الذكاء الاصطناعي وتحديات الحق في التعليم، بقلم : ثروت زيد الكيلاني
يُعد التعليم ركيزة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة، حيث يسعى المتعلم الفاعل في مجتمعه إلى اكتساب المعرفة من خلال تجميع البيانات الواقعية واستنتاج المبادئ من حقائق معينة. ومع التطورات التكنولوجية المتسارعة، دخلت المنظومة التعليمية بجميع عناصرها في مرحلة يكتنفها الغموض حول مستقبل التعلم في ظل الذكاء الاصطناعي، وما يمتلكه من قدرات على معالجة العديد من التحديات التي تواجه العملية التعليمية. ورغم ما تجلبه هذه التطورات من أخطار في إعداد الطلبة للتعلم بفاعلية والعيش بأمان، فإنها تتجاوز الأطر التنظيمية والخطط الاستراتيجية.
إن التركيز على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم يجب أن يتضمن الإنسان كعنصر أساسي في مجال علم التربية، مع احترام المبادئ الأخلاقية، حيث تعكس هذه التوجهات الحديثة استخدام التكنولوجيا داخل الصفوف الدراسية. تُظهر هذه التقنيات إمكانيات كبيرة في تخصيص خطط دراسية تتناسب مع احتياجات كل طالب، ما قد يُعزز فعالية عملية التعلم. ومع ذلك، يتطلب هذا التوجه تأملًا عميقًا في عدة جوانب مهمة.
أهمية التفاعل الإنساني: يُعتبر التفاعل الإنساني عنصرًا أساسيًا في العملية التعليمية، إذ يمكن أن يؤثر غيابه سلبًا على تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية للطلاب. فالتعليم ليس مجرد نقل للمعرفة، بل هو عملية تفاعلية تتطلب التواصل والتفاعل بين المعلم والطالب. يتطلب تفريد التعليم تلبية الحاجات الفردية لكل طالب، مما يعزز الدوافع الذاتية ويحتاج إلى تدخل إنساني أكبر من الاعتماد على الآلات.
مخاوف الخصوصية وحقوق البيانات: تثير البيانات المتعلقة بأداء الطلاب مخاوف حقوقية تتعلق بالخصوصية، مما يستدعي الحذر في التعامل معها. يجب أن نكون واعين بالعواقب المحتملة لجمع البيانات وتحليلها، وأن نضمن أن هذه العمليات تتم بطريقة تحترم حقوق الطلاب وتحافظ على خصوصيتهم.
التعليم الشامل والمنصف: يجب أن نسعى لتحقيق التعليم الشامل والعادل، مع ضمان الوصول إلى التعليم بحرية وكرامة. في ظل التوجه نحو التعليم باستخدام التكنولوجيا الرقمية، يجب السيطرة على تزويد الخدمات الإلكترونية، خاصة في السياقات التي تعاني من الاحتلال. يُعتبر هذا التحدي معقدًا، حيث يمكن أن تخلق التكاليف المرتبطة بالتكنولوجيا فجوة كبيرة بين المجتمعات، خاصة بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي قد لا تمتلك القدرة على الإنفاق على التعليم الرقمي.
التفكير النقدي والقدرة على التحليل: هناك أيضًا جوانب أخرى تستحق الملاحظة، تتعلق بتعزيز التفكير النقدي والقدرة على التحليل والتأويل، وهي أمور لا يدركها الذكاء الاصطناعي. لذا، من المهم أن نكون واعين بأن ليس كل ما يلمع ذهبًا. التوجهات التعليمية المستوردة قد تعمق الشعور بالدونية لمقدراتنا الثقافية، خاصة أن تلك الأفكار لم تصل إلى درجة التعميم.
صراع الحضارات والضغوط الخارجية: تتعلق هذه الاتجاهات أيضًا بصراع الحضارات، حيث تسعى إلى تحويلات في مظاهر الحياة الاجتماعية في العالم العربي والإسلامي، وليس تحولات تحمل معاني التقدم العلمي والحضاري، حيث تُروّج الدول الصناعية لمنتجاتها بشكل مبالغ فيه، مما يعمق مفهوم المجتمعات الاستهلاكية غير المنتجة، ويؤدي إلى تآكل القيم الثقافية الأصيلة، ويعزز التبعية الاقتصادية والثقافية.
الضغوط على المناهج التعليمية: لقد أصبح واضحًا للمجتمع الفلسطيني أن هناك ضغوطًا تمارسها أوروبا وأمريكا لتغيير المناهج الفلسطينية بما يتماشى مع مطالب الاحتلال. يُشترط توفير الدعم المالي مقابل التعديلات أو إيجاد بدائل لما هو موجود، مما يهدد الهوية الثقافية ويقوض الحق في تعليم منصف وشامل، الأمر الذي يؤكد ضرورة التحرر من التمويل المشروط الذي يتماهى مع ضغوط الاحتلال مقابل الدعم المالي.
خلاصة القول: يجب تعزيز السياسات التي تضمن الوصول المنصف والشامل إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لمصلحة المجتمع. وفي هذا السياق، يجب أن نكون حذرين في تبني التكنولوجيا في التعليم، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على حقوق الطلاب وضمان أن تكون العملية التعليمية شاملة ومنصفة. يجب أن نعمل جميعًا على تعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية في التعليم، حتى نضمن تحقيق تعليم يليق بكرامة الإنسان.