مدارسنا و مدارسهم ، بقلم : د. فواز عقل
اطلعت خلال الأيام و الأسابيع الماضية على مقالات حول جامعاتنا و جامعاتهم، طلابنا و طلابهم ، مجتماعتنا و مجتمعاتهم و حراك الطلاب في العالم.و أردت أن أشارك القارئ بأفكار حول مدارسنا و مدارسهم و لكن قبل المقارنة سأعرض بعض ما كتب في هذه المقالات، ففي مقالة للكاتب حمادة الفراعنة في جريدة القدس 13/05/2024 أشار إلى حديث بعض رؤساء الجامعات العربية، فيقول أحد رؤساء الجامعات” أن الأولويات للدراسة فهذه جامعة مهنية و بلدنا يختلف عن أمريكا و أوروبا و نحن نتفوق على أمريكا و أوروبا” و أقول: أن الجامعات لا يمكن أن تكون مصنع شهادات فقط و إنما لبناء شخضية الطالب من كل الجوانب. و قال رئيس جامعة اخر “طلابنا يشاركون في العمليات الكفاحية في أماكن متعددة و الذي يمارس الكفاح لا يحتاج إلى مظاهرات و احتجاجات و الحكي الفاضي كما يحدث في أمريكا و أوروبا” ، و قال ثالث” نحن من جامعة خرجت قادة الأمة الثوريين و الذين غيروا شكل النظام السياسي بعد الحرب العالمية الثانية” و هنا أقول ما ذكره طاغور أن التعليم هو لتحرير العقول و ما قاله باولو فريرو ” أن التعليم هو المستقبل”.
و في مقالة للكاتبة تهاني اللوزي في جريدة القدس عن الجامعات و الإعلام حيث تقول أن الجامعات عبارة عن تجمع أكبر عدد ممكن من المثقفين سواء كانوا طلابا أو أساتذة و أن الاتحادات الطلابية تعتبر بمثابة البرلمان الذي يستطيع الطلاب من خلاله التعبير عن أنفسهم فهو صورة مصغرة للبرلمان الكبير و أن الجامعات تحمل هموم الطلاب و أحزانهم، أما الكاتب أسعد عبر الرحمن في مقالته “احتجاجات الجامعات تحولات كمية إلى نوعية و أن الطلبة بدؤوا يحتلون دور الطبقة العاملة و ردد مقولة “يا طلاب العالم اتحدوا بدل يا عمال العالم اتحدوا”، و أود أن أذكر بضرور العودة إلى المدارس من أجل مستقبل أبناءنا برؤية جديدة و استراتيجيات تخاطب العصر لما للمدرسة من أثر في تشكيل الطالب، و هنا لا بد من ذكر بعض المقولات حول المدارس منها ما قاله سقراط: أن المدرسة هي التي جعلت الإغريقي إغريقيا و ليس المولد، و ما قاله فيكتور هيجو : من يفتح مدرسة يغلق سجنا، و ما قاله ديجول لوزير التربية:هل المدرسة الفرنسية بخير؟ فأجاب الوزير: نعم بخير، فقال ديجول إذن فرنسا بخير، و ما قاله خليل السكاكيني : إن مدارسنا يجب أن تكون حرة لتخلق إنسانا حرا، و كما يقال أن المدرسة اليابانية تعكس المجتمع الياباني و أن المدرسة الفرنسية تعكس المجتمع الفرنسي و المدرسة العربية تعكس المجتمع العربي، و هنا أقول: أن المدرسة لن تكون مكان للتعلم إلا إذا علمت المتعلم أن يقول لا و أن يستعمل عقله و أن يبحث عن الحقيقة و إن دور المدرسة أكبر من أن تحكم على الطالب من خلال ورقة و قلم.
و من خلال دراستي و تدريسي لمادة التربية المقارنة و الاطلاع على تجارب تربوية لليابان و كوريا و الصين و فنلندا و سينغافورا و جزيرة موريشوس فإنني توصلت إلى المقارنة التالية:
مدارسنا
تلقن ولا تعلم ،يردد المتعلم أمور كثيرة كالببغاء بدون فهم،تعليم مؤقت يعتمد المتعلم على المعلم ،المتعلم متلقي سلبي،لا مجال للحوار و الإقناع و المشاركة،تركز على الرواية و السرد و الوعد و الحفظ،يتعلم الطالب ليحصل على علامة،تعلم بدون مشاركة ،يتعلم المتعلم بدون أن يفكر في ما تعلمه ،يتعلم الطالب ما في الكتاب،تركز على تحصيل المتعلم،تعتبر حب الاستطلاع للمتعلم وقاحة،الأسئلة الصفية قليلة و المعلم هو الذي يسأل،المعلم عبد لطريقة واحدة،الاستماع إلى المعلم و تدوين الملاحظات،المتعلم لا تتوفر له الفرصة للتفكير في ما تعلم،طريقة تعليم واحدة للجميع،البيئة الصفية مركز تفريغ إبداع،البيئة الصفية قهرية يسودها التوتر و الملل،لا يستطيع المتعلم التنافس،لا مجال للتنوع و المرونة،تركز على الامتحانات، ورقة و قلم و أسئلة، تقوم على التذكر و الحفظ، لا يستطيع الطاب أن يعبر عن نفسه ولا يسأل الطاب عن رأيه.
مدارسهم
يتعلم الطالب أن يقول لا حتى يقتنع،يتعلم أن يبحث عن الحقيقة ،يتعلم المتعلم استعمال عقله،يعتمد المتعلم على نفسه،المتعلم مشارك إيجابي ،تعتمد الحوار و الإقناع ،يتعلم المتعلم ليكون و ليشارك و ليتعلم ، يتعلم المتعلم كيف يفكر،يعتمد على فهم المعلومة،تحترم شخصية المتعلم،تحترم عقل المتعلم،تشجع حب الاستطلاع ،يسودها المرونة و التنوع الصفي،التعليم قائم على المشاركة و التفاعل،تضع المتعلم في مواقف يفكر فيها ،تستخدم أكثر من طريقة في توصيل المعلومة ،البيئة الصفية مركز تفريخ إبداع،البيئة الصفية آمنة جذابة شيقة ممتعة،تركز على المعلومة أينما وجدت ،تنقل المتعلم إلى العصر الذي يعيش فيه،تعتمد نظام امتحانات أو تقييم متنوع متعدد و تخاطب مهارات التفكير العليا، يستطيع الطاب أن يعبر عن نفسه و عن رأيه.
ليس من الغريب لمن يراقب الطلاب في نهاية اليوم الدراسي أثناء خروجهم من المدرسة و قد بدا على وجوههم الفرح و الانبساط من خلال صوتهم العالي و تدافعهم و تمزيقهم الكتب في الشوارع و كأنهم كانوا في سجن و أفرج عنهم فهم يهربون خوفا من إعادتهم مرة أخرى إليها.و يقول أحد المعلمين : إن قلبي يتقطع أسى كلما دخلت إلى المدرسة و أرى طلابي و هم يعانون و أرى زملائي و هم يعانون و أشعر بالعجز الكبير فكل واحد منا يرمي مسؤوليته على غيره ، نفتقر إلى التعاون و لا نملك الجرأة على مواجهة أخطائنا، ولا نشعر بخطورة تقصيرنا بحق أولادنا و أنفسنا و بلادنا، نطالب بالحقوق و نشتكي و نتحمل التعب و الإرهاق ولا نحاول ولو محاولة بسيطة للخروج مما نحن فيه أو لتغيير الوضع في المدارس، ويقول الطلاب أننا نكره المدرسة لإنها ليست ممتعة و صعبة لأننا نكره المدرسين فهم دائما يحتقروننا، لإنها تحرمنا من اللعب و مشاهدة التلفزيون، لأن أهلنا يريدون منا الدراسة في كل الأوقات و يريدون علامات عالية و إذا لم نحصل عليها عاقبونا، نكره المدرسة لأنها مملة لا جديد فيها و لأننا نستيقظ باكرا بسببها، نكره المدرسة بسبب الوظائف الكثيرة و عندما نخرج من المدرسة نمضي باقي اليوم نكتب وظائف و واجبات، نكره المدرسة لأنها بلا فائدة فاليوم حملة الشهادات بدون عمل.
و أخيرا أقول: التعليم مهما تقلبت الأمور و الظروف هو مدارس تجذب المتعلم ، تعلمهم الشوق لها بعد عطلة يعود لها دون حذاء أو شنطة أو قصة شعر تحمل اسم أو ماركة ما ، يعود فقط بقلم رصاص و دفتر و عيون تلمع وعقل متفتح ينتظر الدرس القادم بعيدا عن الملل و الحفظ و إغلاق الأدمغة، مرة أخرى نحن بحاجة لمدارس تزرع القيم، تغرس التعاون، تراعي المواهب ،تعليم يغرس المحبة و الانتماء لا يقوم على التلقين ، تعليم يحترم العلم ، تعليم يحارب ثقافة الصمت الصفي و يرسخ ثقافة التساؤل و الإقناع، و أقول: لا يتعلم الطالب بالنصائح و الوعظ و من تجارب الآخرين ، ولا من التلقين ولا بالإكراه و التهديد،و أشدد على أن الطلاب لم يستوعبوا ألف ساعة من المحاضرات و الدروس ما لم يعيشوه بأنفسهم، و هذا يفسر ما يجري عندنا و عندهم.
- – د. فواز عقل – باحث في شؤون التعليم و التعلم