إن مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية وأثرها في سعادة العائلة هي واحدة من المسائل الاجتماعية المهمة التي لها أنصارها ومخالفيها الأشداء. فالمخالفون يعتقدون بأن مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية تعد مانعاً أمام سعادة العائلة. وهو كلام لا يمكن أن نسمع أشد هراءً منه، ويمكنني أن أدحض ذلك، حيث أن أفضل دليل على ذلك هو حياتي المفعمة بالموفقية والنجاح. فمنذ أن استوردوا الديمقراطية إلى بلادنا أصبح انتخاب النواب يوماً بعد يوم أكثر يسراً، ولكن عوضاً عن ذلك أصبحت حياتنا يوماً بعد يوم أكثر صعوبة وتعقيداً. فبعد أن صممت على اختيار شريكة حياتي، وقع اختياري على موظفة في أحد البنوك، تتقاضى راتباً قدره ستمائة وخمسين ليرة، وهو مبلغ يساوي ما اتقاضاه من عملي في أحدى الصحف المسائية. ولذا لم يشكل الزواج عبئاً اضافياً على عاتقي، فإن مجموع ما نتقاضاه يشكل مبلغاً يوفر لنا حياة جيدة.
وفي اليوم المحدد لزواجنا، اخذت الزوجة اجازة من البنك، اما انا فقد ذهبت إلى دائرة تسجيل عقد الزواج بالرغم من أنني سهرت الليل كله وحتى الصباح في العمل. ومن سوء الحظ لم تدم ساعات الفرح ولذتها طويلاً لأنني كنت مضطراً للذهاب إلى الجريدة في الليل والعمل حتى الصباح. وعندما عدت إلى البيت وجدت ملاحظة معلقة على باب الغرفة وموقعة من قبل زوجتي تقول:” زوجي العزيز لم استطع الصبر فلقد تأخرت عن العمل. اقبل عينيك”. انتابني الشوق عند قراءة هذه الجملة، ولكن بسبب التعب والانهاك لم استطع التفكير بها إلاّ لدقيقة واحدة ثم رحت طريح الفراش وفي نوم عميق. وعندما استيقظت لم تكن محبوبتي قد عادت من عملها، كما مر وقت على البدء بعملي. ولذا دونت ملاحظة لزوجتي وعلقتها في نفس المكان وأشرت:” عزيزتي، كلي شوق لرؤيتك، لدينا شغل كثير وتأخرت على ميعاد العمل واضطررت الى مغادرة البيت. اقبل شفتيك”.
في اليوم التالي لم نلتق، وتركت زوجتي المثالية ملاحظة حلوة وذات معنى وعلقتها في نفس المكان:” عزيز قلبي.. أقبلك آلاف وآلاف المرات”. وبدوري كتبت الجواب وعلقته في نفس المكان:” وصلت رسالتك …جزيل الشكر ، لقبلة واحدة من قبلاتك تحول قلبي إلى ذرة”. بعد ذلك وخلال أيام الأسبوع تبادلنا القبلات عبر الرسائل بانتظار يوم العطلة بشوق وأمل. ومنذ بداية الأسبوع بدأ العشق عبر الرسائل، ولكنه مع مرور الوقت تحول إلى جمل مختصرة وقصيرة، وأحياناً كنا ننسى تأدية الواجب. وبعد ثلاثة أشهر جلبت انتباهي بعد عودتي إلى البيت صباحاً ورقة معلقة على باب غرفة النوم، تناولتها بعجب وشرعت بقراءتها:” زوجي الأعز من روحي..حالتي جيدة وأود أن أخبرك بنبأ سعيد، سوف يُولد لنا طفل في القريب العاجل. انت تعرف بأن مهمتنا منذ اليوم ستكون أكثر تعقيداً وعلينا منذ الآن العمل بساعات أكثر مستغلين ساعات الفراغ وأيام العطل التي ينبغي أن لا نضيعها. لا تنسى فإنني بانتظار جوابك”.
عندما علمت بالخبر انتابني كأي أب شعور بالفرح. ورغم تعبي فقد ذهبت إلى السوق واشتريت سواراً ذهبياً لزوجتي. وعند العصر وحين تهيأت للذهاب إلى العمل كتبت هذه الملاحظة وعلقتها على باب غرفة النوم:” حوريتي.. غمرتني سعادة لا حدود لها. أقدم لك هديتي تحت الوسادة مع آلاف وآلاف القبلات لك”.
بالطبع مع مرور الوقت اعتدنا على ذلك، وبرد حبنا الناري وأصبح من النادر أن يتذكر أحدنا الآخر…وبالتدريج انقطعنا عن كتابة الرسائل. ولكن كانت الجوارب المغسولة والملابس الداخلية أجدها موضوعة على المنضدة الملاصقة للسرير كل أسبوع مما يدل على أن زوجتي تأتي إلى البيت كل يوم وتقوم بإنجاز الأعمال البيتية. وهكذا استمرت حياتنا السعيدة لعائلتنا سنوات طوال، ولم تسمح لنا الفرصة للنزاع والمشاكسة أو تصيد الذرائع. في أحد الأيام وعندما شعرت بالتعب قررت الذهاب إلى دار السينما. وهناك واجهتني مصادفة عجيبة. فقد تقدمت نحوي امرأة جميلة مع ثلاثة أطفال وحيتني بشوق وذوق. دهشت… وبدا لي إنني على معرفة بهذه السيدة دون أن أشخصها. انتبهت المرأة إلى حيرتي وقالت:” أنا زوجتك…وهؤلاء أطفالك”. أحمر وجهي من الخجل… ولو أنني على حق إذ لم أر زوجتي وأطفالي على الإطلاق على هذا القدر من النظافة والأناقة. مرت سنوات على هذا الحادث وولد لنا المزيد من الأطفال، ونحمد الله على أن حياتنا خلت من المنغصات لأن لم يكن لدي الوقت أصلاً للخوض في ذلك. فلو تزوجت من زوجة عاطلة عن العمل لاشتعلت النزاعات والمشاكسات منذ الشهور الأولى لزواجنا، ولانتهت فترة زواجنا. هذه التجربة تؤكد على أن مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية لا تقف حائلاً أمام سعادة العائلة، بل تعد عاملاً مؤثراً في دوام وبقاء العائلة. واليوم إنني من أشد أنصار مشاركة المرأة في النشاط الاجتماعي!!!!.
من كتاب “الرجل الشرقي” للكاتب التركي الساخر عزيز نسين
تعريب عادل حبه