فعاليّة التعليم ، بقلم : د. محمود حسين
من المعروف ان مصطلح فعاليّة التعليم يقصد به: المستوى الذي يبين مدى تحقيق أهداف النظام التعليمي بنجاح.
ومن المعروف أيضا ان أهداف النظام التعليمي متعددة الجوانب، فكيف نقيسها من خلال معيار واحد؟
يُعتبر معيار التحصيل من أكثر المعايير شيوعًا، حيث يركز على مدى استيعاب الطلاب للمعلومات. وبناءً على ذلك، تتمثل مهمة المعلم في تصميم عملية التعليم وتوفير الظروف المناسبة التي تساعد المتعلمين على اكتساب المهارات والخبرات والمعرفة. وتعتمد فعالية التعلم على نتائج التحصيل الدراسي.
يعتبر هذا المعيار ذا أهمية كبيرة في تقييم مدى استيعاب المتعلمين للخبرات الاجتماعية التاريخية التي تتجلى في المعلومات. ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن عملية الاستيعاب لا تحدث بشكل تلقائي، بل تتطلب نشاطًا معرفيًا معقدًا يعتمد في جوهره على عمليات عقلية منظمة. وقد يؤدي الاعتماد فقط على تقييم هذه العملية من خلال إجابات الطلاب الشفوية والكتابية إلى حرمان المعلم من تحليل سير العملية وآلية حدوثها، نظرًا للتركيز على السلوك الظاهر فقط.
تشكل النقاط التي تم ذكرها سابقًا حافزًا للبحث عن معايير إضافية قد تسهم في إصدار أحكام لا تقتصر على النتائج فقط، بل تشمل أيضًا آلية الوصول إليها. ويرتبط إعداد مثل هذه المعايير ارتباطًا وثيقًا بفهم طبيعة عملية الاستيعاب من الناحية النفسية، حيث يُنظر إليها كتفاعل بين المعلم والمتعلم، والذي يتجلى في كونهما عنصرين يتبادلان النشاط.
يعتبر المتعلم هو محور العملية التعليمية، وليس مجرد موضوع لها. فهو لا يقتصر على اتباع تعليمات المعلم، بل يقوم بتكييفها داخليًا ويتفاعل مع المعلومات المقدمة له. حيث يستوعبها بفاعلية ويستخدمها بشكل عملي يتناسب مع خبراته الشخصية ومستوى تطوره العقلي. فالمعلومات التي يتم استيعابها تمثل مزيجًا فريدًا من الخبرات الاجتماعية والفردية، ولا تصبح ملكًا خاصًا للمتعلم إلا بعد أن يدركها ويعالجها ويستخدمها بشكل متتابع، مما يضمن فعالية النشاط التعليمي.
يمكن القول إنه لا يمكن فهم محتوى الاستيعاب دون إدراك آليته وتوجيهها بشكل صحيح. فهناك حقائق معروفة في علم النفس تشير إلى عدم التوافق بين كمية المعلومات المعروضة وكمية المعلومات التي يتم استيعابها فعليًا، مما يتطلب تنظيمًا خاصًا للنظام العقلي لتجاوز هذه الحالة من التناقض.
من المعروف ان الخبراء والتربويين يركزون عادة على عملية اختيار المحتوى وترتيبه منطقيا وطريقة عرضه.
وتجدر الاشارة الى انه مهما تمت صياغة المحتوى بدقة فانه لا يمكن للمحتوى ذاته ضمان فاعلية الاستيعاب لذلك تكتسب عملية اختيار النشاط التعلمي وتنظيمه اهمية خاصة.
من الضروري عند مناقشة معايير فاعلية التعلم أن نركز على أساليب تنظيم الاستيعاب، ونسلط الضوء على الأفعال العقلية التي تسهم في تحقيقه. ومن المهم أن نلاحظ أنه ليس من الضروري تحليل طبيعة المعلومات المستوعبة بقدر ما يجب أن نعرف كيفية استيعابها. فجوهر النشاط المعرفي الذي يضمن نجاح هذه العملية والشروط المثلى اللازمة لذلك هو الأهم.
من المهم أن نفهم الاستيعاب كعملية هادفة وليست مجرد اكتساب عفوي للمعلومات والمهارات والخبرات. يتطلب الاستيعاب نشاطًا معرفيًا منظمًا من قبل المتعلمين، مما يستدعي توجيه هذه العملية من خلال تطوير مهارات التأثير على خصائصهم العقلية. لذا، لا يمكننا تنظيم العملية التعليمية اليومية أو تقييم مدى استيعاب المتعلمين للمعلومات دون فهم طبيعة النشاط الفعلي والقوانين التي تضمن تحقيق الاستيعاب.
وكما ذكرنا اعلاه فانه مهما تمت مراعاة الدقة في اختيار المحتوى وطرائق تنظيمه وعرضه فان ذلك لا يكفي لضمان فاعلية الاستيعاب لذلك لابد من اكتشاف شروطه الداخلية، أي النشاط التعليمي الحقيقي الذي يساعد في تحقيقه.
من المعروف أن جهود المعلم تركز عادة على تنظيم المادة التعليمية من حيث حجمها وتفاصيلها، بالإضافة إلى عرضها بشكل منطقي واختيار الأساليب والأنشطة التعليمية المناسبة وطرق التقييم. ومع ذلك، فإن ذلك لا يكفي، لأنه يعكس فاعلية الاستيعاب بشكل سطحي. لذا، يصبح من الضروري تحديد أساليب الاستيعاب، أي مضامين نشاط الطلاب التعليمي، حيث يصعب تحديد آلية حدوث الاستيعاب وقياس الفاعلية إذا لم يتم تحديد مبادئ عرض المعلومات بناءً على محتواها المنطقي والعلمي وشروط استيعابها.
إذا افترضنا أن الفاعلية تقاس من خلال نتائج التحصيل العامة التي تعكس مستوى معلومات المتعلمين، فإنه يمكن تحقيق النتائج نفسها من خلال مستويات مختلفة من النشاط المعرفي للطلاب. قد يتم ذلك عبر استخدام أساليب النشاط التذكري، حيث يركز الطلاب على تذكر نصوص الكتاب المدرسي واسترجاعها، بالإضافة إلى استخدام الأساليب المعروفة في حل الواجبات بشكل متكرر. بمعنى آخر، يتجه النشاط المعرفي للطلاب نحو استرجاع النماذج التي قدمها المعلم أو الموجودة في الكتاب المدرسي.
ومع ذلك، يمكن تحقيق النتائج نفسها بطرق مختلفة تمامًا، وذلك عندما يتم تهيئة الظروف المناسبة التي تساعد الطلاب ليس فقط على تذكر المعلومات الجاهزة وأساليب استرجاعها المعروفة، بل أيضًا على اكتسابها بشكل ذاتي واستخدام المعلومات المكتسبة في حل مشكلات جديدة. وهذا يعني تعزيز النشاط الإبداعي بدلاً من الاقتصار على النشاط التذكري فقط.
لو اجرينا مقارنة بسيطة بين الاسلوبين المذكورين آنفا فانه لا يمكن القول إن الفاعلية تجسدت في الاسلوب الثاني فقط، بل في الاسلوب الاول ايضا لأن المتعلم قام بإنجاز الواجبات المطلوبة فقد قرأ الكتاب المدرسي واجاب عن الاسئلة المطروحة من قبل المدرس اي انه استوعب المادة المعروضة عليه بفاعلية ويعزى الفرق بين الاسلوبين الى طبيعة النشاط العقلي.
تجدر الاشارة الى انه لا يمكن تطوير النشاط الطلابي المعرفي استنادا الى مؤشرات ظاهرية عدد الأيدي المرفوعة، عدد التمرينات المنجزة، الخ بل من خلال ابراز محتوى النشاط العقلي اي يحتاج ذلك الى تعرف مستويات الافعال العقلية التي يستخدمها المتعلم بهدف استيعاب المادة.
ومما سبق نستطيع القول انه يمكن استيعاب المحتوى بأساليب مختلفة ويرتبط اختيار هذا الاسلوب او ذاك بشروط عديدة منها: أهداف الدرس وطبيعة المحتوى ودرجة جاهزية الطلاب.
حيث انه كما سبق وأشرنا يمكن استيعاب المادة الدرسية عن طريق التذكر والاسترجاع في بعض الحالات وعن طريق تنظيم نشاط الطلاب البحثي الهادف الى اكتساب العمليات المنطقية واساليب الافعال العقلية اضافة الى المعلومات الجديدة، يمكن للمدرس، أثناء تحضيره للدروس، أن يحدد مستوى النشاط العقلي الضروري لعملية الاستيعاب، بالإضافة إلى الأساليب التنظيمية المناسبة، وذلك من خلال تحليل المحتوى وترتيبه بشكل منطقي، فضلاً عن الشروط التي تسهم في تسهيل استيعابه. ومن المهم أيضًا الربط بين الفاعلية والكفاية، حيث يبذل المعلم جهودًا كبيرة في كثير من الأحيان لضمان استيعاب الطلاب، من خلال اختيار أساليب تدريس تحفز نشاط المتعلم وتزيد من انتباهه. لذا، يستخدم المعلم أساليب شرح متنوعة ووسائل تعليمية مختلفة، وينظم العمل الجماعي بأشكاله المتعددة. ومع ذلك، قد لا تكون الفاعلية هنا مرتفعة بما يتناسب مع الجهد المبذول، رغم أهمية ذلك في تعزيز النشاط المعرفي للطالب.