جبال الجنوب بانتظاركم ، بقلم : بديعة النعيمي
كتب “حاييم غور” في مارس/ 2000 بعد وقت قصير من الانسحاب من لبنان، قائلا “في هذه الأرض يُعد الماضي راهنا وذا صلة دائما، لأنه يكرر نفسه، وحينما يفترض المرء أن أمرا ما قد انتهى وانقضى، يعود ذلك الشيء لينتقم منك”.
ما قاله “حاييم غور” يتنبأ بمصير الحرب التي تخوضها دولة الاحتلال اليوم في لبنان والتي قامت في مقدمتها بتحميل سلاح الجو الإرهابي المهمة الأساسية للمواجهات مع قدرات حزب الله، فما كان منها إلا أن بدأت عمليات القصف الهمجي الجبانة من الجو، بالضبط كما فعلت في مقدمة عدوانها الذي شنته على غزة.
لكن ولأنها تزعم بأنها تعلمت من تاريخ حروبها على لبنان وإلى ما كتب عام ٢٠٠٨ في تقرير للجنة “فينوغراد” في تقريرها النهائي بشأن حرب لبنان الثانية حيث جاء فيه “كانت هناك ثقة زائدة بسلاح الجو وشعور خاطئ بأن الحل سيكون من الجو”. قررت البدء بمناورة برية واسعة النطاق داخل الأراضي اللبنانية والسيطرة عليها عن طريق الدبابات والتهديد بإزالة قرى بأكملها عن الأرض.
وبالفعل كان الجيش اليهودي قد أجرى تدريبا يحاكي تلك المناورة على بعد كيلومترات قليلة من الحدود اللبنانية يوم الخميس الموافق 26 / سبتمبر بعد استدعاء لوائين من تشكيلات الاحتياط.
وقد كان قائد المنطقة العسكرية الشمالية اللواء “أوري غورين” قد صرح بأن “الجيش الإسرائيلي دخل مرحلة أخرى في الحرب ويتعين عليه أن يكون مستعدا بقوة للقيام باجتياح بري في لبنان”.
وقد أطلقت دولة الاحتلال اسم “سهام الشمال” على حربها على لبنان، والتي بدأت باستهداف كبير جدا كما تزعم لقدرات حزب الله من قادة وعناصر.
ويذكر بأن هدف الحرب التي أطلق “نتنياهو” العنان لها هو القضاء على حزب الله وإعادة سكان الشمال إلى منازلهم.
وهنا لا يسعنا إلا أن نذكرهم بالعملية التي أطلقت عليها دولتهم عام ١٩٩٣ “تصفية الحساب” وشنتها على لبنان، وكان الهدف منها القضاء على حزب الله. واعتمدت خلالها على سلاحها الجوي. غير أن الحسابات لم تصفى بعد أن منيت بالفشل وانتهت بوقف إطلاق النار.
أما “عناقيد الغضب” عام 1996 فهي العملية التي أطلقتها دولة الاحتلال على حربها على لبنان لنفس الهدف وهو القضاء على الحزب، حيث استمرت 16 يوم انتهت بنفس النتيجة وهي فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه ووقف لإطلاق النار. فانقلبت العناقيد لتصب نارها عليهم وانقلب السحر على الساحر.
وتكررت مأساة العدو وفشله عام 2006 حين شن حربا على لبنان أطلق عليها “حرب لبنان الثانية”.
واليوم نذكرهم بغزة التي لم يحققوا فيها أي هدف من أهدافهم. وحين فشل سلاح الجو فيها إلا من ارتكاب مئات المجازر والإبادة الجماعية بحق المدنيين، قرر “نتنياهو” دخولها بريا. فكانت الوحل الذي غرق به جيش الدولة ،فمن كمين إلى آخر ،ومن تفخيخ نفق إلى آخر ومن عمليات قنص وتدمير آليات من مسافة صفر ، ما اضطر ألويته على الانسحاب على رأسها جولاني من القطاع يجر أذيال الخسارة.
واليوم في حربها على لبنان هل قررت دولة الاحتلال إعادة امجاد هزائمها؟ أم أنها امتلكت مارد مصباح علاء الدين الذي سيمنحها أسباب الانتصار؟ وهي لم تستطع بهذا المارد تحقيق أهدافها في غزة، فكيف بلبنان؟ غزة، مرآة لبنان اليوم، غزة التي هزمت ترسانة أمريكا وغيرها، هزمت دعم الدول التي يئست منها “غولدا مائير” ليلة حرق المسجد الأقصى المبارك، فاطمأنت لسباتها، ففعلت ما تريد وفعل من جاء بعدها ما يريد واليوم “نتنياهو” أيضا يتجبر بسبب ذلك السبات..لكن المقاومة هزمت جيشه برغم الدم والقتل والفقد والتدمير وداست على رأسه ورأس جيشه وترسانته.
وما فعلته المقاومة في غزة سيكون بانتظار خنازير الشتات.
فجبال الجنوب تنتظرهم، وأشجار أحراجها ستخبر عنهم، وأنهاره ستغرقهم.
الجنوب اليوم يقف شامخا ويقول لكم: فقط جربوا وادخلوا فالموت الذي وجدتموه في غزة بانتظاركم هنا.