6:38 مساءً / 16 سبتمبر، 2024
آخر الاخبار

التفكير النقدي في العصر الرقمي: كيف نفرق بين الحقيقة والخيال؟ بقلم: زبيدة صبحي سلمان

التفكير النقدي في العصر الرقمي: كيف نفرق بين الحقيقة والخيال؟ بقلم: زبيدة صبحي سلمان

التفكير النقدي في العصر الرقمي: كيف نفرق بين الحقيقة والخيال؟ بقلم: زبيدة صبحي سلمان

قبل فترة وجيزة، بدأت أشعر بضيق في التنفس بشكل متكرر، مما جعلني قلقة بشأن صحتي. كانت هذه المشكلة تؤثر على حياتي اليومية بشكل كبير، فقررت أن أبحث عن أسباب محتملة لضيق التنفس وحلول لها. وفي طريقي للبحث وجدت مقالًا على موقع طبي معروف يربط ضيق التنفس بأسباب متعددة مثل الحساسية والربو وأمراض القلب وأمراض الرئة. المقال كان يحتوي على معلومات طبية معتمدة، مدعومة بمراجع من دراسات طبية.

وفي الوقت ذاته، صادفت عدة مقالات على مواقع أخرى تدعي أن ضيق التنفس يمكن علاجه بسهولة عن طريق بعض العلاجات الطبيعية مثل شرب أنواع معينة من الأعشاب والتي جربت الكثير منها. في الحقيقة لم أجد دعمًا علميًا قويًا للعلاجات الطبيعية التي تم الترويج لها في المقالات غير الموثوقة. رغم أني كنت ميالة لتصديق أن العلاجات الطبيعية قد تكون حلاً سريعاً لمشكلتي لأنني كنت أبحث عن خيارات بسيطة وسهلة. أدركت أن هذا التحيز قد يؤثر على قراراتي وقد لا يكون الحل الأنسب.


في هذا العصر الرقمي المتسارع، نجد أنفسنا محاطين ببحرٍ من المعلومات المتدفقة إلينا من كل حدب وصوب. فلم يعد الوصول إلى المعلومة حكراً على أحد، بل أصبح متاحاً للجميع، وبكبسة زر واحدة يمكن لأي شخص أن يغوص في أعماق هذا البحر. لكن ليست كل المياه صالحة للشرب، فهناك مياه مالحة، وأخرى ملوثة. وهنا يتجلى دور التفكير النقدي الذي يمكننا من استخدام المنطق وقوة التحليل لتحري الحقيقة، والوصول إلى المعلومات الدقيقة.


التفكير النقدي هو التفكير بالمنطق العقلاني وقدرة العقل على تحليل المواقف والمشكلات بشكل جيد وربط المعطيات بعضها ببعض بشكل متسلسل لإيصال فكرة معينة. وهو ليس مجرد أداة لتحليل المعلومات، بل هو فن من فنون الحياة. هو القدرة على التوقف والتأمل، على التساؤل والبحث، على الشك فيما يُقال حتى نتأكد من صحته. وهو أشبه بالدرع الذي يحمي عقولنا من التأثر السلبي بالمعلومات المغلوطة. خاصة في العصر الرقمي، إذ يمكن للمعلومات الكاذبة المتداولة أن تتحول إلى حقائق وتصبح مقنعة.


خطوات تطوير التفكير النقدي


لكي نُبحر بسلام في هذا العالم المليء بالمعلومات، يجب أن نتعلم كيف نستخدم التفكير النقدي، ولعل أول خطوة في هذا الطريق هي التساؤل عن المصدر. إذا كان مصدر المعلومات جدير بالثقة. وأنها مدعومة بالأدلة، وتمت مراجعتها من قبل الخبراء وأصحاب الاختصاص. ثم يأتي دور تحليل المحتوى والبحث وراء الكلمات. هل هذه المعلومات تقدم لنا حقيقة صافية أم أنها محاطة بضبابية الرأي الشخصي والتحيز. وبعد ذلك، يجب أن نبحث عن التأكيد، هل هناك مصادر أخرى تؤكد ما قرأناه؟ أم أن هذه المعلومات تقف وحيدة، غير مدعومة بأي دليل؟ فضلا عن ذلك، يجب أن نكون واعين للتحيزات الشخصية التي قد تشوش رؤيتنا.

فكل منا يحمل في داخله مجموعة من المعتقدات والتصورات التي قد تؤثر على حكمنا على الأمور. لذا علينا أن نتعلم كيف ننظر إلى الأشياء بعيون بعيدة عن التحيزات الشخصية، وعقول متحررة تفكر خارج الإطار المرسوم لها، إذ يستكشف الشخص حلولاً مبتكرًة وغير تقليديةٍ للتحديات اليومية.  هذه القدرة لا تقتصر على تحفيز الإبداع والتفكير خارج الصندوق فحسب، بل تجنبنا أيضاً الجمود الفكري وتؤهلنا لاتخاذ قراراتٍ أفضل وأكثر فاعلية.


دور المدارس في تعزيز التفكير النقدي


المدارس هي المكان الذي يجب أن تبدأ فيه هذه الخطوة نحو طريق التفكير النقدي. يُعرف التفكير النقدي في السياق التعليمي بأنه نهجٌ يتجاوز الطرق التقليدية كالحفظ وإعادة استرجاع المعلومات، إلى التركيز على تنمية قدرة المتعلّم على التحليل العميق وتقييم الأفكار واستخلاص النتائج. وينطوي هذا المفهوم على استخدام مهاراتٍ متعددةٍ مثل التأمل الذهني، حل المشكلات واتخاذ القرارات، وذلك لتحليل واستيعاب المفاهيم المعقدة وتوظيفها في التعامل مع تحديات الحياة العملية اليومية.


ويمكن للمعلمين أن يرشدوا طلابهم ويزرعوا في نفوسهم حب التساؤل والبحث، وأن يعلموهم كيفية استخدام التفكير النقدي كأداة لفهم العالم من حولهم. إن تدريس مهارات التفكير النقدي لا يحتاج للكثير من التخطيط أو مجهودات كبيرة لتلقينه للطلبة، وإنما كل ما نحتاجه هو حث العقول لتكون فضولية وقادرة على استيعاب مختلف المواد التي تساهم في إنتاج شخص مفكر تحليلي ونقدي.


التفكير النقدي هو النور الذي يقودنا إلى بر الأمان. علينا أن نعلم أبناءنا كيفية استخدام عقولهم كفلاتر تنقي المعلومات، وتبحث عن الجوهر الحقيقي في كل ما يقال. فالعقل الناقد هو العقل الحر، وهو القادر على رؤية العالم بوضوح، والتمييز بين ما هو حقيقي وما هو مجرد وما هو وهم.

شاهد أيضاً

الاحتلال يخطر بهدم 37 منزلا ومنشأة تجارية في سلوان

الاحتلال يخطر بهدم 37 منزلا ومنشأة تجارية في سلوان

شفا – أخطرت طواقم بلدية الاحتلال في القدس، اليوم الإثنين، بهدم 37 منزلا ومنشأة تجارية …