ترتعش أطرافها، وجسدها الضعيف بات يئن بفعل 36يوما منالإضراب عن الطعام، اضراب عن تجرع كأس المرار والظلم والصلف الإسرائيلي، إضراب عن حرمانها من حقها الذي كفلته كافة الشرائع السماوية وأبجديات حقوق الإنسان، واتفاقيات المرأة والقرار 1325 الذي يقضي بحماية النساء في ظل النزاعات.. إضراب عن تجرع كأس الذل والهوان من عقلية السجان الإسرائيلي.. هناء ذات الثلاثين ربيعا خاضت ولازالت أروع وأسمى أنواع النضال.. جسد الأنثى الذي طالما امتهنته وسائل الإعلام وقزمت دور المرأة فيه وبعضها اعتبره جالب الحظ الأضعف والمكانة التابعة دوما للرجل.. جسدها الضعيف الذي بدأ يتهاوى ضرب أسطورة حقيقية في تاريخ المرأة الفلسطينية، هذه المرأة الوحيدة في غرفة عارية إلا من جسدها.. أمضت الأيام والليالي ..الساعات والدقائق متمسكة بإعادة الكرامة لنا/ نحن الضعفاء.. نحن الذين بدأنا نتهاوى يا هناء بفعل الحياة اليومية الطاحنة وأنت تتألقين في زنزانتك.. رغم أنك وحيدة منعزلة بين يديك كتاب الله وعيون صفراء ترقبك تنتظر استسلامك وتراجعك.. رغم انك إمرأة وحيدة لكنك أقوى منا جميعا نحن النسوة والرجال والناس جميعا خارج سجنك.. أنت من ألهمتنا أن في الحياة متسع للكرامة وللقوة الكامنة في صدورنا/غير أنها خامدة.. أنت من أرهقك السجان بممارساته المجحفة بحقك علمتنا أننا أصلا أصحاب قضية عادلة وذكرتنا بهويتنا الفلسطينية، أبرقت من سجنك رسالة قاسية لأصحاب الكراسي والمناصب الذي ارتهنوا للحالة وحادوا عن الدرب إلا أنهم للأسف لم يفهموا كلماتك.. ورسائلك.. أنت يا هناء أعدت المعنى لحياة الفلسطيني المناضل، لمفهوم النضال المطلوب، لقنتنا درسا قاسيا أن بإمكان امرأة معزولة ووحيدة أن تغير معادلة السجان، وأن تقول كلمتها بصوت مدوي، وأن تجعلنا نستيقظ من آلامنا وتضحياتنا التي لا تنتهي وننطلق متضامنين معك، يا هناء أنت من يتضامن معنا بعد أوهننا الانقسام والحصار والحياة الخالية من كل شيء لدرجة أنستنا أنفسنا وإلى أين نسير..
أوهنتنا وتأوهنا كثيرا لقطع الكهرباء والماء والوقود وعانينا الأمرين في لقمة عيشتنا، ركضنا وظللنا نركض لنكتشف أننا في مكاننا بل من شدة الركض حفرنا قبرنا بأقدامنا وبتنا ننتظر من يردم التراب على وجوهنا بعد أن أصبحنا جسدا مسجيا.. لكنك أعدت للصورة ألوانها بصمودك وتحديك الذي فاق تصوراتنا..