12:06 صباحًا / 27 سبتمبر، 2024
آخر الاخبار

بيادق ونيشان، للروائي يوسف حسين ، بقلم : الشاعرة هناء أمين

بيادق ونيشان، للروائي يوسف حسين ، بقلم : الشاعرة هناء أمين

بيادق ونيشان، للروائي يوسف حسين ، بقلم : الشاعرة هناء أمين

تعد الرواية واحدة من أهم الأشكال والأجناس الأدبية التي تلقى رواجاً بين جمهور القراء، خاصة الشباب.


وللرواية، كأي شكل أدبي، أصول وسمات خاصة لابد أن تلتزم بها، فهي سلسلة من الأحداث تُكتب بسرد نثري طويل، يصف شخصيات خيالية أو واقعية وأحداثاً متشابكة، وتتعدد فيها الشخصيات وتتنوع الأحداث.


والرواية حكاية تعتمد السرد بما فيه من وصف وحوار وصراع بين الشخصيات..


آثرت أن أبدأ بتوضيح مفهوم الرواية حتى نعرف مدى نجاح الأديب الأستاذ يوسف حسين في الالتزام بهذه القواعد والسمات، في روايته (المتميزة) بيادق ونيشان.


من خلال ما قدمته من تعريف للرواية نجد أنه وُفق كثيرًا في روايته، واستطاع أن يمسك زمام الأحداث والشخصيات ببراعة كبيرة، ولم تعقه كثرة الشخصيات ولا الأحداث الكثيرة المتتابعة من القبض بيد من حديد على الشخصيات فلم تفلت منه.


لو نظرنا إلى عتبات النص، والتي تفتح أمام المتلقي أبوابا للغوص في النص والبحث عن معانيه وفك شفراته، نجد كاتبنا قد أحسن الدخول بنا في عالم روايته، حيث الغلاف المعبر، والإهداء المتميز، والجملة الافتتاحية الرائعة التي يقول فيها:


“أيها الزائر، حرصًا على سلامتك اخلع عنك مشاعرك، واتركها عند الباب كما تترك حذاءك عندما تدلف المساجد، تأبط عقلك فقط، وتجول بين صفحات التاريخ المحرم على العامة قراءته!”.


يا لها من عبارة تحمل الكثير والكثير من المعاني الكبيرة، في كلمات قصيرة، موجزة!


إذا انتقلنا إلى العنوان، فسنجده استخدم الجمع لكلمة (بيادق) والمفرد ل (نيشان)، والبيدق هو إحدى قطع الشطرنج التي تتسم بالضعف، وربما أراد الكاتب من جمعها أن يقول لنا إن شخصيات الرواية كقطعة الشطرنج هذه، والنيشان هو الجائزة الكبرى لمن ينجو من شباك وحبائل المعصية.


أعجبتني اللغة التي كتب بها يوسف حسين (مع حفظ الألقاب) روايته، فهي لغة منضبطة، سليمة، ويتسم الحوار فيها بالتناسب مع الشخصيات.. كما أن هناك العديد والعديد من الجمل شديدة الشاعرية والمهمة، وفقرات كثيرة لو اقتطعناها من الرواية لأصبحت أقوالا مأثورة لما تحمل من عمق وفكر ولغة جزلة.


والسؤال المهم الآن ما الذي يميز الرواية التي بين أيدينا عن كل ما سواها من أعمال؟


أول ما يميزها قدرتها المدهشة على إثارة الأسئلة التي لا يجيب عنها كاتبها، وإنما يتركها تردد أصداءها في عقل القارىء ووجدانه، وهذا شأن العمل الروائي العميق، فمن منا يستطيع أن يجيب عن السؤال: هل هذه حالة خاصة؟ أم هي حال البشر جميعا، والبشرية بأسرها في رحلتها منذ أبينا آدم إلى اليوم؟


ومن يستطيع أن يجزم هل آدم الرواية ما زال على قيد الحياة أم رحل عن العالم؟


ومن منا يستطيع أن يحيط بأسرار الجو الغرائبي الذي يحيط بالأحداث، ليجزم إذا كان هناك اقتراب من الفانتازيا أم هي الرواية الغرائبية التي تتماس مع الواقعية السحرية وتنتسب إليها بطرف؟


ومن غير المنطقي أن يكون المؤلف قد ترك أسئلة الرواية مفتوحة عابثا أو لاهيا، وإنما هو أراد لها ألا تنتهي بقراءة الرواية وختام أحداثها، بل أن تبقى حاضرة في حياة القارىء تلح عليه وتدعوه إلى محاولة فهم المغزى دون الاكتفاء بالتوقف أمام حكائية الأحداث.


لقد رسم الكاتب شخصياته بجدارة واقتدار، وكانت الشخصية تتطور بما يناسب ملامحها النفسية والاجتماعية والثقافية، وكان الكاتب يمارس دورا إبداعيا شديد التوازن، فهو من ناحية يريد لشخصياته أن تبقي شخصيات حية من لحم ودم ومشاعر وقرارات، ومن ناحية أخرى يريد لفكرته أو أفكاره أن تصل إلى قرائه دون أن يتحول هو إلى لاعب ماريونيت يمسك كل الخيوط في يده ويحركها كما يشاء وقتما يشاء، فهو يرسم شخصيته ثم يترك لها أن تتفاعل في علاقة جدلية مع الحدث لتتخذ قراراتها، ويدخلها الكثير من التغيرات، بحيث تؤثر فيما حوله وتتأثر به.


ومن المدهش أن الرواية قد أقامت حوارا مدهشا بين الشخصيات الروائية لنجيب محفوظ من ناحية والشخصية الرئيسة في الرواية “آدم” من ناحية أخرى، بل إنه يستحضر نجيب محفوظ ذاته، ولا يكتفي برصد أوجه التشابه أو الاختلاف بينه وبين الشخصيات التي أبدعها نجيب محفوظ.


ومن الأمور اللافتة في الرواية أيضا قدرة المؤلف على الموازنة الدقيقة بين المستوى الشاعري للغة من ناحية وإصراره على ألا تتحول اللغة إلى عبء على القص من ناحية أخرى، وهذا ما جعل الرواية تحتفظ بوهجها ورشاقتها وإحكامها وشغف القارىء بأحداثها على مدى عدة مئات من الصفحات دون أن يفقد العمل إيقاعه، أو يشعر قارئه بالملل أو الرتابة أو الترهل حتى على المستوى البلاغي.


وإذا كان النقد الأدبي العربي القديم يحدثنا عن المعنى ومعنى المعنى، فإن القارىء لهذه الرواية سيقع في خطأ كبير جدا إذا اكتفى بالتوقف أمام المستوى الحكائي دون أن ينفذ إلى المغزى الفلسفي العميق لأحداث الرواية.


رواية مدهشة على المستوى اللغوى، وتكنيك الكتابة والمغزى الفلسفي العميق.


خالص الأمنيات للأديب المتميز، يوسف حسين بدوام التوفيق والسداد.

  • – هناء أمين – عضو اتحاد كتاب مصر

شاهد أيضاً

منظمة التعاون الإسلامي تندد باستمرار الحرب على غزة وتوسعها للبنان

شفا – نددت منظمة التعاون الإسلامي، استمرار حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في …