7:19 صباحًا / 22 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

نَحوَ مُستقبلٍ أفضلَ: التحوُّلُ من التعليمِ التقليديِّ إلى التعلُّمِ التحرريِّ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

نَحوَ مُستقبلٍ أفضلَ: التحوُّلُ من التعليمِ التقليديِّ إلى التعلُّمِ التحرريِّ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

نَحوَ مُستقبلٍ أفضلَ: التحوُّلُ من التعليمِ التقليديِّ إلى التعلُّمِ التحرريِّ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

تستندُ عمليّةُ الإنتاجِ الاجتماعي إلى تحديدِ مرتكزاتٍ للتحوّلِ من التصوّراتِ القديمةِ إلى ابتكارِ صيغٍ أكثرَ قدرةً على تحفيزِ قوى التوليدِ الكامنةِ في الكينونةِ البشريةِ للمجتمع، من خلالِ التأكيدِ على عواملِ قوةِ المجتمعِ وتماسكهِ، وتمكينِ الأجيالِ من التفكيرِ والتأمّلِ بحريةٍ، مما يعزّزُ التوجّهَ نحو مجتمعٍ يُحكمُ بعيدًا عن معاني العبوديةِ ومظاهرها، ويُسيرُ أمورهُ كمجتمعٍ حرٍّ يُقادُ ولا يُساقُ، وفي الوقتِ نفسهِ إزالةُ الأوهامِ التي كبّلتها إسقاطاتُ القوى الخارجيةِ المهيمنة، والتي جاءت ببضاعةٍ شبعت موتًا، وتمادت في تجسيدِ معاني النفاقِ وازدواجيةِ المعايير، وعزّزت مفاهيمَ العنصريةِ، وقد برزت الوحشيةُ للاستعمارِ الأكثرِ دمويةً من خلالِ دعمهِ لعدوانِ الاحتلالِ (إسرائيلَ المخترعة)، الذي يستهدفُ الوجودَ الفلسطينيَّ عبرَ التطهيرِ العرقيِّ والإبادةِ الجماعيةِ في الضفةِ الغربيةِ، بما فيها شرقيّ القدسِ، وقطاعِ غزةَ الذي تلاشتْ على رمالهِ ظلالُ الحرياتِ.

إنَّ التعلُّمَ التحرّريَّ يُمثِّلُ أداةً أساسيةً لتعزيزِ الوعيِ بحقوقِ الإنسانِ والحرياتِ الأساسيةِ، حيثُ يُعزِّزُ كرامةَ المتعلِّمينَ ويُمكِّنُهم من التفكيرِ النقديِّ ويُعزِّزُ قدرتَهم على اتخاذِ قراراتٍ مستنيرةٍ في الدفاعِ عن حقوقِهم، مما يُسهمُ في تعزيزِ الديمقراطيةِ والمشاركةِ الفعّالةِ في المجتمعِ، ويُعتبرُ أداةً رئيسيةً في تعزيزِ الوعيِ والتحرّرِ، ووسيلةً فعّالةً لتحقيقِ الاستقلالِ الفكريِّ والاقتصاديِّ، ودعامةً أساسيةً لبناءِ مجتمعٍ قادرٍ على النهوضِ بنفسهِ وتحقيقِ تطلعاتهِ، ونموذجًا تعليميًا يركزُ على تمكينِ المتعلِّمينَ من المشاركةِ الفعّالةِ في عمليةِ التعلُّمِ، حيثُ يعتمدُ على تطويرِ الوعيِ النقديِّ والتفكيرِ المستقلِّ، وينطلقُ من فكرةٍ أنَّ التعليمَ يجبُ أن يكونَ عمليةً تعاونيةً تشجِّعُ الحوارَ وتبادلَ الأفكارِ، مما يُعزِّزُ من قدرةِ المتعلِّمينَ على إدراكِ واقعِهم الاجتماعيِّ والسياسيِّ، وتعميقِ وعيهِم بأنفسِهم وحقوقِهم.

ضرورة التنوع للوصول إلى الحقيقة

تُعَدُّ الحقيقةُ واحدةً في ذاتها ونسبيةً في تنوُّع وجوهها وتعدُّد الطرق لمعرفتها، ما يجعلُ التنوعَ أمرًا ضروريًّا للوصول إلى الحقيقة، الأمر الذي يؤسّس للتعايش مع وجهات نظرٍ مختلفةٍ من تفسير الواقع وفهمه. وفي هذا السياق، يلعبُ التعلمُ التحرُّريُّ دورًا حيويًا، إذ يُشجِّعُ الأفرادَ على استكشاف آراءٍ متعددةٍ وتحليلها، ويُتيحُ التعلمُ التحرُّريُّ من خلال تعزيز التفكير النقدي واستقلالية المتعلمينَ فرصةَ استكشاف مختلف المنظورات وتطوير فهمٍ شاملٍ للحقيقة، ولا يقتصرُ هذا النهجُ على تلقِّي المعلومات فحسب، بل يتضمَّنُ التفاعلَ والمشاركةَ في الحوار؛ ما يُعزِّزُ الوعيَ الذاتيَّ وقدرةَ الأفرادِ على اتخاذ قراراتٍ مستنيرةٍ، ليصبحُ التعلمُ التحرُّريُّ وسيلةً فعّالةً للوصول إلى حقائقَ متعددةِ الأبعادِ تعكسُ تعقيدَ الواقعِ الذي نعيشه.

تُعتبرُ رؤيةُ التعلُّمِ التحرّريِّ عمليةً تفاعليةً تهدفُ إلى تمكينِ المتعلِّمينَ، وقد أكّدَ ديوي (Dewey, 1983) على أنَّ التعليمَ يجبُ أن يكونَ مرتبطًا بتجاربِ الحياةِ اليوميةِ، بينما يبرزُ فريري (Freire, 1970) أنَّ التعليمَ هو وسيلةٌ للتحرُّرِ من القهرِ، وذلكَ من خلالِ الحوارِ وتنميةِ الوعيِ النقديِّ في تعزيزِ مشاركةِ المتعلِّمينَ وتعبيرِهم عن ثقافاتهم. ويركزُ دول (Doll, 1993) على البعدِ الاجتماعيِّ للتعلُّمِ، حيثُ يُعتبرُ أنَّ المعرفةَ تُبنى من خلالِ التفاعلِ الاجتماعيِّ، في حينِ تؤمنُ مونتيسوري (Montessori, 1967) بالاستقلاليّةِ والتعلُّمِ الذاتيِّ، مما يُعزِّزُ قدرةَ المتعلِّمينَ على اتخاذِ قراراتِهم الخاصةِ. وتعزِّزُ هذه الفلسفاتُ من أهميةِ التفاعلِ الاجتماعيِّ وبناءِ المعرفةِ؛ ما يُسهمُ في تطويرِ التفكيرِ النقديِّ والمشاركةِ الفعّالةِ في المجتمعِ.

تعليمٍ يُحَرِّرُ الأفرادَ

إنَّ توفيرَ تعليمٍ يُحَرِّرُ الأفرادَ ويُعَزِّزُ قدرتَهم على التفكيرِ النقديِّ والمشاركةِ الفعَّالةِ في مجتمعاتِهم، يُسهمُ في بناءِ مجتمعٍ أكثرَ عدالةً ووعيًا. وقد أكَّدت التوجهاتُ التربويةُ الحديثةُ على أهميةِ مشاركةِ المتعلمينَ في عمليةِ التعلمِ وتطويرِ وعيهم النقديِّ، كما أشارَ فيجوتسكي (Vygotsky,1978)، إلى أن النظريةُ البنائيةُ الاجتماعيةُ، تُبيِّنُ أنَّ المعرفةَ تُبنى من خلالِ التفاعلِ الاجتماعيِّ والخبراتِ المشتركةِ، مما يُعَزِّزُ قدرةَ المتعلمينَ على فهمِ واقعهم بشكلٍ أعمق. وفي هذا السياق، تأتي الأندراغوجيا (Andragogy)، التي تمثلها أفكارُ مالكولم نويل (Knowles,1975)، لتؤكِّدَ على أهميةِ استقلاليةِ المتعلمينَ وقدرتهم على توجيهِ تعلمهم بناءً على خبراتهم الحياتية، ما يُسهمُ في تعزيزِ التعلمِ الذاتيِّ. من جهةٍ أخرى، تبرزُ الهوتاغوجيا (Heutagogy) كنهجٍ متمركزٍ حولَ المتعلمِ، حيث تُتيحُ للمتعلمينَ تحديدَ احتياجاتِهم التعليميةِ بشكلٍ مستقلٍ، ما يُعَزِّزُ قدرتَهم على اتخاذِ قراراتٍ مستنيرةٍ بشأنِ مسارِ تعلمهم (Hase & Kenyon,2000).

إنَّ عمليةُ التحوُّلِ من التعليمِ التقليديِّ الخطيِّ إلى التعلُّمِ التحرّريِّ المفتوحٍ تتطلَّبُ إعادةَ تصميمِ منظومةِ التعليمِ بمكوِّناتها كافةً، حيث تُدمَجُ الأنشطةُ العمليةُ والتجريبيةُ بشكلٍ أكبرَ، مع توفيرِ بيئاتٍ تعليميةٍ مرنةٍ تسمحُ للمتعلِّمينَ بتطبيقِ المعرفةِ في سياقاتٍ حقيقيةٍ وتعزيزِ التعلُّمِ الذاتيِّ من خلالِ تشجيعِهم على استكشافِ اهتماماتِهم الخاصةِ، والتحوُّلِ في دورِ المعلمِ إلى القائدِ والمرشدِ والمتفاعلِ في عمليةِ التعلُّمِ، والذي يُسهمُ في تعزيزِ التفاعلِ والتعاونِ بين المتعلِّمينَ، كما يتطلَّبُ هذا التحوُّلُ تغييرًا في الفلسفةِ التعليميةِ، وصياغةَ توجُّهاتٍ تعليميةٍ تتماشى مع مبادئِ التعلم التحرري، ويتضمَّنُ ذلك تنظيمَ ورشِ عملٍ فلسفيةٍ لمناقشةِ أهميةِ التعلم التحرري وكيفيةِ تطبيقه في الفصولِ الدراسيةِ، مع التركيزِ على دورِ الطالبِ كمركزٍ للعمليةِ التعليميةِ.

تطويرِ مناهجَ دراسيةٍ مرنةٍ

تحتاجُ عمليةَ التحوُّلِ المنشودةِ إلى العملِ على تطويرِ مناهجَ دراسيةٍ مرنةٍ تركزُ على المتعلِّمِ وفقَ منحىً عملياتيٍّ ومتواترٍ ومفتوحٍ، بعيدًا عن النمطِ الخطيّ المغلقِ. كما تعملُ على إدماجِ حقوقِ الإنسانِ والحرياتِ الأساسيةِ والتربيةِ على المواطنةِ والمهاراتِ الحياتيةِ في التعليمِ، وتسمحُ للطلبةِ باختيارِ موضوعاتٍ تتوافقُ مع اهتماماتِهم، وتتيحُ لهم فرصًا لتطبيقِ ما تعلَّموه في الحياةِ الواقعيةِ، بما يراعي سوقَ العملِ وحاجاتِ المجتمعِ، الأمرَ الذي يستدعي تطويرَ برامجَ تدريبيةٍ تشملُ أساليبَ التعلم التحرري وتشجِّعُ المشاركةَ والتفاعلَ، مثلَ التعلمِ القائمِ على المشاريعِ والتعلمِ التعاونيِّ، مع استقطابِ الكوادرِ التعليميةِ والمساندةِ المؤهلةِ الممتلكةِ للكفاياتِ اللازمةِ، وتوفيرِ مساندةٍ ودعمٍ مهنيٍّ مستمرٍّ للمعلمينَ من خلالِ خبراءَ (مشرفينَ أو معلمينَ وغيرهم)، ما يُمكنهم من تطبيقِ الأساليبِ الجديدةِ بفعاليةٍ.

وفي السياقِ ذاتهِ، فقد باتَ ضرورياً توفيرُ بيئةٍ تعليميةٍ ملائمةٍ وإعادةُ تصميمِ الفصولِ الدراسيةِ لتكونَ أكثرَ انفتاحًا، تسمحُ بتنظيمِ جلساتٍ نقاشٍ تُنمي مهاراتِ التفكيرِ النقديِّ، مع مساحاتٍ مخصصةٍ للعملِ الجماعيِّ وزوايا للقراءةِ وتجهيزاتٍ تعززُ من توظيف التكنولوجيا وأدواتِ التعلمِ الحديثةِ. كما ينبغي اعتمادُ أساليبَ تقييمٍ جديدةٍ تتضمنُ تقييماتٍ بديلةً مثلَ المشاريعِ والعروضِ التقديميةِ، مع تقديمِ تغذيةٍ راجعةٍ مستمرةٍ للطلبةِ حولَ أدائهم، مع مراعاةِ مشاركةِ المجتمعِ من خلالِ التعاونِ مع أولياءِ الأمورِ وبناءِ شراكاتٍ مع مؤسساتٍ محليةٍ، وإجراءِ تقييماتٍ دوريةٍ لفعاليةِ الأساليبِ الجديدةِ، مما يُسهمُ في تطويرِ بيئةٍ تعليميةٍ تدعمُ الإبداعَ والاستقلاليةَ لدى الطلبةِ، مع ضرورةِ التحلي بالصبرِ والاستعدادِ للتكيفِ مع التغييراتِ.

يعيدُ التعلمَ التحرريَّ تصميمَ العمليةِ التعليميةِ لتكونَ أكثرَ شموليةً وتفاعليةً، حيثُ يهدفُ إلى تعزيزِ العملِ الجماعيِّ والتعاونِ بين المتعلمينَ من خلالِ معالجةِ القضايا الحياتيةِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ في سياقِ التعليمِ، مما يُسهمُ في بناءِ مهاراتِ التواصلِ والعملِ الجماعيِّ وتنميةِ قدراتِ المتعلمينَ على التفكيرِ النقديِّ، إذ يشجعهم على التعلمِ من خلالِ التجاربِ العمليةِ، ويعززُ قدرتهم على اتخاذِ قراراتهم ويزيدُ من ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على مواجهةِ التحدياتِ، إضافةً إلى تشجيعهم على المشاركةِ الفعّالةِ في عمليةِ تعلمهم، حيثُ يجعلُ المعرفةَ أكثرَ ارتباطًا بالواقعِ، ويضمنُ الحقَّ في التعليمِ كحقٍّ إنسانيٍّ غيرِ قابلٍ للتصرفِ، ويسهمُ في بناءِ مجتمعٍ يتسمُ بالعدالةِ والاحترامِ المتبادلِ.

يعيدُ التعلمَ التحرريَّ تصميمَ العمليةِ التعليميةِ لتكونَ أكثرَ شموليةً وتفاعليةً، حيثُ يهدفُ إلى تعزيزِ العملِ الجماعيِّ والتعاونِ بين المتعلمينَ من خلالِ معالجةِ القضايا الحياتيةِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ في سياقِ التعليمِ.

شاهد أيضاً

نداء فلسطين يرحب بقرار الجنائية الدولية ويؤكد أن العبرة بالتنفيذ

نداء فلسطين يرحب بقرار الجنائية الدولية ويؤكد أن العبرة بالتنفيذ

شفا – رحب (نداء فلسطين) بإصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرتي اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال …