في خضم الأحداث الدموية والمرعبة التي يقترفها الأسد الصغير سفاح الشام تجاه شعبه، والتي فاقت التصور والخيال، والتي لم يسبقه إليها أحد من الجبابرة والمستبدين ممن روت كتب التاريخ سِفرهم المغمّس بالدماء، وحدثنا عنهم القرآن الكريم في قصص الأنبياء والمرسلين، فما يقوم به بشار الأسد من أعمال وحشية وبربرية وجرائم تقشعر لها الأبدان وتتقزز لمرآها العيون، ضمن ما يسمى بالأرض المحروقة، لأمر جلل لم تره العين أو تسمع به الأذن أو يخطر على بال بشر.
في هذه الأجواء الرعيبة حيث الدماء تتفجر أنهاراً من أجساد السوريين في طول البلاد وعرضها، والمقاصل تجز الرقاب وتقطّع الأطراف والأوصال، والنار تشوي الجلود والوجوه والأبدان، في هذه الأجواء المكفهرة التي لا يسلم منها شيخ ولا طفل أو امرأة أو مقعد، في هذه الأجواء وجد هذا السفاح من يبرر جرائمه ويسوغ أفعاله، ولم يكن هؤلاء من عوام الناس أو سفهائهم أو الدهماء فيهم، بل ممن كانوا يشار إليهم بالبنان لعلمهم وفضلهم ومعرفتهم بالحلال والحرام، ولعل في مقدمة هؤلاء صاحب (فقه السيرة النبوية) الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الذي تصدى للثورة السورية ورفض الحراك الشعبي المطالب بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، وانتقد المحتجين ودعاهم إلى “عدم الانقياد وراء الدعوات المجهولة المصدر التي تحاول استغلال المساجد لإثارة الفتن والفوضى في سورية”، ووصفهم بقوله “تأملت في معظمهم ووجدت أنهم لا يعرفون شيء اسمه صلاة، والقسم الأكبر لم يعرف جبينه السجود أبدًا“. وانتقد الشيخ الشجاع يوسف القرضاوي الذي يصدح بالحق ولا يخشى إلا الله، وقال عنه: “إنه اختار الطريقة الغوغائية التي لا تصلح الفساد وإنما تفتح أبواب الفتنة“.
وفي تصريحات أخرى اتهم عوامل خارجية بالوقوف وراء التظاهرات والاحتجاجات في سورية وقال “ينبغي أن نفترض أنه عندما يتلاقى الناس في تجمعات واحتكاكات، يكون هناك مندسون من الخارج“. وفي فتوى له خدمة للطاغية يقول: “إن التظاهرات تحولت إلى أخطر أنواع المحرمات”.
وَيُعْرَفُ البوطي منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1972 بقربه من النظام السوري وبتمجيده لحافظ الأسد ولوريثه بشار الأسد، وتلقيبه له بألقاب مثل “القائد الفذ” و”العبقري” و”المعين الذي لا ينضب” و”النهر الدافق” و”صاحب المواقف التي انبعثت عن إلهام رباني”.
ولا أعرف بماذا سيبرر البوطي مواقفه المؤيدة لنظام الأسد الصغير وأبيه من قبله يوم يلقى الله وقد تجاوز الثمانين بسنين.. وبشار يقوم شبيحته وأفراد قواته الخاصة بقتل واعتقال نسائنا وأطفالنا ورجالنا وانتهاك أعراضنا وتدمير بيوتنا وتهديم مساجدنا ونهب منازلنا وأسواقنا وسرقة أموالنا.. والذي يتبجح الناطقون الإعلاميون باسمه بعبارات تتحدى الخلق والخالق.. كما كرر أحدهم (شريف شحادة) عبر شاشات الإعلام بأن نظام بشار الأسد سوف لن يسقط إلا إذا أشرقت الشمس من مغربها.. أو كتلك العبارات الكفرية التي يخطها شبيحته على جدران وأبواب بيوت الله.. لكن الشيخ البوطي يوجه سيف لسانه ونبال فكره تجاه أحرار سورية المستضعفين المطالبين بالحرية والكرامة على أرض وطنهم.. فيشكك في دينهم وإخلاصهم وخلقهم ووطنيتهم، بدل أن يقف إلى جانبهم، وهم المستضعفون والمذبوحون والمظلومون والمقهورون ويقول للظالم توقف عن ظلمك، وهو العارف بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”!!
وفي هذا السياق ونحن نتحدث عن مواقف علماء عصرنا الذين باعوا آخرتهم بدنياهم نستذكر مواقف علماء السلف، وإلى أي مدى كان حرصهم على سلامة الشعب ورعاية مصالحه، والوقوف بشجاعة إلى جانبه في مواجهة الطغاة والمستبدين، فهذا فقيه أفريقيا وعالمها وقاضيها عبد الله بن غانم ينظر إلى قارورة في يد والي أفريقيا وجبارها الأمير إبراهيم بن الأغلب فيها دهن يسير. فقال له: ما هذا ؟ قال: دهن.. ثم قال للقاضي: كم تظن يساوي هذا ؟ فقال له: يسير. فقال له إبراهيم: فإن ثمنه كثير (كذا وكذا). فقال ابن غانم: وما هو هذا ؟ قال: السم القاتل، قال ابن غانم: أرنيه، فدفع إليه القارورة، فلما أخذها ابن غانم ضرب بها عموداً كان في المجلس، فكسرها وأراق ما فيها، فقال له إبراهيم: هاه! ما ذا صنعت؟ قال: أفأترك معك ما يقتل الناس؟.
فأين مواقفكم يا علماء الشام الهزيلة والمخجلة من ابن غانم الذي خشي أن يقتل سم القارورة رجلاً واحداً بغير حق، ولا تتمعر وجوهككم وسكين الأسد الصغير تجز عشرات الرقاب بل المئات يومياً ولا يرف لكم جفن أو يرتعش لكم فؤاد أو يحمر لكم وجه.. وتنظرون بلا مبالاة وكأن الذي يقتل قطعان من الديدان أو أسراب من الحشرات.. لا ينطق فمكم ببنت شفة كالبكم وكأن لسانكم أكلته القططة.. أين أنتم يا مشايخ بلاد الشام؟ أين صراخكم على المنابر اين عويلكم في القاعات والمؤتمرات؟ كم نادى بعضكم على المنابر واشتد صوته واحمر وجهه وكأنه منذر جيش، لأن سفيهاً نزع الحجاب عن رأس مسلمة، ولا نراه اليوم يتمعر وجهه أمام ما يسفك من دماء وتزهق من أرواح في سورية المكلومة، وكأن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إن هدم الكعبة حجر حجر عند الله أهون من قتل رجل مسلم” لم يمر عليكم أو تقرأه عيونكم أو تسمعه آذانكم، وقد أزهق طاغية الشام أكثر من أحد عشر ألف روح، وأحرق المئات وهم أحياء، وانتهك أعراض الحرائر، ومثل بالأحياء والأموات، وهدم المساجد وانتهكت كلابه الضالة حرماتها.. ماذا حل بكم.. هل نذرتم لله صوما وأن لا تكلموا بشرا.. أم أن الخوف استفحل في قلوبكم.. ألم تروا ماذا حل في أهلنا.. ألم تسمعوا عن الأطفال والأمهات التي تذبح، أما تشاهدون المجازر الجماعية التي ارتكبت في اللطامنة وتفتناز وحزانو وحريتان وعندان وقبلها ومعها في جميع أنحاء المدن والبلدات والقرى في طول البلاد وعرضها!!.
لقد تكالبت أمم على شعب سورية تريد استئصاله عن بكرة أبيه، متنادية لتنزع فروة رأسه وتلوك بأسنانها قطع لحمه.. غربان بعمائمها السوداء تنعق على مدار الساعة من قم والضاحية الجنوبية والكوفة تستصرخ بكل الحقد الدفين القتلة من كل حدب وصوب لتجهزهم وتدفع بهم لقتل أطفالنا وشيوخنا ونسائنا وهتك أعراض حرائرنا، وأنتم يا مشايخ الشام لا تزالون سادرون في خنوعكم وذلكم وجبنكم وخوركم تخذّلون الناس من حولكم عن نصرة إخوانهم ودعمهم في ثورتهم وانتفاضتهم، لانتزاع الحرية التي صادرها حكام دمشق البغاة منذ ما يقرب من نصف قرن، وقد استمرأتم الذل والعبودية وحلم دوام السلامة الذي لن يتوفر لكم في قابل الأيام، لأنكم عاجلاً أو آجلاً سيجرّعكم هؤلاء الطغاة من نفس الكأس التي أجرعها لمن كان قبلكم بعد أن يستنفذ كل خدماتكم، فهذا حال كل الطغاة مع خون الأمم المقهورة وعبيدها، ولعل ما فعله أبرهة برغال العرب وما فعله هولاكو بابن العلقمي البغدادي خير مثال على النهاية السوداء للخون والعبيد!!