2:45 مساءً / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

قراءة في رواية “الا انت” للكاتبة الفلسطينية وفاء جميل العزة، بقلم : أ. فوزي نجاجرة

قراءة في رواية "الا انت" للكاتبة الفلسطينية وفاء جميل العزة، بقلم : أ. فوزي نجاجرة

قراءة في رواية “الا انت” للكاتبة الفلسطينية وفاء جميل العزة، بقلم : أ. فوزي نجاجرة

صدرت رواية “الا أنت” عن دار الرعاة وجسور ثقافية في الأردن عام ٢٠٢٣م .


الرواية واقعية وطنية اجتماعية وعاطفية ، تصور الكاتبة من خلالها محنة الشعب الفلسطيني منذ ما قبل عام النكبة ١٩٤٨م وحتى أواسط الانتفاضة الفلسطينية الثانية . وما لاقاه أبناء هذا الشعب من ظلم ومن مرارة وعذاب وضياع وفقدان لأرضه وهويته ، من قبل المستعمرين الصهاينة مدعومين من الدول الغربية الاستعمارية ، بريطانية وفرنسا وأمريكا وغيرها .


اجتماعيا تصور الكاتبة حالة معاناة الناس لثلاثة أجيال متعاقبة ، جيل الأباء والأجداد الذين كانوا يعيشون في أرضهم وقراهم ومدنهم الأصلية قبل النكبة ، وهجروا منها بالقتل والارهاب من قبل العصابات الصهيونية الارهابية ، واجبارهم على اللجوء الى المنافي القريبة والبعيدة .حيث واجهوا الموت والجوع والطرد من ارضهم ومصادرة ممتلكاتهم ، ووجدوا أنفسهم في العراء والخلاء في خيام تحت السماء ، عرضة لحالات الجو المتقلبة ومزاجها العكر ، بين عواصف ثلجية شتاء وحرارة تلفح الأبدان صيفا . وجدوا أنفسهم معدمين من كل شيئ ، لا مال ولا بيوت ولا ملابس ولا أثاث ولا أي سبل للرزق او الحياة ، سوى ما كانت تتقصد به عليهم بعض المنظمات الدولية من رغيف خبز وقصعة رز وعلبة سردين .
الجيل الثاني الذين ولدوا وعاشوا في المخيم ، تكيفوا مع الظروف ، حاولوا جاهدين المقاومة ومحاولة العودة الى أرضهم وممتلكاتهم ، فأسسوا المنظمات الكفاحية والفدائية المختلفة التي لم تقصر في بذل أقصى جهودهم في محاولات تحرير أرضهم .


الجيل الثالث الذين ولدوا بعد الانتفاضة الأولى ، والتي تدور أحداث الرواية حول شخوصهم .


تتحدث الكاتبة من خلال سردها لأحداث الرواية ، عن لجوء الكم الكبير من الناس الى المخيمات ، والذي قلب كل ما كان قائما من أعراف اجتماعية وتقاليد طبقية موروثة ، فأصبح الشيخ الكبير والاقطاعي الذي كان يمتلك العديد من القرى والمزارع والمزارعين والخيرات ، أصبح في المخيم متساويا مع أفقر الفقراء والمعدمين من الناس ، (الكل في الهوى سوى) ، لا فرق بين كبير وصغير ولاغني أو فقير .


كذلك صورت الكاتبة نوع العلاقات الاجتماعية التي نتجت عن التهجير واللجوء ، وموت العديد من الناس ، بين أم وأب ، أو أخت وأخ ، طفل وشيخ ، سواء بالاستشهاد من قبل العدو أو سواء من القهر والبؤس والجوع والبرد . كذلك تفرق الأسر الكبيرة والصغيرة وما نشأ عنها من علاقات مختلفة كميا ونوعيا عن ما كان سائدا قبل النكبة.


تحليل الرواية


العنوان : اختارت الكاتبة عنوان الا أنت وهو يعبر عن العلاقة العاطفية القوية والحب بين أهم شخوص الرواية وهم الشاب عزيز والشابة عايدة ، وبعد انفصالهم عن بعض تنشأ علاقة حب بين عزيز وجمانة صديقة حبيبته الأولى عايدة . أعتقد أن العنوان كان موفقا الى حد كبير ، وقد تجلى معنى هذا العنوان عندما قالت الشابة جمانة لحبيبها عزيز : لم أسمح لرجل أن يأخذني على محمل الحب الا أنت ، في صفحة رقم (١٠٤) ، كذلك عندما قال عزيز لجمانة كرهت النساء جميعا الا أنت في صفحة (١١٢) .
المكان :
قرية بيت جبرين
أعتقد أن الكاتبة قد كتبت عن قريتها بيت جبرين والتي تقع تاريخيا واداريا ضمن قضاء الخليل شمال غرب المدينة ، حيث كان أهلها يعيشون فيها عيشة رغدة وأمنة، ويعتمدون على الزراعة والرعي في سهولها الخصبة ومائها الوفير ، حتى هجروا منها قصرا بقوة مدافع العصابات الصهيونية ، وقد قاوم رجالها بكل ما أوتوا من قوة هجمات الصهاينة على قريتهم ، حتى استنفذوا كل ذخائرهم ، ولا أدل على ذلك عندما قام شابين من القرية بالصعود الى ظهر الدبابة وهي تحترق لينتزعوا رشاشها مما تسبب في حرق أيديهم ، حتى يتمكنوا من الدفاع عن قريتهم باستخدامهم ذاك الرشاش .
المخيم :


لم تذكر الكاتبة اسم مخيم بعينه ، نظرا لتشابه كل المخيمات من بعضها ، حيث لجأ أهل بيت جبرين وغيرهم ، الى العديد من المخيمات سواء داخل فلسطين أو خارجها في الدول العربية المجاورة . وفي المخيم تدور أهم أحداث الرواية ، تطرقت عايدة الى ذكر اجتياح الاحتلال لمدينة بيت لحم وحصارها في الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٢م ، مما يدل على أن المقصود بمخيمهم يقع في مدينة بيت لحم .


السعودية
حيث سافرت اليها العمة مريم بعد أن تزوجت من معلم مدرسة كان يعلم هناك .
السجن
ولم يتم ذكر اسمه ، كي تعبر الكاتبة عن كل سجون الصهاينة .
الشخصيات :


مريم :
وهي شاهدة على قريتها بيت جبرين وعلى نوع الحياة التي كانوا يعيشونها أهلها فيها ، وكيف تم تهجيرهم منها بالقوة ، على يد العصابات الصهيونية ، حيث كانت صبية وقتها ، وكان لها علاقة حب مع شاب من قريتها يدعى مصطفى ، كانت هي بنت شيخ القرية الكبير الغني ، ومصطفى كان من عامة الناس ، ولم يجرؤ أن يتقدم لخطبتها نظرا للفروقات الطبقية بينهم . وبعد أن تهجروا ، التقوا ثانية في مخيم اللجوء بالقرب من عين الماء ، وسألها فيما اذا ما زالت ترغب بالزواج منه ، الا أنها رفضت. كذلك تحكي مريم عن معاناة الناس في التهجير واللجوء وما بعدها . مات والدها قهرا وماتت أمها من برد الثلج ، حينها تفرغت هي لتربية أخوتها ولم تفكر بالزواج الا بعد أن كبروا أخوتها . كانت تتمنى أن تنجب طفلا ليكون معينا لها في مستقبلها ، لكنها للأسف تزوجت من شاب يعمل بمهنة التعليم في السعودية ، وقد سافرت معه الى هناك ، وانتظرت طويلا معه حتى تنجب طفلا ، لسوء حظها فقد ثبت ان هذا الرجل عقيم ولا يتمكن من الانجاب . أهم ما عملته مريم في حياتها هو اعتنائها باخوتها وتربيتهم وتعليمهم ، كانت مريم ككل اللاجئين الفلسطينين تحلم بالعودة الى قريتها بيت جبرين سريعا ، لكن حلمها لم يتحقق ، ذات يوم قررت زيارة قريتها بعد عام ١٩٦٧م ، وفوجئت بأن الصهاينة قد حولوا بيتها متحفا ومزارا سياحيا . وبقيت مريم على الحلم .


جليل :
هو شقيق مريم ووالد الفتاة عايدة ،والذي كان مثالا للأخلاق والنقاء والصدق ، وقد تعلم وعمل على تنشئة اسرته ، عاش مثل باقي جيله يحلم بالعودة الى أرضه وقريته ولم يوفق . حيث كان مثله مثل غيره الذين لم يستسلموا للواقع وحاولوا الانخراط في المقاومة والعمل الفدائي ، واجهوا صعوبات الحياة وتعقيداتها في ظل الاحتلال الظالم ، فمنهم من استشهد في عملية فدائية ، ومنهم من أسر في السجون الصهيونية ، ولم يستكينوا لواقعهم أو ييأسوا .
عايدة :
الفتاة الجميلة والتي دخلت الجامعة مع بداية الانتفاضة الثانية ، أحبت شابا يدعى عزيز ، الذي كان يعمل في التجارة مع والده ، نشأت بينهم علاقة حب كبيرة وتعاهدوا على الزواج ، الا أن عزيز تم أسره والحكم عليه بثلاثة عشر عاما في سجون الاحتلال ، مما ادخل عايدة في صراع مع نفسها ومع أهلها ، فمن جهة هي ترغب انتظار حبيبها عزيز حتى يقضي فترة محكوميته ، ومن جهة أخرى فأهلها يرغمونها على الزواج من شاب اخر يدعى عاهد ، واصلت عايدة حياتها وانجبت أربعة أولاد ، وتحولت الى امرأة عادية حيث تقول : عندي أربعة أولاد ، توقفت عن الكتابة ، أجري في هذه الحياة بين الأولاد والوظيفة والزوج صفحة (٩٩) . ومن خلال حياتها مع زوجها كانت دائما تشعر بأنها خانت حبيبها عزيز ، فروحها مع عزيز وجسدها لزوجهاعاهد.تقول : أنا بلا حلم بلا أمل كقطة تأكل وتنجب وتعمل، لا تضيف شيئا الى الحياة كيف أعود الى ما كنت سابقا وأنا لست أنا ؟صفحة رقم (١٠٧) .
جمانة :
كانت زميلة عايدة وصديقتها في الجامعة ، كانت كاتمة اسرارها ، فكثيرا ما كانت تحدثها عن قصة حبها مع الشاب عزيز، هذه الفتاة تعشق الفن والرسم ، الا انها كانت ترسم اللوحات ولم تطلع أحد عليها من شدة الخجل .
عزيز :
شاب وطني بالفطرة انخرط في مقاومة الاحتلال الصهيوني وتم أسره والحكم عليه ثلاثة عشر عاما ، أحب عايدة حب مثالي وأخلص لها ، لكن عايدة تخلت عنه بعد أسره وتزوجت من شخص أخر ، عاش في السجن بمعاناة كبيرة ، وقد استطاع أن يفرغ طاقته بالرسم بالقهوة وينتج أجمل اللوحات . التقى عزيز في السجن مع أسير كبير السن بعمر والده يدعى أبو الليل ،الذي اهتم بعزيز واعتبره ابنه ، انهى عزيز مدة محكوميته وخرج من السجن ، ليلتقي مع جمانة صديقة حبيبته الأولى في معرضه الأول للوحاته الفنية ، فتنشأ بينهما علاقة حب ويتزوجا بعد وقت ليس طويل .
الرسائل :
هناك الكثير من الرسائل التي كتبتها المؤلفة في نصوصها ، ولكني سأركز على بعضها :
الرسالة الأولى : تدعو الكاتبة الى تحرير الوطن من المستعمرين الصهاينة ، ونستدل على هذه الدعوة من خلال الكثير من الأقوال على لسان الشخوص ، فعندما خرج الأسير عزيز من الأسر قال : ان دخولي السجن خيبة وخروجي من السجن خيبة أخرى ، طالما هناك رشاش على جانب جندي صهيوني يخيف أطفالنا ، وطالما أحتاج الى ورقة تسمح لي بالصلاة في المسجد الأقصى، كذلك وأنا أرى مدننا الفلسطينية يافا وحيفا وعكا مستمتعا ومترفها فيها ذاك المستعمر الصهيوني ، وأنا صاحبها الحقيقي محروما منها .في صفحة (٨١) .
الرسالة الثانية :
الدعوة الى تغيير اسلوب تفكيرنا في نظرتنا الى النكبة والى واقعنا المزري من هزائم وفشل وضحايا وعذاب من جراء سرقة أرضنا وبلادنا فلسطين منا ، حيث تقول العمة مريم :
لا يجب أن نسأل ماذا كان علينا أن نفعل ؟
يجب علينا أن نسأل ماذا يتوجب علينا فعله الأن ؟
الرسالة الثلثة :
وهي رسالة مرمزة تدعوا فيها الكاتبة الى عدم ربط مستقبلنا بمساعدة الاخرين لنا ، فان من نتوقع منهم مساعدتنا والوقوف معنا ، هم أنفسهم من يحتاجون الى المساعدة وهم فاصرين حتى من مساعدة أنفسهم . وذلك من خلال مكاشفة العمة مريم لابنة أخيها عايدة ، عندما أخبرتها أنها قررت الزواج من شخص حتى تنجب منه طفلا لتبثه كل أحلامها وتخبره عن بلدها وكيف خرجوا منها، وقد علقت عليه كل أحلامها، عله يكون صلاح الدين، بل كانت تفكر بتسميته كذلك ، قالت : لقد لبست خيبة جديدة ، وتفاجىت بأن زوجي عقيم ولا ينجب أطفالا . ورد في صفحة رقم (٦٢) .
الرسالة الرابعة :
الدعوة الى بث الأمل والتفائل في نفوس الشعب ، حيث يقول عزيز :
بما أن الحياة رسالة يجب أن أبث الأمل في رسوماتي علي أنقذ نفسا يائسة أو أفتح نفقا……ورد ذلك في صفحة رقم (٨٦) .


في الختام فان هذه الرواية تعد عملا فنيا رائعا جميلا مشوقا ، باسلوب مشوق سهل بعيد عن مكياج اللغة والرمزية المفرطة التي يتبعها بعض الكتاب ، فيها فلسفة وحكمة ومتعة ، أتمنى للكاتبة الأستاذة وفاء العزة التوفيق وراحة البال والابداع والمزيد من العطاء .

شاهد أيضاً

الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل

شفا – أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي الحرم الإبراهيمي الشريف، وسط مدينة الخليل، وفرضت طوقاً أمنياً …