الدور الأمريكي بين التصعيد والتهدئة وتأييد المشروع الصهيوني ، بقلم : مروان أميل طوباسي
رغم سياسات الولايات المتحدة التي تسعى من خلالها عبر العالم تاريخيا الى إثارة بؤر توتر لا تخدم مصالح الشعوب بل الى قهرها ومن اجل تحقيق مصالحها عبر الهيمنة العسكرية والإقتصادية وتداعياتهما السياسية .
فانها في الحالة المتصاعدة في لبنان ، غزة وكل مناطق فلسطين ، ورغم تاييدها ومساندتها للمشروع الصهيوني الأوسع بالطبع منذ بدايته ، تبدو وكأنها الان لا تريد الانجرار خلف رؤية نتنياهو وحكومته الفاشية في توسعة نطاق الحرب في الوقت الراهن لعدة أسباب استراتيجية وجيوسياسية واهمها :
أولاً : منع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة ، حيث تصعيد الصراع بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة تشمل دولًا مثل إيران وسوريا والعراق وغيرها ، وهو ما يهدد الاستقرار الهش لمصالحها في منطقة الشرق الأوسط.
ثانيا : الولايات المتحدة لديها مصالح استراتيجية في الشرق الأوسط، مثل الحفاظ على احتكار أمن الطاقة العالمية وحماية الدول الحليفة مثل إسرائيل ودول اخرى . تصاعد الصراع قد يؤدي إلى تعطيل إمدادات النفط والغاز من الخليج والشرق الاوسط الى الشركات الغربية متعددة الجنسيات ، وتأجيج النزاعات في دول أخرى كالعراق واليمن، مما يضر بمصالح واشنطن وسلامة الممرات التجارية والبحرية التي تريد استمرار السيطرة عليها .
ثالثا : منع زيادة النفوذ الإيراني، وتصعيد الصراع قد يزيد من نفوذ إيران في المنطقة، وهو ما تسعى الولايات المتحدة إلى تجنبه. واشنطن ترغب في احتواء إيران ومنعها من استخدام الصراعات الإقليمية لتعزيز موقعها الجيوسياسي.
رابعا : التعامل مع قضايا أخرى على الصعيد العالمي ، فالولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة أخرى على الصعيد الدولي ، مثل الصراع في أوكرانيا والتوترات مع الصين وفي بحر الصين وامريكيا اللاتينية . تصعيد كبير وجديد في الشرق الأوسط يمكن أن يزيد الضغط على الدبلوماسية الأمريكية ويجعل من الصعب إدارة هذه الأزمات المتعددة في وقت واحد.
خامسا : دعم الاستقرار لحلفائها ، فالولايات المتحدة تسعى للحفاظ على استقرار الدول الحليفة مثل السعودية ، الأردن ومصر والخليج . تصعيد الصراع قد يؤدي إلى تدفق اللاجئين وضغوط اقتصادية على هذه الدول وإمكانية تعرضها لمتغيرات داخلية ، مما يضعف التحالفات الإقليمية ويزيد من تعقيد المشهد.
–استراتيجية “الشرق الأوسط الجديد”.
في هذا الاطار تسعى الولايات المتحدة إلى عدم توسيع الصراع الذي يسعى له نتنياهو ، بل إعادة تشكيل التوازنات في المنطقة بما يخدم هذا المشروع ، كما ومصالحها الجيوسياسية من خلال دورها ومساهمتها في القضاء على اي شكل من المقاومة الباسلة واحباط الاشكال السياسية والقانونية منها ، لحماية تعزيز التطبيع بين إسرائيل والدول العربية الذي تريده واشنطن . هذا المخطط يهدف إلى عزل إيران دون الدخول في مواجهة مباشرة معها ، وكذلك تحجيم النفوذ الروسي والصيني في المنطقة الأوسع ، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن أيضا في آسيا الوسطى وأوراسيا .
مع ذلك، تجد الولايات المتحدة نفسها تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ هذه الاستراتيجية، خاصة مع تصاعد وتيرة مقاومة المخططات الاسرائيلية في فلسطين ولبنان وبربط التهدئة وفق مطالب المقاومة بالمكانين سويا ، وأثر ذلك على تفاقم الأزمات في إسرائيل خاصة مع تنامي حجم خسائرها بالقطاعات البشرية والإقتصادية وتحول جزء من مجتمعها الى نازحين مع نقل القتال الى داخل مدنها بواسطة الصواريخ التي قد تتطور وفقا لمسار الاحداث والحرب الجارية هنالك .
النقطة الأهم هنا هي أن واشنطن لا تسعى بالضرورة إلى وقف القتال وايجاد حل شامل للقضية الفلسطينية ولا الى منع التوغل والأحتلال حتى الليطاني في لبنان ، بل إلى إدارة الأزمات بطرق تكفل مصالحها واستمرار نفوذها . هذا النهج يتضح من خلال دعمها غير المحدود لإسرائيل ، في حين تواصل الكذب وتقديم الوعود السرابية عن مفاوضات وعن الدولة الفلسطينية دون خطوات فعلية لتحقيقها او دون ارتباط الحديث عن ذلك بإنهاء الأحتلال او حتى انسحابه من قطاع غزة ووقف الاعتداءات على لبنان . تصريحات الأمريكان لا ترتبط عند الحديث عن الدولة بما نص عليه القانون الدولي والقرارات الأممية وخاصة بما تعلق بمبداء إقامة الدولة الفلسطينية العربية وفق القرار الأممي ١٨١ ولا تسير الى حدود ولا الى مبداء حق تقرير المصير وهو بأقل تقدير الامر الواجب لاقامة الدولة الفلسطينية .
–المستجدات الدولية وتأثيرها على المنطقة.
في الآونة الأخيرة، شهدنا تزايد الجهود الدولية في محاولة احتواء الصراع في جنوب لبنان وغزة بعد تدميرها. مبادرات أممية وأخرى من قِبل قوى دولية مثل روسيا والصين بدأت تتخذ خطوات أكثر وضوحا في محاولة لتهدئة التوترات، خاصة بعد تدخلات مجلس الأمن وإصداره لقرارات تستهدف وقف اطلاق النار والتهدئة التي اسقطتها الولايات المتحدة “بالفيتو” .
لكن هذه التحركات تواجه عقبات من قِبل الولايات المتحدة التي تريد خلق المشكلة وحلها وفق منهجها الذي تمارس به ضغوطا للحفاظ على الوضع القائم في المنطقة دون تقديم حلول حقيقية . الدعم الأمريكي لإسرائيل وفق محددات العلاقة الإستراتيجية بينهم يتجاوز مجرد تعزيز القوة العسكرية ، بل يمتد إلى الحماية الدبلوماسية التي تحجب أي قرارات فعالة عن مجلس الأمن والمحاكم الدولية ، الا في حال توافقها مع مصالح دولة الأحتلال في حال زيادة كلفة الاحتلال وسياساته التوسعية ، لكنها تعتقد وهي تفعل ذلك ، بانها قادرة على فعل اي شيئ باعتبارها نظام مارق لم يتعرض لاي شكل من العقاب والحساب حتى اليوم .
— اسرائيل الكبرى .
لا يمكن النظر إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كمسألة محلية فقط، بل هو جزء من معادلة جيوسياسية معقدة .
المشروع الإسرائيلي الإستعماري لتوسيع نفوذه الإقليمي لا يتوقف عند حدود غزة والضفة الغربية، بل يمتد إلى جنوب لبنان والحدود المصرية وربما إلى اجزاء من الأردن في ظل التهديدات التي يطلقها بعض غلاة الفكر الصهيوني من خلال المناطق العازلة والضم وتجويع وتهجير ابناء شعبنا الأصلانيين الى ابعد من تلك الحدود ، وهو امر يتكرر اليوم في جنوب لبنان الشقيق . هذه الرؤية تتماشى مع الرؤية التوراتية والأستراتيجية الإسرائيلية لتحقيق “إسرائيل الكبرى” ، وبالطبع فان ما جاء في كلمة نتنياهو امام الامم المتحدة امس يعزز ذلك الفكر والتوجه .
يبقى الحل الشامل للأزمات في الشرق الأوسط مرهونا بتسوية تضمن حقوق جميع الشعوب وسيادة الدول ، وتضع حدا للأحتلال الإسرائيلي وسياسات الاستيطان والأبارتهايد والتوسع ، بما يحقق الحرية والاستقرار ويضمن تقرير المصير لشعبنا الفلسطيني اولاً . فقط من خلال مثل هذه التسوية ومحاسبة دولة الأحتلال فعليا بتجميد عضويتها في هيئة الامم بأقل الايمان ، يمكن ضمان استقرار دائم في المنطقة على اساس من العدالة والحرية والمساواة ، ودون ذلك ستبقى منطقتنا في مسار متعرج من عدم الاستقرار ورهينة الإرهاب الصهيوني الواسع المستمر .