أهمية التعليم من أجل التنمية المستدامة، بقلم : د. محمود حسين
يجب على الجميع السعي للحصول على تعليم جيد، نظرًا للتنافسية العالية بين الأفراد في هذا العالم، كما تزداد أهمية التعليم العالي، الذي يسهم في الحصول على وظائف متميزة ومواقع مرموقة. فالتعليم الجيد يفتح الأبواب للعديد من الفرص المستقبلية، ويعزز من قوة العقل والمهارات الاجتماعية والفكرية من خلال رفع مستوى المعرفة والمهارات التقنية، بالإضافة إلى ذلك، يلعب التعليم دورًا حيويًا في تحقيق النجاح في الحياة، مما يتيح للفرد التميز عن الآخرين، فهو يساعد أيضًا في تقليل التحديات التي قد تواجهه في الأوقات الصعبة، كما تعزز المعرفة المكتسبة خلال فترة التعليم من مستوى الثقة بالنفس.
حيث يُعبّر مفهوم نظام التعليم بشكلٍ عامٍ إلى المدارس العامّة تحديداً وليس المدارس الخاصّة؛ ويبدأ من رياض الأطفال وصولاً إلى المرحلة الثانويّة، كما تعتبر المدرسة من أصغر أشكال النظام التعليميّ، والدّولة هي أكبر أشكال النّظام التّعليميّ، تشكل التربية من أجل التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة والتوعية عليها التحدي الأكبر أمامنا في هذا القرن. وتعتبر هذه التوعية الضمانة للأجيال الحاليّة والقادمة للحفاظ على الموارد بما يفيد الإنسان، كل إنسان، بمختلف مكوّنات شخصيّته وأبعادها.
ان التدريب على القيادة في مجال التعليم من أجل التنمية المستدامة” يشرك الشباب ويساعدهم على اكتساب المهارات والأدوات اللازمة لتعزيز التعليم من أجل التنمية المستدامة على مستوى مجتمعهم وبلدهم ومنطقتهم.
اذ لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة من خلال الحلول التكنولوجية أو الأنظمة السياسية أو الصكوك المالية وحدها. فنحن بحاجة إلى أن نغيّر طريقة تفكيرنا وعملنا، الأمر الذي يفرض توفير نوعية تعليم وتعلّم من أجل التنمية المستدامة على جميع المستويات وفي جميع البيئات الاجتماعية، ويتمثل هدف التعليم من أجل التنمية المستدامة في تمكيننا من مواجهة التحديات العالمية الحالية والمستقبلية مواجهة بنّاءة وخلاّقة، وفي إنشاء مجتمعات أكثر استدامة وسهولة في التكيّف.
وفي عالم يضم 7 مليارات نسمة ويتمتع بموارد طبيعية محدودة، يتعيّن على الأفراد والمجتمعات تعلّم العيش معا واتخاذ إجراءات مسؤولة مع الإدراك بأنّ الأعمال التي نقوم بها هنا اليوم يمكن أن يكون لها تبعات على حياة وأسباب معيشة أشخاص آخرين في أجزاء أخرى من العالم، وكذلك على الأجيال المستقبلية.
ويدعو ذلك إلى اعتماد نهوج تعلّم جديدة، وتطوير اقتصاديات ومجتمعات حيوية موائمة للبيئة، وبروز “مواطنة عالمية”، وهذا ما نجده من خلال تشجّع اليونسكو إعادة توجيه عملية إعداد وتدريب المعلّمين لضمان إدراج التعليم من أجل التنمية المستدامة ضمن الممارسات التعليمية.
فبمقدور التعليم أن يؤدي دور رئيس في التحول المطلوب إلى مجتمعات أكثر استدامة، بالتنسيق مع المبادرات الحكومة ومبادرات المجتمع المدني والقطاع الخاص. فالتعليم يصوغ القيم ووجهات النظر، ويساهم أيضاً في تنمية وتطوير المهارات والمفاهيم والأدوات التي يمكن أن تستخدم في خفض أو إيقاف الممارسات غير المستدامة.
للمضي قدما، يجب علينا أن ندرك، أنه في خضم التنوع الكبير من الثقافات وأشكال الحياة الإنسانية، بأننا نشكل عائلة بشرية واحدة، تعيش على أرض واحدة، ويحكمها مصير واحد مشترك. وعلينا أن ننضم معا لنعمل من أجل قامة مجتمع عالمي مستدام، يقوم على احترام الطبيعة، وحقوق الإنسان العالمية، والعدالة الاقتصادية، وثقافة السلام حيث تقتضي الضرورة في مجال التربية على الاستدامة أن تعترف الحكومات والسياسيين بأهمية التعليم المبكر في بناء مجتمع مستدام. وفي هذا السياق يمكن القول إن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والحكومات الوطنية استطاعت أن تحصل على نتائج مبهرة في مجال بناء وعي كبير بالمشكلات والتحديات التي تضع الحياة على كوكبنا في حالة الخطر. لقد أصبح الناس أكثر حساسية للأخطار التي تهدد المحيط الذي نعيش فيه. ومع ذلك، لم يدركوا جيدا حتى الآن أن مرحلة الطفولة المبكرة هي المرحلة المميزة لبناء وعي جديد واتجاهات إيجابية حول أهمية استدامة الحياة على كوكبنا.
ويلاحظ في هذا الخصوص أن التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة لم يأخذ مكانه جيدا. ولعل السبب في هذا الغياب هو أن التربية في مرحلة الطفولة المبكرة لم يعترف بها كما ينبغي شرطا ضروريا للتنمية والاستدامة، والأطفال ما زالوا يأخذون أهميتهم كمواطنين ذي أهمية ثانوية ومن الدرجة الثانية. وهذا هو السبب الذي يوجب علينا التأكيد على وجوب النظر إليهم بمنظور المواطنة الكاملة. وهنا على المجتمع أن يعترف بالأهمية الاستراتيجية للسنوات الأولى من الحياة، في تعزيز ورعاية مواقف إيجابية جديدة تجاه تطوير الأنشطة التربوية المستدامة في مرحلة الطفولة المبكرة.
إذ نناشد المثقفين والمعلمين إلى الاهتمام بالدور الحيوي الذي يمكن أن تؤديه التربية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة من أجل تكوين المواطنين الأحرار في مجتمع مستدام. فبناء المجتمع المستدام يتطلب تغييرا في العقل والقلب، كما قيل في ميثاق الأرض، وهذا التغيير لا شيء سيكون أفضل منه عندما نبدأ به في السنوات الأولى من حياة الإنسان حيث يتم غرس الاتجاهات الإيجابية في نفوس الناشئة والأطفال بالأهمية الكبرى للتنمية المستدامة عبر رعاية واحترام مكونات المحيط للإنسان، ولا يغيب عن بالنا أهمية الممارسة العملية للمعلمين بوصفهم نماذج حية فالأطفال يتماهون بمعلميهم ويتمثلون سلوكهم بالاقتداء، وهذا يعني أنه يجب على المعلمين العيش وفقا لمبدأ التوافق بين الفكر والممارسة لتقديم أفضل الممارسات التربوية التنموية. اذ يشمل ذلك الممارسة الحية للقيم الاجتماعية التنموية في مجال الممارسات الديمقراطية والإنسانية وهذا يعني باختصار أن المعلمين يجب عليهم أن يمارسوا ما يدرسونه من قيم ونظريات.