الحديث يدور عن صفقة تبادل وهدنة.. والفعل ضرب إيران، بقلم : يحي قاعود
تدور مفاوضات حول عقد صفقة لتبادل الأسرى ووقف الإبادة منذ أيام، لكن اللافت للانتباه عدم وجود وفد لفصائل المقاومة كما في الجولات السابقة، وكأن الصفقة الحالية من أجل إقناع إسرائيل رغم وجود مبادرة أمريكية صيغت بالرؤية والاشتراطات الإسرائيلية، التي تمت شرعنتها بقرار أممي من مجلس الأمن يونيو/ حزيران الماضي، وحازت على قبول الكل الفلسطيني، والعربي، وترحيب دولي، واسع.
غير أن الاشتراطات والتعديلات الإسرائيلية المتكررة بناءً على ما تقوم بتحقيقية في سلسلة المجازر التي تشكل في مجموعها الإبادة بقطاع غزة، بالإضافة إلى السياسات والإجراءات في الضفة الغربية والقدس، تظهر رفض إسرائيل لوقف الإبادة والقتل، معتمدة على تفوق القوة المادية والدعم الغربي والصمت الدولي، لا على قوة الحق. وهو ما يجعلها بعد استدامة القتل والتدمير الفلسطيني الذي يحتاج إلى عشرات السنوات، إلى التفكير جدياً بتحديث أهداف الحرب وتحولاتها من الإبادة إلى ضرب إيران.
إذ كثر الحديث السياسي والإعلامي الإسرائيلي حول إمكانية توجيه ضربه استباقية لإيران، وقد تكون جزءاً من الحرب النفسية العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد إيران، خاصة استطلاعات الرأي الموجهة للجمهور الإسرائيلي حول رضاهم عن الجيش والحكومة في شن هجوم على إيران وأذرعها كما تطلق عليهم. ولكن المؤكد إسرائيلياً ضد إيران محركان رئيسيان: الأول، اعتبار إيران الخطر الاستراتيجي الأول منذ سنوات حسب ما يرد في تقارير ودراسات الأمن القومي الإسرائيلي، والتصريحات الإعلامية لنتنياهو نفسه وبعض الأحزاب والوزراء وحتى المعارضة. والثاني، العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، إذ أن أغلب الضربات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية مركزة ومحددة وفي الغالب استباقية دون أن يكون هناك تصاعد في وتيرة التهديدات أو أحداث متلاحقة.
ويأتي التحول الإسرائيلي بعد ضرب المقاومة الفلسطينية بغزة، وحزب الله، والحوثيين على مدار عشرة أشهر متتالية بحسب البيانات والإحاطات العسكرية الإسرائيلية. والآن تريد الانتقال من ضرب الذراع إلى “عاصمة الإرهاب طهران” كما تطلق عليهم. وكل ذلك، من أجل إقناع العالم بأن الحرب الدائرة ضد الإرهاب، وليست من أجل الحقوق والدولة الفلسطينية.
ولكن الأهداف الإسرائيلية تلك قد تتعارض مع الأهداف والرغبة الأمريكية أياً كانت تركيبة الإدارة الأمريكية جمهورية أم ديمقراطية، حتى وإن كان الخطاب السياسي مختلفاً. فالحرب الإقليمية أو الدولية ترسم سياساتها الولايات المتحدة الأمريكية وليست إسرائيل. ومع ذلك، وصل الأسطول الأمريكي قبل الوفد الذي يتحدث عن الهدنة، وأوضح الجيش الأمريكي بأن مهمته ضمان أمن إسرائيل وتفوقها. وتبقى الخشية الأمريكية من ارتدادات الحرب على إيران على المستوى الإقليمي والدولي وإن كانت حرباً محدودة. وذلك للأسباب التالية:
أولاً، ارتدادات الحرب على إيران سياسيًا وعسكريًا، ولن يكون في طاقة الجمهورية الإيرانية مجابهة الغرب وإسرائيل عسكرياً بفعل تفوق القوة، وخاصة القوة الجوية، ما يرجح ضربات جوية لتدمير طهران “عاصمة الإرهاب” بحسب تصنيف الغرب، لكنها ستكون حرباً محدودة كما حدث في الضربات الجوية السابقة، كضرب السفارة الإيرانية في سورية، واغتيال إسماعيل هنية. لأن طهران أقرب للطيران الحربي من ميناء الحديدة عاصمة الحوثيين.
ثانياً، ارتدادات الحرب على إيران اقتصاديًا، لا شك أن سوق النفط الدولي سيتأثر، وبشكل أعمق الدول التي تأخذ النفط الإيراني، وتحديداً الصين وروسيا. وبالرغم من ذلك، تكمن النقطة الخلافية ما بين الإدارة الأمريكية وحكومة الحرب الإسرائيلية في الارتداد الاقتصادي، وهو سلاح الحرب الدبلوماسية الأمريكية ضد إيران، إذ تستخدمه كسلاح أساس في مواجهة إيران سواء كعقوبات اقتصادية وسياسية، وحتى تقوم الدول الغربية بتبريد التصاعد وإبقاء السلاح الاقتصادي الأساس في التعامل، يناقش الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات اقتصادية بعد زيادة انتاج إيران النفط لأعلى مستوى منذ ست سنوات وبيعة للصين.
وفي ضوء كل ذلك، تسعى إسرائيل إلى تقليل فجوة الخلاف الرئيسية مع الإدارة الأمريكية من جهة، واقتناص فرصة لإقناع أمريكا بالاعتماد على الأحداث الميدانية لضرب طهران في ضوء الصمت الدولي على ما تقوم به إسرائيل من قتل وإنهاء الشعب والقضية الفلسطينية، ومحاولة القضاء على أية قوة اقليمية تقف أمامها في المنطقة تحت ذريعة الحرب على الإرهاب.
الأهداف الإسرائيلية تلك قد تتعارض مع الأهداف والرغبة الأمريكية أياً كانت تركيبة الإدارة الأمريكية جمهورية أم ديمقراطية، حتى وإن كان الخطاب السياسي مختلفاً.