12:01 صباحًا / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

الصداقة الحقة… درسٌ للقلوب المتصحرة بقلم : سوسن دهنيم

 الصداقة الحقة... درسٌ للقلوب المتصحرة بقلم : سوسن دهنيم

للصداقة تأثيرها على حياة الفرد إيجاباً وسلباً، وهو الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان، ولكن أن يصل تأثيرها إلى الممات أيضاً فذلك هو الأمر المستغرب، والذي يجعل المرء يقف عنده مراراً

ما يجعلني أقول هذا هي قصة سردها أحد شيوخ الدين في برنامج تلفزيوني شاهدته عن طريق الصدفة، وكان الشيخ يسردها بإعجابٍ وتأثرٍ بالِغَيْن، أراد أن يرويها فأدمعت عيناه وانهمك في تفاصيلها التي أعادت له شريط الذاكرة

كان الشيخ الذي سرد القصة متطوعاً لتغسيل وتجهيز الموتى في مقبرة بجدة في المملكة العربية السعودية، وتلك القصة تحكي يوماً من أيام عمله حين أحضروا له جثة أحد الشباب ومعه رجل يبكي وينوح، وعلى رغم ألمه الكبير الذي جعله لا يقوى على حبس دمعته وخنق عبرته، طرد كل من كان في المغتسل ليقوم هو بمساعدة الشيخ في تغسيل ذاك الميت

كان الشاب الذي رافق الشيخ ينهار باكياً كلما رأى وجه الفقيد، وحين سأله عن السبب أجاب بأن من توفي اليوم هو رفيق عمره الذي لم يفترق عنه يوماً، فكان له أخاً وصديقاً وأباً وجاراً، إذ درسا معاً في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية وأكملا دراستهما الجامعية معاً، وعُيِّنا في الوظيفة نفس وبالمكان نفسه، وتزوجا من أختين وعاشا في شقتين متقابلتين في العمارة نفسها، ولكن الموت فرق بينهما في ذلك اليوم

كان الشيخ يقول: «إن المقابر في هذه المقبرة عبارة عن ممرات والممرات فيها ما يقارب الـ 30 إلى 50 قبراً مرقمة بأرقام تسلسلية. فدُفِنَ هذا الشاب بعد تغسيله والصلاة عليه في الممر رقم 7 والقبر رقم 10، علماً بأن المقبرة كانت الأكبر في جدة، وهي التي تستقبل في كل فرض صلاة أحد الموتى

في اليوم التالي أُعْلِن عن فقيدٍ جديد، وحين رآه الشيخ لم يستغرب وجهه، فسأل أباه عمن يكون وجاءته الصاعقة: كان الشاب نفسه الذي بكى صديقه وساعد في غسله بالأمس

سأل الشيخ أهله عن كيفية وفاته فأخبروه أنه توفي بعد عودته من تشييع صديقه حسرةً عليه، لكن الأمر الذي أثار الاستغراب أكثر هو أن قبر هذا الشاب دُفِن في الممر رقم 7 والقبر رقم 11، فلم يفصل بينه وبين صديقه إلا جدار القبر

مثل هذه الصداقات قلّما توجد في يومنا هذا، ومثل هذا الحب وذاك الإخلاص جديرٌ بأن يُؤْخَذَ قدوة وعبرة لنا في زمن شحّ فيه الحب

صداقةٌ تزدهر بالحب هي صداقةُ تعلم القلوب المتصحرة الكثير، وصداقةٌ قوامها الوفاء والإخلاص، هي درسٌ لمن ليس له ضمير

كونوا لأصدقائكم ما تحبون أن يكونوا لكم، كي تزدهر بكم الحياة وينتعش بكم الحب

شاهد أيضاً

غسان جابر

قرار المحكمة الجنائية الدولية: انتصار للعدالة أم خطوة رمزية؟ بقلم : م. غسان جابر

قرار المحكمة الجنائية الدولية: انتصار للعدالة أم خطوة رمزية؟ بقلم : م. غسان جابر بعد …