وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر
بهذه الكلمات والتي هي خاتمة النشيد الوطني الجزائر، بدأ الرئيس الجزائري احمد بن بله مشواره الكفاحي الطويل والذي قارب على القرن من الزمان، انه من بين القلائل في التاريخ الذين وصلوا هذا العمر وهم يحملون هموم الانسانية على اكتافهم، كما انه من الاوائل الذين اطلقوا الرصاصات الاولى معلنا بدا قيام الثورة الجزائرية، ضد الاستعمار الفرنسي حيث شكلت احداث 8 مايو ايار عام 1945 والتي قتل فيها ما يزيد عن 54000 مواطن جزائري، تحولا استراتيجيا في حياته ، حيث التحق بحزب الشعب الجزائري، وبعد ذلك انتقل الى حركة انصار الديمقراطية، انشأ اول منظمة عسكرية لمهاجمة المواقع العسكرية الفرنسية ومن ثم قام وعدد من رفاقه، بالهجوم على مركز البريد الفرنسي في مدينة وهران، باعتباره احد الاهداف الفرنسية التي يجب محاربتها ،والاستيلاء على الاموال ووضعها في خدمة الثورة الجزائرية، اعتقل عام 1950 وصدر بحقه حكما بالسجن لمدة 7 سنوات، لكنه استطاع الفرار من السجن بعد عامين على سجنه، في عملية فدائية جريئة، حيث وصل الى القاهرة وهو من الاوائل الذين اسسوا جبهة التحرير الجزائرية العام 1954 ، حيث تولى تمثيلها في الخارج، وفي عملية قرصنة جوية عادت واعتقلته فرنسا مرة اخرى عام 1956 بعد ان استولت على الطائرة التي كان يستقلها في رحلة من المغرب الى تونس هو وعدد من رفاقه، وبقي في السجن حتى الاستقلال، عام 1962 حيث جرى انتخابه رئيسا للجزائر من العام 63 وحتى العام 65 ،ليعود الى السجن مجددا على اثر عملية انقلاب عسكريه نفذها قائد المجلس العسكري آنذاك العقيد هواري بو مدين وليصبح بعد ذلك هو رئيس الجزائر، وبقي في السجن لمدة 15 سنه تحت الاقامة الجبرية الى ان اطلق الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد سراحه العام1980 ليؤسس بعد ذلك حزبا سياسيا (الحركة الديمقراطية الجزائرية) وبالرغم من تقدمه في العمر بقي يمارس نشاطه السياسي الى ان وافته المنية ليكون شهيد الجزائر الاكبر وشهيد الامة العربية، فهو الرئيس الاول للجزائر، ولحكمته ورجاحة عقله تراس مجموعة العقلاء والحكماء في الاتحاد الافريقي، قضى ما يزيد عن 24 عاما في السجون مناضلاً ورئيسا، وكان من زعماء العالم الكبار في مجموعة دول عدم الانحياز، الى جانب الرئيس جمال عبد الناصر والزعيم الكوبي فيدل كاسترو ،والرئيس الهندي جواهر لال نهرو ، والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو، وهومن مؤسسي منظمة الوحدة الافريقية.
تلك رحلة كفاح الرئيس من خيرة رؤساء، ومناضلي امتنا العربية، ولقائد ثوري عالمي قضى حياته من اجل خدمة اهداف شعبه وامته والانسانية جمعاء، لقد اقترن اسم الجزائر باسم بن بله ،تاريخ حافل وعمر طويل ناهز ال96 عاما من العطاء والنضال من اجل الوطن والشعب والامة العربية والانسانية، لقد كان الرئيس بن بله مناضلا وطنيا وعروبيا وقوميا وانسانيا بامتياز، لقد كان اسم ابن بله ودوره الهام والمميز في استقلال الجزائر، فاتحة لاستقلال القارة الافريقية بحيث اصابت عدوى استقلال الجزائر القارة الافريقية بكاملها وكان عقد الستينات هو عقد استقلال افريقيا، وهنا يحب ان نعترف للقائد العالمي الكبير جمال عبد الناصر، ومصر بدورها في استقلال القارة السمراء.
ايها الرئيس الانسان عندما نستذكرك نستذكر مرحلة كفاحية مميزة وسفرا نضاليا ،يشكل ذخيرة لكل الاحرار في العالم، اليوم وانت تغادرنا جسدا، ستبقى فينا روحا ،وستبقى سيرتك الخالدة سفرا لكل الاجيال القادمة، ومنارة يهتدي بنورها كل احرار العالم الطامحين في غد بلا استعمار، وفي غد اكثر امنا واكثر عدلا، واكثر حرية واكثر ديمقراطية ، لقد كانت هذه رسالتك في حياتك، ان العالم وفي يوم رحيلك سيتذكر فيك كل النبل وكل الاخلاق الثورية ،وكل القيم الانسانية التي ناضلت من اجلها، مهما حاول اعداء الانسانية وحاملي فائض القوة من مال وسلاح، بان لا مجال امام العالم الا ان يعيش في سلام وامان ،واحاق رايات الحق، وطي رايات الظلم والعسف والجور الى غير رجعة مهما اشتد السواد الذي يعيشه العالم اليوم من جراء السياسة العدوانية للمعسكر الامبريالي، والذي لم يستفد من كل دروس التاريخ، ولكن التاريخ لن يكتب الا بهامات الرجال العظماء وانت منهم فنم ،ورسالتك في الضمير، ومشوار دربك نحن سائرون.
جميل سرحان