الحجر محله قنطار، بقلم : د. فواز عقل
أدهشني هذا المثل بمعناه الظاهر و الخفي ، أدهشني أكثر الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي في قصيدته الحجر الصغير، حيث تتحدث القصيدة عن حجر صغير في سد ماء كبير محكم البنيان و يقول عن نفسه أنه ليس شيئا مهما و لا قيمة له لأنه ليس رخاما تنحت منه التماثيل و ليس صخرة كبيرة صالحة للبناء و ليس أرضا خصبة و ليس ماء يروي الحدائق الغناء و ليس درا تتنافس عليه الحسناوات ولا هو دمعة عين و ليس خالا على وجنة حسناء و يصف نفسه بأنه حجر أغبر حقير لا جمال فيه ولا حكمة ،و قرر أن يغادر هذا الوجود في الليل بسلام لأنه كره البقاء و الحياة من هذه الأوضاع الصعبة و لم يفكر بالنتائج و سقط من مكانه في السد على الأرض، و عندما فتح الفجر جفونه و استيقظ أهل المدينة فإذا بالسد ينهار و يغمر الطوفان الأراضي الزراعية و المدينة البيضاء الجميلة و يدمر كل شيء.
و لنتخيل لحظة واحدة الإنسان عندما يشعر أنه غير منتج غير مرغوب فيه لا قيمة له ولا تقدير لحاجاته و قدراته و نشاطاته و طموحاته و يشعر بالخذلان و يشكو الظروف العصبة والقاسية التي تحيط به و يشكو عدم قدرته على التحمل و قد يتخلى عن واجباته و إسهاماته و يقول كل واحد يخلع شوكه لوحده ، مش شغلي، الي بصير يصير، ويتخلى عن واجباته وأخلاقه وأقول لا يجب أن يتخلى الانسان عن واجباته واخلاقه لتخلي الآخرين عنها.
إن بناء المجتمع بحاجة لتظافر كل الجهود و الخبرة من الصغير و الكبير و المهم و غير المهم و الغني و الفقير و المتعلم و غير المتعلم و المرأة و الرجل و كما يقال إن السفينة تغرق إذا بدء ركابها بالقفز منها فالإنسان المنتمي المتخصص المعطاء الأمين الصادق الذي يحافظ على المصلحة العامة و الممتلكات العامة، ثروة لا تقدر بثمن، و الإنسان كالطبيعة المليئة بالخيرات و الموارد و الثروات المعروفة و غير المعروفة تنتظر من يكتشفها و الإنسان لديه من القدرات و المواهب و المهارات و الطموحات و الاستعدادات التي تنتظر من يقدرها و يحترمها و يكتشفها و يطورها و ينميها و يوجهها و هنا يأتي دور المعلم المتجدد المواكب الملهم الذي يساعد على نقل الطلاب إلى العصر الذي يعيشون فيه و لا يعتبر نفسه كناقل للمعلومة فقط كالموبايل الذي ممكن أن ينقل المعلومة إلى الطالب في أي وقت.
المعلم الذي يكتشف قدرات الطلاب و ينميها و يوجهها ، المعلم الذي لا ينحصر دوره في المدرسة ولكن كما يقال : مش كل من صف صواني صار حلواني.
رغم كل ما يعانيه العالم من أحداث و تطورات متسارعة و حرائق منتشرة في مختلف أنحاء العالم تدعو إلى التوجس و الخوف و الشك و التوقف عندها، و أقول أن هدف التعليم خلق إنسان جيد للمجتمع لا خلق طالب جيد، نحن بحاجة لتعليم يجعل الإنسان حجرا محله قنطار، و أقول أن معلم واحد متجدد مواكب مهتم قادر أن يغير حياة الطالب فكيف إذا كان أداء كل المعلمين باهتمام و إلهام و فتح نوافذ أمام عقول الطلاب فإنهم يسغيرون المجتمع و أقول : نحن التربويون المحاورون أصحاب اليقظة أصحاب البوصلة نصنع البوصلة و الأمل للزمن التالي.
- – د. فواز عقل – باحث في شؤون التعليم و التعلم