جودة التعليم والتنمية الاقتصادية، بقلم : أ. د. ثامر محمود العاني
هناك ارتباط قوي جداً بين جودة التعليم والتنمية الاقتصادية، إذ يعتمد كل منهما على الآخر بدرجة كبيرة، لذا تهتم الدول بمعايير جودة التعليم الذي يساعد في احتلال مناصب في التصنيف الدولي لجودة التعليم، استناداً إلى مؤشر دافوس 2023، إذ إن التصنيف العالمي لجودة التعليم يعتمد على بعض المعايير المهمة التي من دونها يستحيل تحديد الموقع، وهي كالتالي: درجة التطور والتقدم في العمل، واستخدام التقنيات الحديثة في العملية التعليمية، وحجم سوق العمل وتطوره، وجودة تعلم الطالب في المراحل الرئيسية، والصحة العامة للطلاب وملاءمة بيئتهم، والتطوير المستمر ودعم الأعمال المبتكرة، وجودة التدريب الميداني للطلاب داخل الدولة، وفاعلية التعليم الجامعي، ونشر الأفكار الابتكارية والمؤسسات المسؤولة عنها، وأسواق سلع ذات جودة، والبيئة الاقتصادية للدولة ككل، وكفاءة سوق العمل.
إن التنمية الاقتصادية يمكن تعريفها بوصفها «مجموعة من الإجراءات التي يتخذها مجتمع معين، وتؤدي إلى زيادة معدلات النُّمو الاقتصادي استناداً إلى قواه الذاتية، وذلك لضمان تواصل هذا النُّمو واتِّزانه لتلبية حاجيات أفراد المجتمع، وتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية»، كما عُرفت أيضاً بأنها «تقدم المجتمع عن طريق استنباط أساليب جديدة أفضل، ورفع مستويات الإنتاج من خلال إنماء المهارات والطاقات البشرية، وخَلْق تنظيمات أفضل». ويوضح مفهوم التنمية التغيرات التي تحدث في المجتمع بأبعاده الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والفكرية، والتنظيمية.
إن التعليم هو أحد العناصر الأساسية للتنمية، إذ لا يمكن لدولة أن تحقق تنمية اقتصادية مستدامة دون استثمار كبير في رأس المال البشري، حيث يُثري التعليم فهمَ الناس لأنفسهم وللعالم، كونه يحسّن نوعية حياتهم ويؤدي إلى فوائد اجتماعية واسعة للأفراد والمجتمع، ويزيد من إنتاجية الأفراد وإبداعهم، ويعزز ريادة الأعمال والتقدم التكنولوجي.
أصبحت مؤشرات الاقتصاد ليست بالمفهوم التقليدي بمقدرات الدولة التي تعتمد على الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والفوسفات والحديد، بل إن النهضة العلمية أصبحت أبرز المقومات التي تسهم في التنمية الاقتصادية، وقد شكّل التعليم أبرز مقومات التنمية الاقتصادية لأن التكنولوجيا والحداثة هي العناصر الرئيسية للتعليم والتي تدخل كعناصر رئيسية في التطور والنمو الاقتصادي، كما يعد الاستثمار في التعليم أمراً حيوياً لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
استناداً لمؤشر دافوس العالمي هو أحد المؤشرات الإحصائية للمنتدى، والذي يستخدم كمقياس لجودة التعليم في مختلف الدول على المستوى العالمي، إذ ضمن هذا التصنيف يوجد عدد من الدول العربية احتلت مواقع متباينة، حيث يتم ذلك باستخدام هذا المؤشر، إذ يتتبع أفضل ممارسات التدريس الحالية والمعايير الدولية وخطة تطوير المناهج لتتبع تقدم الدول، حيث تعمل كل دولة على توفير بعض الإحصاءات في جميع المجالات المختلفة التي يمكن استخدامها لمعرفة التقدم المحرز في دولة ما في منطقة معينة أو عدة مجالات، حيث تساعد هذه الإحصائيات في توضيح الترتيب الاقتصادي، وعلى الرغم من جودة التعليم في عدد كبير من الدول حول العالم، فإن معظمهم يبحثون عن الدول التي تقدم أفضل الخدمات التعليمية ويهتمون بالدول التي تقع في المراكز العشرة الأولى، فهي الدول الأكثر اعتماداً على التعليم، وهي: أميركا، وبريطانيا، وألمانيا، وكندا، وفرنسا، وسويسرا، واليابان، وأستراليا، والسويد، وهولندا.
وحسب عدد من الإحصائيات التي تم إعدادها لتصنيف جودة التعليم في الوطن العربي من مؤسسات ومنظمات مختلفة، وبعد مقارنة الفرص المتاحة لرصد الدول العربية بمرافق تعليمية خلال عام 2023، فإن معظم الدول العربية طرحت خططاً تعليمية جديدة، بهدف توفير أدوات تعليمية حديثة، حيث احتلت مراكز مختلفة في هذا التصنيف لجودة التعليم، إذ حصلت الإمارات على المركز 27 على مستوى العالم، والسعودية 34، ومصر 38، وقطر 44، والمغرب 56، والأردن 57، وعمان 60، وتونس 66، ولبنان 69، والعراق 77 عالمياً، من 78 دولة في العالم.
في الختام، يرتبط التعليم بمجموعة من المتغيرات الاقتصادية والتي تشكّل عناصر التنمية الاقتصادية والتي تتمثل في مجموعة من العناصر المرتبطة، كعلاقة التعليم بجودة التنمية الاقتصادية والإنتاج الاقتصادي والدخل والصحة والتجارة، إذ يمكن أن يكون للاستثمار في رأس المال البشري تأثير ضئيل على النمو، ما لم يتمكن الناس من استخدام التعليم، حيث تبرز عناصر الربط بين التنمية الاقتصادية والتعليم، بوصف التعليم عاملاً مُيسِّراً للتنمية الاقتصادية، وأنه استثمار في رأس المال البشري، والذي يسفر عن نتائج من شأنها أن تترجَم إلى تحسين ونمو اقتصاد الدولة، وإلى إجراءات ملموسة تؤدي إلى التنمية الاقتصادية.
(*) أ. د. ثامر محمود العاني – مدير إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية – أستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد سابقا