في اليوم العالمي لدعم التعليم، الحاجة الى بلورة رؤى لدعم النظام التربوي التعليمي الفلسطيني، بقلم : د. غسان عبد الله
مقال بمناسبة يوم 9 سبتمبر اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات
يصادف يوم الاثنين القادم 9/9 اليوم العالمي لدعم التعليم نشاهد تفاقم التحديات أمام رسالة التربية والتعليم المنشودة ، خاصة في مدينة القدس، نظرا لخصوصية الوضع الذي تعيشه المدينة بشكل عام وأضلاع العملية التربوية التعليمية الثلاث ( معلم ،طالب وولي أمر ) بشكل خاص.
حيث أنه يتوجب دوما الاقرار بأن التعليم كان وسيبقى قضية نضالية و مجال ابداع ، وحيث حتمية دوام الاصغاء للأصوات المطالبة بضرورة التغير من أجل احداث تطور نوعي في هذه التعليم الفلسطيني وبكل جوانبه ومكوناته ،تجيء هذه الرؤية الاجتهادية، بهدف البحث عن مدخل لجعل النظام التربوي التعليم المعمول به في مدارسنا ، ليس فقط يستجيب للاحتياجات ،بل ويتجاوز العوائق العديدة، بعضها ناجم عن الواقع السياسي البائس والبعض الاّخر بسبب القصور الذاتي وممارسات البعض من التربويين ، بغض النظر عن المستوى التعليمي ، لذا تتسم هذه الرؤيا باختراق بعض المحرمات في التفكير والاجتهاد ، وذلك لقناعة الكاتب بأن التعليم الرديء أسوأ من الأمية ،كونه يقوم على تعزيز الوهم بالقدرة والانجاز وهو فعليا عاجز تماما بدليل أن مخرجاته أضحت عبئا على محاولات التنمية المستدام المنشودة ( للمزيد راجع : مخرجات التعليم الجامعي بين البطالة وفرص العمل المتاحة ، مركز الدراسات والتطبيقات التربوية ،2023).
عدنا الى أحدى الكوارث التربوية التعليمية القديمة ، والتي تتمثل في اعداد المعلم / المحاضر دوسية- كتاب والزام الطلبة بشراءه ليكون المقرّر الرئيس، حتى في بعض أعلى المستويات التربوية التعليمية( برنامج دكتوراه) . أين هذا من متطلبات تأمين مناخ التعددية وحريتي التفكير والتعبير!!!
يواكب عودة هذه الحالة المقيتة ، ميل بعض هؤلاء الى تغذية مشاعر الحقد والاقصاء والكراهية ، بدلا من تعزيز عرى المحبة و المودة والالتقاء على قاسم مشترك من خلال تعزيز قيم تقبل الاّخر والتعاون والشراكة المسؤولة على طريق استنهاض وانماء منسوب القيم والأخلاق المتطلب الأساس لإرساء نظام تربوي تعليمي قادر على تخطي العقبات !!
يتأتى كل هذا جرّاء غياب رؤية وبصيرة عملية، تستجيب لمتطلبات اداء الرسالة التربوية الحلم ،على أكمل وجه ،
في ظل المعوقات والتحديات الأساسية ، ولدعم نظامنا التعليمي ، بالفعل والعمل الجاد، بعيدا عن الشعارات الطنانة الرنانة والتي في معظمها ما ها هي الا استجابة لرؤية وأهداف المموّل الأجنبي، نقترح هنا :
اعتماد هدفا أساسيا، لهذا العام الدراسي،
- تعمل جميع المؤسسات التربوية التعليمة ، يوأزرها الطاقات والرؤى التربوية المتنوعة ، على تعزيز وتذويت القيم التربوية السمحة ( محبة ، تعاون، شراكة مسؤولة ، حريتي التفكير والتعبير معا)،لمجابهة مشاعر الحقد والكراهية ونهج اقصاء الاّخر
⦁ العمل على ضرورة تعزيز دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية المستندة على تلك القيم المذكورة اعلاه، وتشجيع كل فرص التعلم من الأقران من خلال تفعيل دور الأحياء السكنية ( الحوش)، موظفين ضرورة تعصير/ عصرنة التراث والأدب الشعبي ، الأمر الذ يتطلب اخراط كل الفئات العمرية ( جدّ/جدّة، أب/ أم، أخ/ اخت أكبر) والمستويات العلمية المتوفرة
⦁ تشجيع المبادرات الشخصيّة والجماعية ،كما حصل خلال انتفاضة 1987 من تعليم شعبي ، وما يجري الاّن من مبادرات في المحافظات الجنوبية ( مدارس الخيام ومبادرة ماّثر الخير …..)، موظفين لذلك طاقتنا العملية المتوفرة فعليا ، ودون استعراض عضلات وتباهي أو الاعتماد على الدعم المالي الاّتي من مصادر ذات أهداف متناقضة على أرض الواقع .
⦁ التفكير بضرورة الانعتاق من المفهموم التقليدي للمدرسة ودورها . نستذكر هنا قول المربي الكبير خليل السكاكيني ” الى أين أنت ذاهب يا بني؟ الى المدرسة .ماذا تتعلم فيها؟ القراءة والحساب ودروسا أخرى” . للمزيد راجع (سلسلة أعلام التربية في فلسطين من 1850 – 2022م، مركز الدراسات والتطبيقات التربوية ).
بهذا نكون قد أرسينا أعمدة صلبة لدعم التعليم مع الحفاظ على تنشيط دور القيم ، ونكون قادرين على تجفيف منابت التراجع في العملية التربوية التعليمية واجتثاث حاضنات الجراثيم المانعة للتطور المنشود، حينها سنرى على الصعيد الكمي انخفاضا ملموسا في حالات ونسب التسرب والتسيب من المدارس وكذلك الحال تنامي نسبة البطالة وسط الخريجين من الجامعات ، وحالات العزوف عن الميل الى مواصلة التعليم المدرسي والجامعي ، مع ضرورة انصاف المعلم ماديا ومعنويا، فبدون ذلك ، ندفع به/بها الى أن يكون من المطففّين في العطاء ، نظرا لانشغاله في ايجاد حالة استقرار معيشي له ولأسرته.
⦁ عملت،ولا تزال تعمل السلطة القائمة بالقوة ، على دمج التعليم الفلسطيني بنظام التعليم الاسرائيلي عبر أساليب عديدة مثل : الحد من استنهاض التعليم المهني في القدس المحتلة ( مدرسة لجنة اليتيم العربي الاّيلة الى التلاشي، عدم النهوض ذاتيا بكلية الأمة المقدسيّة، وهناك تقولات عن بدء انتشار فيروس التراجع والاغلاق الى مدارس أخرى مثل دار الطفل العربي، دار الأولاد ، مار متري ، سبق كل ذلك الاذعان للقرار الاسرائيلي بنقل مكتب التربية والتعليم من البلدة القديمة في القدس ، وقبلها اغلاق القسم المهني في المدرسة اللوثرية مقابل كنيسة القيامة .
⦁ ان عدم توفر البيئة التعليمية الاّمنة والتي من شأنها المساهمة في انجاز تنفيذ مهمة دعم التعليم في وطننا الحبيب ، تردي مواصفات البيئة التعليمية ( مدارس ، مثالا ، والتي يدار معظمها بموجب معادلة الربح والخسارة المادية ،دون تبني رؤى تربوية نافذة ، يكون فيها لثقافة الصحة النفسيّة قسطا كبيرا.
⦁ من التحديات الرئيسة التي يواجهها نظام التعليم في القدس ، تعدد المرجعيات وبالتالي اختلاط الرؤى والأهداف ، ناهيك عن تفاقم نسبة البطالة وسط الخريجين / الخريجات ، كما هو الحال بالنسبة الى أولياء الأمور ، مما يؤددي الى تدني الدافعية لدى الطالب حيال التحصيل الأكاديمي، وما يواكب ذلك من اضطرابات سلوكية وضغوطات سيكولوجية الناجمة عن الأوضاع السياسية ( المقتلة الدائرة رحاها اليوم) والاقتصادية والاجتماعية المتردية في القدس .
نحن بحاجة الى بلورة رؤية تربوية، خاصة بالقدس ، تستجيب لمتطلبات العمل الجدي والمدروس لمواجهة انحسار القيم والأخلاق وتعزيز واعادة بناء ذات اليافع الطالب الفلسطيني ، خاصة في القدس ،عن طريق رفع منسوب قيم التعاون والتضامن والاعتماد على الذات للخروج من أزمة غياب ملامح الهوية الوطنية المنشودة للتعليم في القدس.
⦁ ولن يغيب عن بالنا الحاجة الماسّة الى اعادة التفكير بالنظام التقليدي لسير العملية التعليمية ونظام التقييم المتبع ، فنحن بحاجة الى أعتماد نظام يعزّز قيم التطوع والشراكة المسؤولة ، وكذلك تعزيز فرص التعليم المهني .
نعم لتضافر الجهود من أجل دعم نظام التربية والتعليم ، الرسميّة منها والأهلية ، بعيدا عن المناكفات الفئوية وشخصنة القضايا التربوية التعليمية مع ضرورة العمل على الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة بعيدا عن أسلوب النسخ والمطالبة بالتبني والتطبيق .
- – الدكتور غسان عبد الله – مدير مركز الدراسات والتطبيقات التربوية CARE