نتنياهو والكونغرس..مَن يستخدم مَنْ.. ومَنْ يستقوي بِمَنْ؟! بقلم : موفق مطر
كلما اقترب موعد خطاب نتنياهو على منصة الكونغرس الأميركي، تستحضر اذهان الجمهور اسئلة مهمة، على رأسها السؤالان التاليان: من يستقوي بمن ؟ من يستخدم من ؟ ارتكازا على اعتقاد سائد أن الكونغرس الأميركي يستقوي بإسرائيل على البيت الأبيض، وأن منظومة الاحتلال اسرائيل تستخدم السلطة التشريعية في الولايات المتحدة ( الكونغرس ) لضبط سياسات ( البيت الأبيض ) أي سياسات الرئيس الأميركي، وتمنع أي تحول لغير صالح اسرائيل ..
لكن الحقيقة غير ذلك، فالمدير التنفيذي للمشروع الاستعماري الصهيوني، والمقصود في هذا التعبير كل رئيس حكومة لمنظومة الاحتلال عمل في هذه المهمة منذ تشكيلها وحتى اليوم، هو الذي يبادر للاستقواء بالكونغرس واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة كلما قدر ان المشروع الصهيوني الاستيطاني الاستعماري العسكري في خطر يهدد وجوده اصلا، ونضع هنا ما قاله بنيامين نتنياهو يوم 19 فبراير الماضي :” خلال الأيام الأخيرة نشهد ضغوطاً من نوع جديد تتمثل في محاولة فرض إنشاء دولة فلسطينية علينا وهي ستشكل خطراً على وجود دولة إسرائيل” وبنفس المضمون ولكن مع اضفاء صورة مرعبة قال سموتيرتش قبل نتنياهو: “على أصدقاء إسرائيل أن يفهموا أن الدفع باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية هو دفع باتجاه المذبحة المقبلة، ولخطر وجودي على دولة إسرائيل “..ونسلط الضوء بهذه اللحظة على تقرير حصري نشره موقع أكسيوس الإخباري الأميركي، تحت عنوان “الخارجية الأميركية تدرس خيارات اعتراف محتمل بالدولة الفلسطينية “. حول طلب البيت الأبيض من وزارة الخارجية إجراء مراجعة وتقديم خيارات سياسية، بشأن الاعتراف الأميركي والدولي المحتمل بدولة فلسطينية، الأمر الذي اعتبر في غاية الحساسية على المستويين المحلي الأميركي والدولي، خاصة أن تحقيق انجاز في الشرق الأوسط يحسب لإدارة بايدن بخصوص تطبيع دول عربية جديدة مع اسرائيل يتطلب أن يكون ” الاعتراف بالدولة الفلسطينية الخطوة الأولى في المفاوضات لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بدلاً من الخطوة الأخيرة “.. ما يعني اقتناع، أو امتثال الادارة الأميركية لموقف المملكة العربية السعودية التي اشترطت اقرار اسرائيل بقيام دولة فلسطينية وإظهار ما يثبت جديتها في هذا الاتجاه، للسير في الخطوة التالية حسب ترتيب اولويات المبادرة العربية، حيث تأتي العلاقات الطبيعية بعد قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ، لذلك فان تقديراتنا أن نتنياهو سيطلب من الكونغرس تشديد الضغط على المملكة العربية السعودية، للفوز بتطبيع ليس بلا ثمن وحسب، بل بتدمير اية امكانية لقيام دولة فلسطينية في اليوم التالي لانتهاء حملة الابادة الدموية والتدميرية التي يشنها جيش منظومته بقرار سياسي من حكومته، على الشعب الفلسطيني، عبر اخراج قطاع غزة من دائرة الحياة، وتنفيذ مخططات التهجير القسري في الضفة الغربية بما فيها القدس بالتوازي مع تهجير مواطني غزة الى سيناء ومصر العربية ! لكننا نعتقد أن قيادة المملكة العربية السعودية ستبقى وفية لتعهداتها ومواقفها من الحق الفلسطيني، خاصة بعد ثبوت خطأ تقديم التطبيع على اولوية اقرار واعتراف اسرائيل بقيام دولة فلسطينية.
أما الاجابة على سؤال:من يستخدم من؟فالأمر واضح جدا، وهو أن الدولة الاستعمارية العميقة المتأصلة في العقلية الناظمة لكل من السلطتين التشريعة والتنفيذية في الولايات المتحدة هي التي تستخدم اسرائيل، وما رؤساء حكوماتها إلا ادوات تنفيذية، ولكن ماذا عن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ؟! الجواب هو ان هذا اللوبي يجد مصلحته وموطنه اولا وأخيرا في الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها القوة الأعظم عسكريا واقتصاديا وماليا والأوسع نفوذا في العالم، وان هذا اللوبي يستخدم اسرائيل باعتبارها مركز تجميع لليهود المضللين بخديعة الصهيونية الدينية والسياسية، لتجديد القوة البشرية اللازمة لإدامة بقاء هذا المشروع (اسرائيل) لأطول مدة زمنية ممكنة، ولا يجب ان يغيب عن بالنا أن الوكالة اليهودية قد استدرجت يهودا فقراء من اوطانهم الأصلية، ومنهم نسبة عالية من البلدان العربية ( السفارديم ) ليكونوا ليس في خدمة يهود غربيين ( الاشكناز) وحسب، بل وضعوهم في مستوطنات على خط النار الأول مقابل حدود دول عربية مجاورة لفلسطين، أما الأشكناز، فهم الذي اوكلت اليهم ادارة (المشروع الاستعماري) المسمى دولة اسرائيل، وهذا ما دفع نتنياهو الى الافصاح علنا على منصة (اكس) عندما كتب في نيسان الماضي:”أن الكونغرس الأميركي تبنى للتو بغالبية ساحقة مشروع قانون مساعدة مقدراً جداً، يعكس دعماً ثنائياً قوياً لإسرائيل ويدافع عن الحضارة الغربية” وبذلك تتضح لنا ابعاد رفض دافيد بنغوريون (أول رئيس حكومة لإسرائيل) احضار يهود من بلاد عربية الى اسرائيل، حيث اعرب عن خشيته من تناقضهم مع المفاهيم الغربية وكان ينظر اليهم باحتقار نظرا لتأصلهم بعادات وتقاليد وثقافة عربية.