9:50 صباحًا / 5 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

“حقائب مدرسيّة مليئة بأكثر من كُـتُب وأقلام” بقلم : أ. مروه معتز زمر

"حقائب مدرسيّة مليئة بأكثر من كُـتُب وأقلام" بقلم : أ. مروه معتز زمر

“حقائب مدرسيّة مليئة بأكثر من كُـتُب وأقلام” بقلم : أ. مروه معتز زمر


أذكر جيداً كيف كان والدي يروي لنا رحلته اليومية إلى المدرسة، عندما كان يحمل كيس الخيش على كتفه، لم يكُن يملك حقيبة مدرسية أنيقة، لكن بريق عينيه وهو يحدّثنا عن مغامرات وصوله للمدرسة، كان يعكس شغفاً لا يوصف بالعلم،كان يسير بخطوات واثقة، بحذائه المتآكل، لا مُبالياً بأشواك الطريق، وكأن كل خطوة تقرِّبه من حلم أكبر، تلك الصورة لم تفارق ذاكرتي، فهي تذكِّرني دائماً بأن قيمة التَّعليم تتجاوز مجرّد الأقلام والكُتُب؛ إنها رحلة تنطلق من أعماق القلب.


اليوم، مع كل بداية عام دراسي، وفي زحمة الاستعدادات للعودة إلى المدارس، نجد أنفسنا في سباق لشراء أحدث الأدوات المدرسية، وتجهيز الحقائب بالكتب والأقلام، ولكن هل نتذكر أن هناك أدوات أخرى لا تقل أهمية، بل هي الأساس الذي يُبنى عليه النَّجاح الحقيقي، ألا وهي القيم والأخلاق التي يجب أن نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر؟ هل نتساءل فعلاً: ما هو الأثر الذي نريد أن نتركه في نفوسهم؟ هل نسعى فقط لجعلهم طلاباً ناجحين للتباهي بهم، أم نطمح لأن نصنع منهم أفراداً يتمتعون بقيم وأخلاق حميدة تعينهم في إكمال حياتهم بكرامة؟

حقائب مليئة ببذور الخير أم مجرد حاويات فارغة؟


الحقيبة المدرسية ليست مجرَّد مكان لتخزين الكتب والأقلام؛ إنها وعاء يحمل تطلعاتنا وأحلامنا لأبنائنا، لحظة دخولنا المدرسة تجول أنظارنا بين الحقائب المدرسية، كل حقيبة تحمل قصة مختلفة، تعكس شخصية صاحبها وطموحاته، ولكن هل تساءلنا يوماً عن القيم والأخلاق التي تحملها هذه الحقائب إلى جانب الكتب والأقلام؟ هل تحمل هذه الحقائب بذوراً لجيل جديد من القادة، أم أنها مجرّد أشكال فارغة؟


دعونا نحرِص على أن تكون هذه الحقائب مليئة بأكثر من الأدوات الدراسية؛ لنملأها بالقيم والأخلاق التي ستقود أبناءنا في مسيرة حياتهم، إن الاحترام، والصدق، والأمانة، وروح التعاون هي كنوز لا تقدر بثمن، وهي التي ستساهم في بناء مجتمع أفضل لنا وللأجيال القادمة، ستسألون كيف ذلك؟

بتقدير المعلم واحترامه أولاً، فالمعلِّم هو الركيزة الأساسية في بناء هذه القيم في نفوس أبنائنا
بمساندته وتمكينه من أداء رسالته على أفضل وجه، نضمن أن يتحوَّل التَّعليم إلى تجربة حيَّة تُغرس فيها هذه القيم، قديماً، كان أهلُنا وكبارُنا يسيرون على خطى الشاعر أحمد شوقي الذي قال:


(قُم للمعلِّم وفِّه التبجيلا —-كادَ المعلِّمُ أن يكون رَسولا


أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي —- يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا)


بَل ربّما كانوا يرددون هذه الأبيات يوميّاً إلى جانب النشيد الوطني، لكن اليوم، ومع تغير المفاهيم والقيم، نرى أن مكانة المعلم قد تراجعت بشكل ملحوظ، تحت مسميات وأعذار عديدة، سُحِبَ البساط من تحت قدميه، ولم يعُد يُنظر إليه كرمز للعلم والحكمة، بل كمجرَّد موظف يؤدي واجبه.


إن استعادة مكانة المعلِّم ليست مجرَّد مطلب، بل هي ضرورة لتحقيق الهدف السّامي للعلم، و علينا جميعاً، كأهل وطلاب ومجتمع، أن نعيد الاعتبار للمعلم، وأن نمنحه المكانة التي يستحقها، فالمعلم هو من يبني الجسور بين المعرفة والقيم، وهو من يغرس بذور الأخلاق في نفوس الأجيال القادمة.


باحترام القوانين، فهي حجر الأساس في بناء الشخصية


في ذلك الزمن، كان احترام القوانين المدرسيَّة جزءاً لا يتجزأ من حياة الطلاب، رغم قلة الإمكانيات، كانوا يدركون أن النجاح لا يأتي من الرفاهية، بل من احترام النظام والانضباط، واليوم، ونحن نعيش في عصر توَفَّرَ فيه كل الأدوات اللازمة للتعلُّم، ويبقى احترام القوانين المدرسية هو الأساس الذي يبني عليه الطفل شخصيته ويؤسس لمستقبله.

باحترام الاختلافات، فهي أساس التعايش السليم


يجب أن يتعلم أطفالنا اليوم قيمة احترام الاختلافات، في عالم مليء بالتنوع، يصبح تقدير التنوُّع هو المفتاح للتعايش السليم، إن تعليم أطفالنا قبول الآخرين واحترام اختلافاتهم يُعزز لديهم قيم التسامح والتعاون، والتعاطُف، فعندما يركزون على أنفسهم ويدركون إنه ليس من شأنهم الحُكم على الآخرين،


قال تعالى:  (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)، بذلك نؤهلهم ليكونوا أفراد فاعلين في بناء مجتمع متماسك يحترم الآخر، ويحفظ حدوده وحقوقه.


بممارسة القيم والأخلاقيات، من خلال الدَّور المشترك بين الأهل والمدرسة


القيم هي المبادئ والمعتقدات الأساسية التي توجه سلوك الأفراد وتحدد كيفية تعاملهم مع أنفسهم ومع الآخرين، وهي تعني أيضاً مجموعة من الأفكار والمفاهيم التي تعبر عن ما يعتبره الأفراد مهماً وصحيحاً في حياتهم، و يمكن أن تكون القِيَم فردية، تنبع من التجارب الشخصية والمعتقدات، أو جماعية، تشترك فيها مجموعة أو ثقافة معينة.


في الماضي كانت القيم والأخلاقيات تشكل جوهر التعليم، ومن الضروري اليوم أن يتحمل الأهل والمدرسة معاً مسؤولية غرس هذه القيم في نفوس الأبناء منذ نعومة أظافرهم، إن التربية الأخلاقية لا تقتصر على التعلُّم النظري، بل يجب أن تكون جزء من حياة الطفل اليوميَّة، تُمارَس في المنزِل والمدرسة على حد سواء.


مشاكل المدارس، ماهي إلّا انعكاس لغياب القِيَـم..


في زمن والدي، كانت القِيَـم هي الحصن الذي يحمي المجتمع من الانحرافات السلوكية، أما اليوم، فإننا نرى تزايداً في المشاكل السلوكية داخل المدارس كنتيجة لضعف هذه القيم، إن انهيار القيم في مجتمعنا يتطلب منا جميعاً كأهل وتربويين، أن نعمل على تقويم سلوكيات أبنائنا وتعزيز مفاهيم الأخلاق والاحترام.


(حقائب مليئة بالشخصية)


ونحن نستعد للعام الدراسي الجديد، فلنتذكر أن الأهم ليس ما يحمله الطفل في حقيبته، بل ما يحمله في قلبه وعقله، تخيلوا لو كان كل طفل يحمل في حقيبته بذرة من الأمل، وقطعة من الإيمان، وروحاً من التعاون، وقلباً سليماً يحب الخير للآخرين كما يحب لنفسه، تخيَّلوا لو تكاتفت الأسرة مع المدرسة لتصبح المدارس بيئة تنمي القيم والأخلاق، حيث لا يتعلَّم الطلاب موادهم الدراسية فقط، بل كيف يصبحون أفراداً صالحين لهم إسهامهم الواضح في تحسين المجتمع.
إن بناء مجتمع قوي يبدأ من الأسرة والمدرسة معاً، و تقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية غَرْس القيم الأخلاقية في نفوس أبنائنا، لنجعل من المدارس مكاناً يشجع على التعلُّم والإبداع، ولتكن حقائب أبنائنا مليئة بالشخصيَّة والقيم الأخلاقية، وليس فقط بالأدوات الدراسيَّة..

شاهد أيضاً

تضرر مركبة في هجوم للمستوطنين شرق سلفيت

شفا – هاجم مستوطنون مساء اليوم الإثنين، مركبات المواطنين على طريق مدخل ياسوف شرق سلفيت. …