على طريق الشيخ عز الدين القسام، بقلم : بديعة النعيمي
خرج الشيخ عز الدين القسام من حيفا مع مجموعة من المجاهدين وكانت خطته تقضي تجميع الرجال وتسليحهم، ثم استكمال الاستعدادات لمهاجمة مدينة حيفا والسيطرة عليها. وأن تكون بداية المعركة منها وذلك لاحتوائها على أكبر ميناء فلسطيني. كما أنها تعتبر منطقة صناعات بترولية، وذلك بهدف إحراز مكسب عسكري كبير يكون حافزا للجماهير العربية للالتحاق بالثورة. وبالتالي إرهاب سلطات الانتداب منذ الضربة الأولى وإشعار الحركة الصهيونية بقوة الثورة.
وتذكر المصادر أن القسام توجه مع مجموعته إلى منطقة جنين حيث ينتظرهم هناك الشيخ فرحان السعدي في قرية نورس. وهناك انكشف المجاهدين بسبب العملاء وتمت ملاحقتهم من قبل البريطانيين إلى أن وصل القسام وجماعته إلى خربة الشيخ زيد بتاريخ ٢٩/تشرين الثاني/١٩٣٥ ونزلوا فيها حتى صبيحة ٢٠ من نفس الشهر.
وكانت وقتها قد وصلت إخبارية لدائرة البوليس البريطاني في مدينة نابلس تفيد بأن القسام وجماعته يتواجدون في أحراش يعبد.
ولأن أخوف ما تخاف منه دولة مثل بريطانيا وحركة لعينة مثل الصهيونية هو العودة إلى عقيدة الجهاد فقد قامت بحشد قوات كثيفة من حيفا ونابلس والناصرة وبيسان وطولكرم، وصلت إلى المنطقة العربية من يعبد. وطوقت قرية الشيخ وفتشتها، غير أن القسام والمجاهدين كانوا قد انتقلوا بعد صلاة الفجر إلى الأحراش.
وهناك حصل تبادل لإطلاق النار بينهم وبين الشرطة البريطانية التي حاصرت مكان المجاهدين بعد تحديده عن طريق طائرة أعطت المكان بدقة للشرطة.
ويذكر انه كان مقابل كل مجاهد ما يزيد على ٤٠ جندي بريطاني بدأ رصاصهم ينهال على المجاهدين، لكن ذلك لم يكسرهم بل إنهم قاوموا بضراوة بالرغم من عتادهم المتواضع.
وقد كان وقتها أمام المجاهدين فرصة للنجاة حين نادى الضابط البريطاني:
استسلموا تنجوا….
فزأر القسام زئير الأسود رافضا الاستلام:
لن نستسلم، هذا جهاد في سبيل الله…ثم التفت إلى أصحابه وهتف بهم: موتوا في سبيل الله…
فردد المجاهدون: لبيك يا فلسطين، جئناك مستشهدين..الله أكبر..الله أكبر..
فقاتلوا قتال الابطال حتى ارتقى القسام شهيدا ولسانه يلهج:
في الجبن عار وفي الإقبال مكرمة
والمرء بالجبن لا ينجو من القدر
واستشهد من المجاهدين من استشهد وجرح آخرون وتم أسرهم.
والقسام حين أعلن ثورته وذهب مع إخوانه من المجاهدين إلى. أحراش يعبد بعدد قليل من المجاهدين ومقدار قليل من السلاح كان يدرك الفرق بين القوة التي بين يديه والقوة التي يمتلكها عدوه إلا أنه آثر الاستشهاد عن عقيدة ويقين ليحيي هذه الروح إحياء عمليا لا خطابيا وحتى يبرهن على أن الإيمان ينبع من القلب ويستمد من العقيدة لا من الاحتجاجات والمظاهرات. ففلسطين تستحق أن تُقتحم الحدود من أجلها وتقديم الأنفس والأرواح رخيصة لترابها الطاهر.
هذا هو القسام الذي كان ولا يزال المثل للجهاد الإسلامي والذي استطاع أن ينقل عقيدته من تلميذ إلى تلميذ ومن مجاهد إلى مجاهد. وكانت حركته صفحة جديدة في تاريخ الجهاد في فلسطين.
واليوم القساميون يسيرون على نهج قائدهم الأول وثائرهم الذي وقف ضد الاستعمار والصهيونية الخبيثة. يتبعون أثره ويعلمون أن الثورة والجهاد تعبئة وتنظيم وتدريب وإعداد معنوي ومادي يجمع بين قوة السلاح وقوة الإيمان.
قساميوا اليوم عرفوا من قائدهم أن الشهداء لا يموتون لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، لذلك نجدهم لا يأبهون في ساحات المعارك من الموت فلا يتراجع الواحد منهم بل على العكس يسارع إلى حياة أجمل يعلم أنها تنتظره هناك في الجنة.
القسامي الذي أرهب بريطانيا ويهود الماضي هو نفسه الذي يرهب صهاينة اليوم ومن يقف خلفهم..هو نفسه الذي زلزل عروش المطبعين وعشاق الدنيا.
وهو نفسه الذي لن يساوم ولو عرضت عليه الدنيا بما فيها.