نتنياهو واستراتيجية ” هانبيعل” بقلم : راسم عبيدات
طوال احد عشر شهراً من العملية العسكرية العدوانية التي يشنها نتنياهو وجيشه على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة ،تحت ذريعة تصفية قوى المقاومة وفي قلبها حركة حماس والقضاء على قادتها وقدراتها العسكرية والتسليحية وأنفاقها الهجومية واستعادة الأسرى …والمقاومة ترفع راية اجراء صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب العدوانية على القطاع،ولكن نتنياهو استمر في التعنت ورفض كل المطالب لوقف العدوان على قطاع غزة،وفي كل مرة عندما تقترب الصفقة من التنفيذ ،يهرب نتنياهو الى الأمام ويضع شروط جديدة ،حتى لا يتم انجاز الصفقة ،وتتبنى مواقفه امريكا وكل اشتراطاته،وتحمل حماس والمقاومة ومسؤولية الفشل، في ظل اعتراف من قادة المؤسستين العسكرية والأمنية واهالي الأسرى وقيادات سياسية وعسكرية وأمنية سابقة وحالية،بأن من يتحمل عدم اتمام صفقة تبادل الأسرى،نتنياهو شخصياً المسكون بالخوف من شركائه في الحكومة من القوة اليهودية والصهيونية الدينية بن غفير وسموتريتش، اللذان يهددانه بإسقاط حكومته من داخلها اذا ما اقدم على اتمام صفقة تبادل للأسرى تلبي شروط المقاومة،ولذلك كان يستمر في العملية العسكرية،والتي كلما استمرت وطالت قتل عدد من الأسرى ” الإسرائيليين” بفعل الغارات والقصف ” الإسرائيلي” ،ونتنياهو كان يمني النفس بأن يقتل جميع الأسرى حتى يتخلص من هذا القيد والملف الضاغط عليه،وحماس والجهاد وبقية قوى المقاومة نشروا اكثر من فيديو ولقاء مع الأسرى ،قالوا فيه ان الوقت ينفذ وبأن نتنياهو يكذب عليكم ويريد ان يعيدكم في اكياس سوداء وليس أحياء …ولكن نتنياهو ظل متمسكاً برأي وموقفه ، واستمر في المماطلة والتسويف وتقطيع الوقت ومواصلة الحرب التدميرية على القطاع مدفوعاً بعقلية ثأرية انتقامية،حيث لم يعد هناك أية اهداف عسكرية لهذه العملية،ولم يعد تحقيق ما يسميه نتنياهو بالنصر الساحق ،وقال ذلك العديد من قادة دولة الإحتلال،بما في ذلك عقيد احتياط متقاعد اسحق بريك المقرب من نتنياهو،الذي قال بأن الله ابتلى دولة الإحتلال بالثلاثي نتنياهو وغالانت وهليفي،ووصفهم بالمسامير المقطوعة رؤوسها،والذين يقودون دولة الإحتلال نحو الهاوية،وبأنه لا يمكن تحقيق نصر ساحق على حماس والقضاء عليها،ولا بد من اجراء صفقة تبادل تنقذ الأسرى ..من بعد الموافقة للمقاومة وحماس على مبادرة بايدن 31 ايار /2024 ومصادقة مجلس الأمن الدولي عليها 11/6/2024 ،وتبنيها من قبل المقاومة وحماس في 2/7/2024 ،والتي كان نتنياهو يراهن على رفضها ،جاء بلينكن للمرة التاسعة المتهود اكثر من نتنياهو،ووضعوا شرط جديدة تنسف المبادرة من أساسها،وقد رفضتها حماس والمقاومة وأصرت على نص المبادرة الأصلي ….وفي ظل تبني المؤسستين الأمنية والعسكرية لتلك المبادرة ومعهم المعارضة السياسية واهالي الأسرى ،شعر نتنياهو بأنه يجري محاصرته ولف الحبل حول عنقه،لكي ينفذ صفقة تبادل الأٍسرى،ولكن خوفه من الحبل الملفوف على رقبته من الجهة الأخرى من قبل بن غفير وسموتريتش ،والخوف على سقوط حكومته ،وتفجيرها من داخلها ،ولأنه يرى بأن ذلك سيقوده الى المثول امام لجنة تحقيق ستدينه بالتهم الجنائية المنظورة ضد أمام القضاء ” الإسرائيلي” بالإضافة الى تحميله المسؤولية المباشرة عن الفشل الأمني والإستخباري في السابع من اكتوبر/2023 وما لحق بجيشه من هزيمة ،وهذا يعني قضاء بقية عمره خلف جدران السجن.
اليوم بعد ان تمكن جيش الإحتلال من انتشال ستة جثث لأسرى ” اسرائيليين” من أحد انفاق رفح،من بينهم مواطن أمريكي،وثلاثة منهم كان سيطلق سراحهم في صفقة التبادل الحالية احياء،تفجرت حالة غضب عارمة ضد نتنياهو، وخرج اهالي الأسرى في مظاهرات عارمة تصف نتنياهو بأنه “ملاك الموت” وليس بملاك حامي الأمن ،فنتنياهو اختار التضحية بالأسرى عندما اصر ان تكون الأولوية لبقاء جيشه في محور فلادلفيا على أولوية استعادة الأسرى،وقد وافق المجلس الأمني والسياسي المصغر بأغلبية 8 اصوات ضد صوت غالانت وامتناع بن غفير عن التصويت لبقاء جيش الإحتلال في محور فلادلفيا،والتي يرى القادة العسكريين أنه لا اهمية ولا قيمة للوجود العسكري هناك،وبأن جيش الإحتلال يستطيع العودة الى المحور،اذا ما شعر بوجود خطورة وتهديد بحق جيشه ومستوطنيه.
انتشال الست جثث للأسرى ” الإسرائيليين” الذين قتلوا بنيران وقصف الجيش “الإسرائيلي” ،فجر خلافات حادة وعميقة،فعلى سبيل المثال غالانت دعى الى عقد جلسة طارئة للمجلس الأمني والسياسي والمصغر من أجل الغاء قراره بقاء جيش الإحتلال في محور فلادلفيا،وتنفيذ صفقة تبادل الأسرى،ولبيد زعيم المعارضة دعا الى اضراب اقتصادي واسع تشارك فيه البلديات واتحاد النقابات العمالية والشركات غداً الإثنين،واهالي الأسرى خرجوا في مسيرات غضب واسعة متهمين نتنياهو بالتخلي عن ابنائهم وقتلهم.وشركاء نتنياهو بن غفير قال بأن الأسرى الفلسطينيين “حثالة” و”حيوانات بشرية” وأنه يجب قتلهم وتطبيق حكم الإعدام عليهم،وقد جرى تنفيذ حكم الإعدام بأكثر من 50 منهم،حيث قضوا في سجون الإحتلال ،إما بفعل التعذيب الوحشي أو الإهمال الطبي ،أما شريكه سموتريتش فقال بأنه يرى أي صفقة تبادل للأسرى بمثابة استسلام امام حماس والمقاومة .
الخلافات تستعر والصراعات تكبر وتتوسع ،وتنذر بإنفجارات داخلية أوسع وأشمل والضغوط على نتنياهو داخلية وخارجية تزداد،ولكن نتنياهو يركن إلى الدعم الأمريكي ،حيث بايدن يحمل حماس والمقاومة المسؤولية ،وبأنه سيجعلها تدفع الثمن ،ونتنياهو يقول سيواصل حربه ضد المقاومة وحماس حتى الوصول لقادتها أو القضاء عليهم …نتنياهو في مأزق يتعمق ،ولربما يعاود نتنياهو جولة جديدة من الهروب الى الأمام،فهو ليس بوارده تنفيذ صفقة تبادل أٍسرى،ويعمد الى تطبيق استراتيجية هانيبعل عليهم …المهم مصالحه السياسية والشخصية وتوسع الحرب،ومنع سقوط حكومته ومساءلته ومحاسبته وتحميله المسؤولية عن الفشل الأمني والإستخباري في السابع من اكتوبر/2023 وما لحق بجيشه من هزيمة.
نتنياهو سيواصل الهروب الى الأمام،ولن يلتزم بتنفيذ صفقة تبادل الأسرى،رغم كل الضغوط التي تمارس عليه،بما في ذلك الإضراب الشامل ،وهو قد يذهب الى عملية عسكرية كبرى أو عملية اغتيال شبيهة بعملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران والقائد في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية من بيروت ..حتى يفرغ تلك الإحتجاجات والمظاهرات من مضمونها…نتنياهو بارع في الخداع والتضليل والهروب من الأزمات .
فلسطين – القدس المحتلة