غزة تصرخ، والأصوات تتلاشى في صمت العالم، بقلم : هديل ياسين
في غزة، حيث الأرض تختلط بالدماء والهواء يُعبق بالدموع، يتداخل الضوء والظلام كرقصة أبدية بين الحياة والموت. في هذه البقعة الصغيرة المحاصرة، تُختزل الإنسانية في وجوه الأطفال الذين يرسمون أحلامهم على جدران المنازل المدمّرة، ويتردد صدى الأمل كضوء شاحب في نهاية نفق طويل.
غزة تصرخ، والألم ينساب من بين أنقاض المدينة كأنها دماء منسية على أرض ممزقة. في قلب العتمة، حيث الهمسات تذوب في صمت الكون، تظل صرخات غزة تتردد، كأنها صدى موجع لا ينقطع. بين أزقة المدينة التي تحمل قصص الشهداء وأحلام الأطفال المكسورة، يرتفع الصوت، يعانق السماء، لكنه ينكسر على أبواب العزلة الدولية. غزة تعيش اللحظة بمرارتها، وأصواتها تسقط في سكون مطبق، كأن العالم اختار عمداً أن يتجاهل صرخاتها.
تتجسد معاناة غزة في صرخات صغيرة وأحلام مهزومة، تخرج من قلوب مليئة بالأمل والصبر. تُعانق الأرض الجريحة صرخات الأطفال الذين لا يزالون يرسمون البسمة رغم الجراح، ويعانق الأمهات الألم برضا وثبات. كل صرخة في غزة هي جزء من أنين متواصل، يتردد في صمت العالم الذي لا يكترث. جراح المدينة تُروى بدماء الشهداء، وأصوات الإستغاثة تتلاشى بين صفحات تقارير إعلامية ملطخة بالبرود.
كل يوم، تصرخ غزة من عمق معاناتها، بينما تطغى الضوضاء السياسية والإقتصادية على نداءات الحق. تتداخل الأصوات، وتظل صرخات غزة تتناثر كأنها رعد في سماء عاتية. في كل زقاق وشارع، تتعالى الأوجاع، وتبقى النداءات في صراع مع صمت العالم المطبق. غزة تسعى لأن يسمع العالم صرخاتها، لكنها تجد نفسها محاصرة في قفص من السكون، محاطة بجدران من النسيان.
الأطفال في غزة يشكلون صورة الأمل والمستقبل، يحملون الحلم في عيونهم البريئة رغم قسوة الظروف. يتغلبون على الدمار، ويصنعون من الحطام لحظات فرح قصيرة. يحاولون أن يرسوا سفن الأمل في أمواج الحصار والعزلة، ويتوقون ليوم يرفعون فيه رؤوسهم عالياً. يتجلى صمودهم في براءتهم، ويتحول الأمل إلى قوة تدفعهم للإستمرار رغم كل شيء.
تتجسد صرخات غزة في قصص أمهات فقدن الأحبة، وفي أصوات الآباء الذين يسعون للحفاظ على كرامتهم في وجه المحن. يتكئ أهل غزة على صبرهم، ويحافظون على ثباتهم في عالم يغمض عينيه عن معاناتهم. مع كل صرخة، تتجسد الروح القتالية للمدينة، وتُعاد صياغة الأمل بدماء الشهداء وعزيمة الأحياء. غزة، إذ تعاني، تبقى صامدة، تكتب بقوة الإرادة قصة صمود لا تُنسى.
تبحث غزة في صرخاتها عن أذن صاغية، وعن قلب ينبض بالإنسانية. ورغم صرخات الإستغاثة التي تعلو في الهواء، تظل صرخات غزة تتلاشى في صمت العالم الذي اختار أن يغلق أبوابه. تتجسد معاناتها في الصرخات المكسورة التي تتناثر في الرياح، وتبقى صرخات غزة تُذكرنا بأن الألم لا يزال موجوداً، وأن النداء للحق لا يزال قائماً.
وفي ختام الليل، تبحث غزة عن فجر جديد، عن أمل في عالم يعتصره الصمت. تصرخ المدينة، لكن صرخاتها تحمل الأمل في كل زفرة، وفي كل همسة. غزة تعلن للعالم أنها لم تُنسَ، وأنها ستظل تناضل وتصرخ حتى يستجيب الكون لندائها. في كل صرخة، في كل دمعة، تذكر غزة أن الأمل لا يموت، وأن الحقيقة ستظل حية مهما حاول العالم تجاهلها.
غزة، إذ تعانق الآمال وتستقبل الخيبات، تبقى صرخاتها رمزاً للمقاومة والصمود. تنبض الأرض بالوعد والألم، وتظل المدينة تنبض بالحياة في قلب الدمار. رغم أن صرخاتها تتلاشى في صمت العالم، فإن الإصرار على البقاء يظل أقوى من كل محاولات النسيان. غزة ترسم بدماء شهدائها وصبرها لوحة أمل لا تمحى، تصرخ في وجه الظلم وتُصمم على أن تبقى علامة فارقة في الذاكرة الجماعية للإنسانية.
تظل غزة حية، تستمر في صرخاتها رغم السكون الذي يحيط بها. تعلن للعالم أن الألم ليس بديلاً عن الأمل، وأن صرخات الحقيقة ستبقى تطارد الضمير العالمي حتى يفيق. غزة تذكرنا بأن في كل صرخة هناك شجاعة، وفي كل همسة هناك تضحية، وأن الحياة تستمر رغم كل الصعوبات. المدينة التي لا تزال تصرخ تعيد كتابة أسطورة الصمود، وتثبت أن القوة لا تكمن في الصمت، بل في القدرة على الاستمرار رغم كل المحن.
كل صرخة في غزة، كل نداء صادق، يحمل في طياته دروساً عن الصبر والإرادة. يعلمنا أن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها، وأن الأمل هو الشعاع الذي ينير طريق الحرية. غزة، بصمودها، تعيد صياغة معنى الكرامة والإنسانية، وتؤكد أن الصرخات لن تتلاشى بل ستظل تتردد في آذان الأجيال القادمة، تذكيراً بأن المعاناة لم تذهب سدى، وأن الصراع من أجل العدالة سيظل مستمراً.
تظل غزة صرخة في وجه العالم، صرخة تختلط بأمواج البحر وتُحمل مع الرياح إلى كل مكان، لكنها تظل بلا إجابة. هنا، في هذا المكان الصغير، يختبر الإنسان كل معاني الفقد والصمود، وتُعيد الأرض سرد قصص العزيمة والكرامة كل يوم.
ربما يحتاج العالم إلى أن ينظر بعيني غزة، ليعلم أن السلام لا يأتي بالتوازنات، وأن الحق لا يوزن بموازين القوة. وحتى ذلك الحين، ستظل غزة تكافح لتبقى، لتروي حكايتها للأجيال القادمة، حتى وإن حاولت السياسة أن تطمس الحقيقة بأوهامها.