رحمة الله ، نور الأمل في أحلك الظروف ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في زحمة الحياة ومتاهاتها، نواجه تحديات وصعوبات قد تبدو أحياناً كأنها لا تُحتمل. قد يمر الإنسان بأوقات يشعر فيها بالعجز التام، وكأن السماء ضاقت عليه بما رحبت، وأبواب الفرج أغلقت دون رجعة. لكن، رغم كل هذه الأزمات، يظل هناك شعاع من الأمل ينبثق من عمق الإيمان بالله ورحمته التي لا تنقطع، مهما كانت الظلمات حالكة.
من أعظم مظاهر رحمة الله التي ذُكرت في القرآن الكريم هي تلك المعجزات التي كسرت حواجز الطبيعة والعقل البشري. نقرأ عن قصة السيدة مريم العذراء التي أنجبت عيسى عليه السلام بمعجزة إلهية عظيمة، وكيف نطق الرضيع وهو في المهد ليعلن للعالم أنه عبد الله ونبيه. إنه مشهد يتحدى كل قواعد العقل والمنطق، لكنه يذكرنا بأن الله قادر على كل شيء.
وكذلك، لا يمكننا نسيان قصة سيدنا زكريا وزوجته العاقر، وكيف أن الله أكرمهما بمولود بعد أن تقدم بهما العمر وفقدا الأمل في الإنجاب. ومع ذلك، جاء أمر الله ليُظهر أن القدرة الإلهية لا تخضع لأي حسابات دنيوية. إن الله إذا أراد أمراً، فإنما يقول له “كن” فيكون.
في قصص الأنبياء، نجد عبرًا ودروسًا تتحدث إلينا في كل زمان ومكان. تلك الأحداث الخارقة للعادة ليست مجرد روايات من الماضي، بل هي رسائل تحمل في طياتها حكمة عظيمة: لا تيأسوا أبداً من رحمة الله، فالله قادر على تغيير الحال في لحظة، مهما كان الوضع يبدو مستحيلاً من منظور البشر.
إن الإيمان بالله والثقة في قدرته هما ما يمنح الإنسان القوة على الصمود والاستمرار. إذا نظرنا إلى حياتنا اليومية، سنجد أن الكثير منا مر بأوقات عصيبة، قد تكون متمثلة في مرض مستعصٍ، أو ضائقة مالية، أو فقدان شخص عزيز. في تلك اللحظات قد نشعر بأن الأمور قد انتهت وأن لا أمل في التغيير، لكن الله برحمته الواسعة يفتح لنا أبواب الفرج من حيث لا نحتسب.
يقول الله في كتابه الكريم: “فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً” (الشرح: 5-6). هذه الآية تذكرنا دوماً أن العسر لا يدوم، وأن بعد كل محنة هناك منحة، وبعد كل ضيق هناك فرج. الله تعالى لا يُبتلي عباده إلا ليرفعهم ويرى منهم الصبر والإيمان.
والدعاء هو الصلة الأقوى بين العبد وربه. قد يتساءل البعض: كيف ندعو الله ونحن لا نرى الإجابة؟ الإجابة تأتي في كثير من الأحيان بطرق لا ندركها. الدعاء بحد ذاته هو تعبير عن الثقة في الله وتسليم كامل له، وليس بالضرورة أن يأتي الفرج على الفور، لكنه يأتي في الوقت المناسب. إن الله أرحم بعباده من أمهاتهم، وهو يعلم متى يكون الوقت الأنسب لتحقيق الأمنيات.
وكما أن الله رحيم في اختبارات الحياة، فإنه كريم في عطاياه. الأمن والسلام، الصحة والعافية، الرزق الحلال الطيب، كل هذه الأمور هي من رزق الله الذي يغدقه على عباده. وإذا تأملنا حياتنا، سنجد أن الله قد منّ علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، رغم الصعوبات التي قد نمر بها.
في النهاية، يجب أن نعيش دائماً بروح مفعمة بالأمل والثقة في الله. فلا مستحيل مع الله، ولا ضائقة إلا ولها مخرج. ما علينا سوى أن نلتزم بالصبر والإيمان، وأن نبقى على يقين بأن الفرج آتٍ لا محالة.
اللهم نسألك بكرمك الذي لا ينفد، وبقدرتك التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء، أن ترفع عنا البلاء، وتمنحنا الأمن والأمان، وترزقنا الرزق الحلال الطيب، وتديم علينا الصحة والعافية. اللهم اجعلنا من المتوكلين عليك، الواثقين برحمتك، والملحين في دعائك، ولا تردنا خائبين يا أكرم الأكرمين.
كن مع الله ولا تبالي، فمع اليقين بالله لا يوجد مستحيل.