التربية التحويلية ، بقلم : د. فواز عقل
تبدأ هذه المقالة بمجموعة من الأبيات الشعرية و بعض الأقوال المأثورة و الحكم عن التعليم و التعلم و التربية لما لها من علاقة كبيرة مع موضوع المقالة.
يقول الشافعي في دعوته للتجديد و تنوع المعرفة و أهمية العلم :
إني رأيت وقوف الماء يفسده و إن سال طاب و إن لم يجر لم يطب
لو رأيت الشمس في الآفاق واقفة لملها الناس من عرب و من عجم
و ما قاله الشاعر رشيد الخوري عن تنويع مصادر الحكمة واهمية الفهم والمعرفة للانسان
استق الحكمة لا يشغلك من أي ينبوع جرت يا مستق
إذا خلا المرء من فهم و معرفة ظلمت نفسك أن تدعوه إنسانا
و في هذا الزمان
قل من يدعي في العلم فلسفة حفظت شيئا و غابت عنك أشياء
و أكرر مرار ما قاله جون ديوي الأمريكي: إذا علمنا طلاب اليوم بأساليب الأمس سنسرق مستقبلهم.
و ما قاله الإمام محمد عبده:مستقبل أي أمة يقوم على استعدادها لمواجهة كل زمان بما يناسبه.
العلم كالسراب كلما اقتربت منه زاد بعدا عنك/ العلم المستقر كالجهل المستقر
من لا يتعلم شيئا جديدا كل يوم يزداد جهلا يوما بعد يوم/ من لا ينمو يذبل
لا تتعلم ما لا تعلم حتى تعمل بما تعلم/ لن أمسي حتى أكون أحسن من أمسي
لا تنام بنفس العقل الذي استيقظت به/ بلا رؤية يجمح التعليم و المعلم و المتعلم و المنهج
و قد يقول القائل هذا ليس زمن الشعر و الأقوال و الحكم هذا زمن الذكاء الاصطناعي
و أقول: لا يعتني بالشعر و الأقوال المأثورة و الحكم إلا من عرف الرعب وراء الكلمات، وقد ابدعت الشاعرة فدوى طوقان في رحلتها الجبلية الصعبة في تعليقها على التقليل من قيمة الامر بقولها (لست أنكر قيمة العلم و الصناعة كونها من مقومات حياة الأمم في العصر الحديث و لكن لا أفهم لماذا ينبغي لنا أن نجعل من الفرد العربي (آلة) لا روح فيها و أن العلم و الفن حركتان تمثل كل منهما جانب من أعظم جوانب النشاط الإنساني، و من الخطأ أن ندعو نحن العرب إلى عقد هدنة أو إهمال الأدب و الفن متجاهلين أن مشاريع المستقبل لأي أمة من الأمم لا يخططها و يرسمها إلا أدباؤها، فبالأدب و الفن تستيقظ الكبرياء و تعلو الهمم، و لا يمكن لأي أمة يصاب أدبها بالجفاف و العقم أن تقرر شيئا من الخير الإنساني لنفسها أو للبشرية مهما بلغت من الرقي).
في هذا الزمان لا مكان فيه لمتخاذل لفاشل لنادم لكسول لمن لا يتعلم من خطأه و هنا يقول عبدالله السعدون: إن التعليم بنوعيه الكمي و الكيفي هو الطريقة إلى النهوض من مستنقع الجهل و الذي أهم عناصر نجاحه: المعلم المربي الناجح المحب لعمله ثم المنهاج الذي يسهم في فتح العقول و شحذها لا برمجتها و تدجينها، لن تنهض الأمة إلا بتعليم يقدس العمل و ينبذ الكسل و يؤسس لتربية مختلفة عما نعيشه، هذا الزمان زمن المبدعين المغامرين المفكرين أهل الطموح و لا حدود للمعرفة و لا حدود للعلم في هذا العصر ، و هنا أذكر ما قاله الشاعر أبو القاسم الشابي:
أبارك في الناس أهل الطموح و من يستلذ ركوب الخطر
و ألعن من لا يماشي الزمان و يقنع بالعيش عيش الحجر
شباب قنع لا خير فيهم و بورك في الشباب الطامحين
هذا العصر أنهى احتكار المعلم للكتاب و و غرفة الصف للعملية التعليمية و لم يعد المعلم هو المصدر الوحيد للمعلومة و إن عقل الطالب أكبر من أن يحتويه كتاب أو مقرر أو منهج و أن العلم يحدث في أي مكان و في أي وقت لذلك لا بد من استدارة أو تربية تحويلية لأن التعليم السيئ أسوأ من الأمية،و لا بد من توحيد التعليم إلى تفريد التعليم،التحول ن خطاب تربوي يخاطب العقل و يطلق العنان لقدرات المتعلم و يفتح نوافذ أمام المتعلم و يشجع على التحدي، التحول إلى معلم يدخل على الطلاب كل يوم كانسان جديد و يخلق شيئا جديدا ولا يكون نسخة طبق الأصل لمن سبقه.
رحم الله جبران خليل جبران الذي يقول : إن المعلم الحقيقي هو الذي يستخدم نفسه كجسر يعبر عليه الطلاب ثم يدمر الجسر لتشجعيهم على بناء جسورهم كما قال ارسطو: من يريد أن يكون معلما يجب أن يكون جسرا.
التحول من تعليم 10 مواضيع بطريقة واحدة الى تعليم موضوع واحد بعشر طرق مختلفة
التحول من انهاء الكتاب او المقرر او المنهج لأن انهاء المقرر هو عدو للفهم وللنظام التعليمي الى محتوى تعليمي معاصر مفيد ملائم له معنى للطالب
التحول من ثلاثية (الحفظ والتذكر والتلقين ) الى ثلاثية الشاعرة فدوى طوقان (التنوير والتغيير والتثوير)
الى تعلم يقوم على الحوار والاقناع والتحول الى اقييم ونظام امتحانات يقوم على الحفظ والتذكر واسترجاع المعلومة الذي يقتصر على اسئلة اذكر وعدد الى نظام تقييم لمعارات التفكير العليا كالفهم والتحليل والتركيب والتقييم لان دور المدرسة اكبر من ان يحكم على الطالب من خلال ورقة او قلم
التحول من بيئة صفية قهرية صامتة الى بيئة جذابة شيقة ممتعة آمنة ، التحول من بيئة تفريغ الابداع الى بيئة تفريخ الابداع
التحول الى تعليم ينقل الطالب الى العصر الذي يعيش فيه
التحول من تعليم يعيد انتاج عقلية قديمة ولا يربط الخريج من الجامعة بالمستقبل والمعاصرة ومهارات العصر
وكما قال أحد الشعراء : من قدس العلم صان العقل في البلد اذ بالعقول تقاس الناس لا الجسد
التحول الى تعليم لتحرير العقول من كل ما علق بها من شوائب
التحول من ثقافة الصمت الصفي الى ثقافة الاقناع والتساؤل والمناقشة والتعبير
التحول الى تعليم يكتشف مواهب الطلاب ويطورها وينميها ويوجهها لأن الطلاب في هذا العصر لا يتعلمون بمجرد الدخول الى الصف والجلوس على الكراسي والاستماع الى المعلم وتدوين الملاحظات
الطلاب يتعلمون بالمناقشة والتفاعل والتحليل والتقييم
التحول من تعليم بنكي يقوم على تخزين المعلومة الى تعليم يقدح شرارة الابداع
التحول الى تعليم يتخلص من التصنيم في التعليم كما قال فرانسس بيكون في اصنامه الاربعة
صنم القبيلة او المجتمع والاكراه / صنم الكهف والمثالية الانعزالية الانطوائية/ صنم السوق الافطار المتداولة بين الناس/ صنم المسرح وهو الايمان الاعمى المقيد وهذه الاصنام تمثل تربية القطيع وهذا ما اشارت اليه الشاعرة فدوى طوقان بالقالب الفولاذي الذي يضعه المجتمع والاهل حول عقول الاخرين
واقول ان الانجازات العظيمة في التربية والتعليم هي نتيجة للعمل الجماعي وليست نتيجة لعمل فرد مهما بلغ من العلم وكما يقول المثل وحدك تطير مع الاخرين تحلق
وكما يقال باللغة الانجليزية Together , everyone achieves more,
وكما يقال ايضا: a college is a place to produce knowledge , not to instruct knowledge
لماذا التربية التحويلية
اولا : استجابة لما قاله بعض الشعراء
مالي ارى التعليم اصبح عاجزاً على ان يصح في النفوس مكسرا
وما قاله شاعر اخر:
يا قوم عذرا فلم يبقى لنا امل الا التعلم يهدينا الى الرد
ثانيا: لأن كل شيء تغير الا الممارسات الصفية وما يجري داخل الصف لم يتغير، لذلك لا بد من تغيير الممارسات التعليمية من خلال اعادة تعريف جميع مكونات العملية التعليمية
ثالثا: لان الخبراء يقولون ان صلاحية المعلومة والشهادة في هذا العصر سيتم تحديد بدايتها ونهايتها من 3 الى 5 سنوات كالمعلبات والدواء
رابعا: لان هنالك الكثير من التربويين بدأووا يكتبون عن التربية التحويلية وأردت ان اساهم كمتخصص في التعليم والتعلم لأشارك القارئ بعض الافكار عن التربية التحويلية.
- – د. فواز عقل – باحث أكاديمي في شؤون التعليم و التعلم