1:03 صباحًا / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

الحرب الباردة العربية الجديدة بقلم : مجدى خليل

الحرب الباردة العربية الجديدة بقلم : مجدى خليل

أنتهيت مؤخرا من ورقة بحثية لمجلة سياسية أمريكية عن الحرب الباردة العربية الجديدة وأبعادها والنتائج المتوقعة منها، وطبعا لا يمكن أستعراض كل ما جاء فيها فى مقال قصير ولكن يمكن التنويه عن أهم خطوطها الرئيسية والنتائج المتوقعة بشكل مختصر.

من المعروف أن هناك حربا عربية باردة كانت فى خمسينات وستينات القرن الماضى تزامنت، وربما كانت جزء من، الحرب الباردة بين المعسكرين الغربى والشرقى، وقد صدرت العديد من الدراسات حول هذه الحرب العربية الباردة منها كتاب ” مالكولم كير” الصادر عام 1965 بعنوان ” الحرب الباردة العربية”، ولكن الحرب الباردة الجديدة اختلفت جذريا عن الحرب العربية الباردة القديمة فى عدد من الأبعاد.

اولا: الحرب العربية الباردة القديمة كانت صراعا بين النظم الثورية التقدمية بقيادة عبد الناصر والنظم المحافظة بقيادة الملك فيصل فى السعودية.، وكان الغرض طبعا هو تثوير المنطقة على غرار النموذج الناصرى، وكانت هناك نقاط تصادم وملاعب لهذه الحرب ربما ابرزها فى اليمن ولبنان والأردن. أما الحرب العربية الباردة الجديدة فهى بقيادة النظم المحافظة التى تريد أن تثأر من النظم الثورية القديمة وتحويلها إلى النموذج الإسلامى الأصولى المحافظ،وتقود الحرب الباردة الجديدة السعودية وقطر، حيث تتبنى السعودية النموذج الوهابى السلفى وتتبنى قطر النموذج الأخوانى، ولعل أبرز الملاعب لهذه الحرب هى مصر وسوريا وليبيا وبدرجة أقل تونس.

ثانيا: فى الحرب الباردة العربية القديمة كانت هناك مقاومة شرسة من جانب الطرف المحافظ المستهدف،أما فى الحرب الجديدة فأن الاطراف المستهدفة مستسلمة لقدرها بأستثناء سوريا التى تقاوم بشراسة.

ثالثا: فى الحرب الباردة العربية القديمة لم يكن الصراع المذهبى جزءا منها، ولكن الحرب الباردة العربية الجديدة يشكل الصراع السنى الشيعى جزءا رئيسيا منها، وهذا يظهر بوضوح فى المسألة السورية والعراقية والبحرينية.

رابعا:فى الحرب العربية الباردة القديمة كانت إسرائيل جزء رئيسى فى المشهد، والمزايدات بالحرب معها ومحوها من على الخريطة جزء من شعارات الأنظمة الثورية فى مواجهة المحافظين، فى الحرب الجديدة توارت إسرائيل تماما من المشهد وخلت المواجهات من الشعارات ضدها.

خامسا:فى الحرب العربية الباردة القديمة كانت دول فى مواجهة دول، ولكن الآن نحن أمام جماعات تحاول السيطرة على الدول، وهذه المسألة بدأت بتنظيم حزب الله ولكن الأمر تطور بسيطرة حماس على غزة ومحاولة تنظيم الاخوان السيطرة على العديد من الدول.

سادسا: فى الحرب الباردة العربية القديمة كانت مواجهات بين دولا عربية ببعد دولى، ولكن فى الحرب الجديدة برز بعد أقليمى بإنخراط كل من إيران وتركيا فى الصراع ومحاولة كل منهما توظيف دورها من آجل الهيمنة على المنطقة من ناحية والأصطفاف السنى الشيعى من ناحية أخرى.

سابعا:فى الحرب العربية الباردة القديمة كانت الهوية العربية ومحاولة إبرازها وفرضها وتلميعها والإعتزاز بها مسألة أساسية لدى الثوريين القدامى،أما الحرب الجديدة فهى تسعى لإحلال الهوية الإسلامية الأممية محل الهوية العربية وما يترتب على ذلك من إضعاف وتشرذم الجماعة العربية.

ثامنا: فى الحرب الباردة العربية القديمة كان التحديث مع الإحتفاظ بالهوية العربية والذات العربية جزء هاما من مكونات مشروع القومية العربية، فى الحرب الباردة الجديدة تطغى مسألة أسلمة الحداثة على أجندة الثوريين الإسلاميين الجدد وما يترتب على ذلك من سحب هذه المجتمعات إلى الخلف الف وأربعمائة عاما.

تاسعا: فى الحرب الباردة العربية القديمة كان للأقليات الدينية دورا بارزا فى صياغة فلسفتها وخاصة فى الشام،أما فى الحرب الباردة الجديدة فأن الأقليات غير الإسلامية تمر بمحنة حقيقة من جراء طغيان الأسلمة على المواطنة والحقوق والحريات.

عاشرا: فى الحرب العربية الباردة القديمة كانت المراكز الثقافية فى القاهرة وبغداد ودمشق هى مصدر الإشعاع الثورى بما تزخر بها من طبقة الأنتلجنسيا والتاريخ وتراث الحضارات القديمة،أما فى الحرب الباردة العربية الجديدة فأن البترودولار هو الذى يحرك مراكزها فى الرياض والدوحة ولهذا تحمل الفساد والإفساد مع رياح صحراوية تهدد بتصحير المراكز الحضارية الزراعية القديمة.

وأخيرا:وأخيرا فى الحرب العربية الباردة القديمة كان الأعتزاز بالإستقلال الوطنى مسألة هامة فى فكر الثوريين العرب وخاصة بعد طرد الإستعمار، فى الحرب الباردة الجديدة تراجعت فكرة الإعتزاز بالأوطان بعد أن تحولت الأنظمة الثورية إلى أنظمة مستبدة وسلطوية وفاسدة، ولهذا حل محل الإعتزاز الوطنى الإعتزاز الدينى عند الجماهير الجديدة، وبات طلب الجنة والسعى للآخرة أهم من تنمية الأوطان وتعظيم مستوى المعيشة.

هل بعد هذا عزيزى القارئ يمكن للحرب الجديدة أن تأتى بأى خير للمواطن العربى؟.

شاهد أيضاً

غسان جابر

قرار المحكمة الجنائية الدولية: انتصار للعدالة أم خطوة رمزية؟ بقلم : م. غسان جابر

قرار المحكمة الجنائية الدولية: انتصار للعدالة أم خطوة رمزية؟ بقلم : م. غسان جابر بعد …