عندما سرقت الحرب أحلام الطفولة: أطفال غزة بين الدمار والحرمان، بقلم : هنادي طلال الدنف
كان من المفترض أن يرن جرس المدرسة هذا الصباح، لتعلو ضحكات الأطفال وهم يهرعون إلى مدارسهم. صوت العصافير كان يجب أن يتناغم مع خطواتهم المتحمسة، وكأنهم يحتفلون بعيد العودة للمدرسة. اليوم الأول من العام الدراسي هو يوم خاص ومليء بالتفاصيل التي ينتظرها الأطفال بشغف؛ يرتدون ملابسهم المدرسية الجديدة، يتهيأون لرؤية أصدقائهم الذين افتقدوهم خلال العطلة الصيفية، ويتساءلون بفرح: “هل سأكون مع صديقي في نفس الصف؟”.
في هذا اليوم، يمتلئ الفناء المدرسي بالضحكات والدموع على حد سواء. الفتيات يبكين إذا لم يجدن أسمائهن بجوار أسماء صديقاتهن، والأولاد يتفاخرون بمصروفهم الذي يكون في هذا اليوم أعلى من المعتاد. داخل “اللانش بوكس” المعد بعناية، توجد وجبات خاصة مليئة بالحب، وقد أعدتها الأمهات لتكون جزءًا من ذكريات أطفالهن عن هذا اليوم المميز. وحتى الفسحة الأولى بين الحصص تمثل لقاءً حميميًا بين الأصدقاء الذين يشاركون القصص والتجارب التي مروا بها خلال الصيف.
لكن، في غزة، هذا اليوم لم يأتِ. أطفال غزة حُرموا من أبسط حقوقهم في التعليم والأمان. استيقظوا اليوم على أصوات القصف والانفجارات، وليس على صوت العصافير أو ضجيج الأصدقاء. مدارسهم دُمرت، وبيوتهم تهدمت، ومستقبلهم معلق في مهب الريح. الحرب سرقت منهم فرحتهم وأحلامهم، كما سرقت منهم فرصة العيش بسلام.
تلك اللحظات البسيطة التي يتذكرها الأطفال في جميع أنحاء العالم عن أول يوم دراسي، أصبحت مجرد حلم بعيد المنال لأطفال غزة. لم يعد بإمكانهم البحث عن أسمائهم على أبواب الفصول، أو لقاء أصدقائهم بفرح، أو حتى الشعور بأمان الحصص والأنشطة المدرسية. بدلاً من ذلك، يعيشون حالة من الخوف والحرمان، محرومين من التعليم، من الأمان، ومن حقوق الطفولة البسيطة التي كان يجب أن تكون حقاً طبيعياً لهم.
في غزة، اليوم الأول من المدرسة لم يعد يومًا عادياً. بل أصبح رمزًا للمعاناة والحرمان. هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد أرقام في نشرات الأخبار، بل هم ضحايا حرب لا ذنب لهم فيها، يدفعون ثمن صراعات لا يفهمون أسبابها. لقد تحولت أحلامهم المدرسية إلى كابوس مرعب يتكرر يوميًا، وحقوقهم الطبيعية باتت في مهب الرياح.
من حق أطفال غزة أن يعيشوا طفولتهم بسلام، وأن يعودوا إلى مدارسهم بأمان. علينا كمجتمع عالمي أن نتحرك، أن ندعم حقوقهم في التعليم والأمان، وأن نعمل على إعادة بناء حياتهم التي دمرتها الحرب. أطفال غزة يستحقون أن ينعموا بالسلام والفرح، ويستحقون أن تعود إليهم أحلامهم التي سلبتها الحرب.
- – هنادي طلال الدنف – اخصائية نفسية – غزة – فلسطين