .
رابعا: المجتمع الدولي ، ان تنفيذ مشروع بهذا الحجم يتطلب دعما أو على الأقل قبولا ضمنيا من المجتمع الدولي. ومع تزايد الانتقادات لسياسات إسرائيل كما والولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، قد تجد الولايات المتحدة وإسرائيل صعوبة في الحصول على هذا الدعم.
خامسا : التوقيت ، ان مسألة توقيت التنفيذ مهم للغاية. مع تزايد التوترات الإقليمية والعالمية، خاصة في ظل الصراع في أوكرانيا وبحر الصين وامريكيا اللاتينية وأفريقيا الى حد ما وملفات دولية أخرى ، قد يكون هناك اهتمام أكبر لدى القوى الدولية لمنع تفاقم الأمور في الشرق الأوسط.
وبالعودة الى مسار التاريخ السياسي ، نجد ان هنالك ربط للمشروع الحالي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بنتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية، وخاصةً فيما يتعلق باتفاقيات سايكس بيكو التي رسمت حدود الدول في المنطقة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.
اتفاقيات سايكس بيكو، التي كانت جزءًا من الجهود الاستعمارية الغربية لتقسيم المنطقة وفقًا للمصالح الأوروبية تحديدا بمباركة ودعم أمريكي ، أسست لنظام حدودي سياسي واقتصادي لا يعكس بالضرورة الحقائق الاجتماعية أو التاريخية لشعوب المنطقة . وبعد الحرب العالمية الثانية، ركزت القوى الكبرى على إعادة بناء أوروبا واليابان، بينما استمرت مشاكل الشرق الأوسط بلا حل جذري ، وأولها وأهمها على اثر إنشاء إسرائيل كمشروع استعماري يخدم مصالح تلك القوى عام ١٩٤٨ على حساب شعبنا وحقوقه التاريخية وما تلاه من صراعات وفق الأسس الاستيطانية التوسعية لهذه الدولة المارقة ، عزز من الانقسام والصراع والتوتر القائم بالمنطقة منذ تلك الفترة .
المشروع الجديد للشرق الأوسط، كما يبدو اليوم، قد يكون محاولة لاستكمال ما بدأته القوى الاستعمارية في بداية القرن العشرين. ولكن هذه المرة، بالتركيز ليس فقط على إعادة تقسيم جغرافي للمنطقة، بل على إعادة تشكيل الأنظمة السياسية والاقتصادية والعسكرية للدول بما يتناسب مع المصالح الأميركية والإسرائيلية من جانب ، طالما ما زالت الهيمنة الأحادية القطب هي سمة هذا النظام الدولي رغم بدايات مظاهر إخفاقاته باعتقادي ، وأيضا بهدف محاولة احتواء نفوذ قوى مثل إيران وروسيا والصين من جانب اخر التي تحاول تنمية مصالحها بمنطقتنا والمنطقة الأوسع بالتعاون مع تجمعات دولية مثل البريكس وغيرها .
ولكن إذا تم النجاح في تنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الجديد” كما تصفه القوى الغربية وإسرائيل، فمن المؤكد أن يكون ذلك على حساب الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف لشعبنا الفلسطيني، وأبرزها الحق في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وفق مبدأ القرار الأممي ١٨١ ، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم بسبب تعقيدات النزاع ورؤية الولايات المتحدة وفق علاقتها مع الحركة الصهيونية . والى ايجاد “حلول” تسعى لتجاهل الحقوق الأساسية لشعبنا الفلسطيني، مثل إقامة كيان فلسطيني يطلقون عليه “اسم دولة” دون سيادة ودون حدود تتفق مع ما قبل خطوط ٤ حزيران ١٩٦٧ ، ودون تنفيذ القرار الأممي ١٩٤ بشان حقوق اللاجئين ودون الحق الاساسي بتقرير المصير .
كما وإلى توسعة اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل بدون حل حقيقي للقضية الفلسطينية ، والذي سيتم في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد يتفوق اسرائيلي ودون أن يشمل حقوق الفلسطينيين بشكل عادل كما ذكرت . وبالتالي وفي حال نجاحهم رغم المعيقات ، ستصبح القضية الفلسطينية معزولة ومهملة في سياق المصالح الأوسع في المنطقة والعالم ، وهو الامر الذي يجب ان تتركز الجهود اليوم في مقاومته بكل السبل الشعبية والقانونية والدبلوماسية والإعلامية في اطار من الوحدة الواسعة الفلسطينية وتعزيز التضامن الدولي وفق رؤية واضحة المعالم لا مكان للخوف فيها او مجاراة السراب الامريكي الخبيث ، او ننتظر الى حين لا ينفع الندم او اعادة الزمن .