9:44 صباحًا / 22 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

العودة إلى العلوم الاجتماعية و الإنسانية ، بقلم : د. فواز عقل

العودة إلى العلوم الاجتماعية و الإنسانية ، بقلم : د. فواز عقل

العودة إلى العلوم الاجتماعية و الإنسانية ، بقلم : د. فواز عقل

 
أعترف أنه لا يمكن لأي مجتمع في هذا العصر أن يبقى بعيدا عن التكنولوجيا و تطبيقاتها المختلفة لما لا من فوائد عظيمة للبشر، حيث سهلت التواصل والحوار مع الآخرين و تبادل المعلومات و سهلت العملية التعليمية و هذا ما حصل خلال جائحة كورونا و سهلت نشر منجزات العصر عالميا، مع أن بعض التطبيقات التكنولوجيا أصبح مصدرا مضللا للناس و مصدر إشاعات، و مهما تقدمت المواد العلمية كالفيزياء و الكيمياء و الرياضيات و الهندسة و الطب و علوم التكنولوجيا فإنها لا تغني بأي حال من الأحوال عن العلوم الاجتماعية و الإنسانية مثل: علم الاجتماع، علم النفس، النقد، علم الأخلاق، علم التربية، الفلسفة.


الإنسان مهما بلغ من علم في المواد العلمية و في التكنولوجيا يبقى كآلة لا روح فيها ،تقوم بالعمل دون عواطف و مشاعر و أحاسيس و لا تراعي الأخلاق، وقد أشرت في مقالة سابقة ضرورة العودة إلى تدريس الفلسفة و العودة إلى الأخلاق و العودة إلى المدارس لأنه لا حضارة ولا تقدم ولا ازدهار بدون القيم و المبادئ و الانضباط الذاتي و التسامح و الاحترام و تقبل الآخر و الالتزام بالقانون، كل هذه القيم تعتمد على العلوم الإنسانية، و تشير الدراسات إلى أن التقدم التكنولوجي و العلمي في العالم الثالث عامة، و الدول العربية خاصة، داء على حساب تجاهل العلوم الإنسانية و الاجتماعية و عدم التأثر بها و تحويلها إلى سلوك، و هنا أردد دائما سقراط “إن التربية التي جعلت الإغريقي إغريقيا و ليس المولد” ولا يوجد منهاج لتدريس الأخلاق أو النظافة أو التسامح أو الاحترام لأن القيم تكتسب و تمارس عن طريق القدوة و لا تعلم، و واهم من يظن أن التغيير و التقدم فقط عن طريق إنجازات العصر بدون توازن بينها و بين العلوم الإنسانية و هذا يذكرني بما قاله وزير التعليم الياباني عندما سئل عن سر تقدم اليابان فقال ببساطة إنها التربية الأخلاقية، و أقول أن هدف التعليم هو خلق مواطن جيد لا خلق طالب جيد، ولا يمكن خلق مواطن جيد بتجاهل العلوم الاجتماعية و الإنسانية.


و هذا يذكرني بحكاية طريفة، أن طالب ذهب للدراسة في جامعة في أحد الدول العربية و بعد رجوعه ذهب الناس والأقارب والجيران لتهنئته بالرجوع سالما، فسأله أحد الحضور: شو قرأت في الجامعة؟ فأجاب الطالب: تربية، فأجابه نفس الشخص: يا ابني، تغربت و كلفت أهلك مصاري كتير كنا ربيناك هنا.


أنا أدعو للعودة للعلوم الاحتماعية و الإنسانية و تعليمها بطرق و استراتيجيات جديدة تناسب العصر، استراتيجيات التعلم النشط، التعلم الذاتي، التعلم التعاوني و المجموعات و العصف الذهني و الحوار و الابتعاد عن استعمال عقل الطالب كمخزن لحفظ المعلومات و الابتعاد عن ثلاثية الحفظ و التلقين و التذكر ، و كسر جمود التلقين و إطلاق العنان لقدرات الطالب، و هنا يجب تعليم الطلاب الذين يلتحقون بهذه التخصصات كيف يوظفون هذه المعلومات و تحويلها إلى سلوك يومي و تحويلها إلى عادة مما يعود بالفائدة على الطالب و على المجتمع و كذلك أدعو إلى فهم التوجهات المستقبلية لأجيال المستقبل و أركز أن المشكلة ليست في العلوم الاجتماعية و الإنسانية أنما تكمن المشكلة في طريقة تعليمها في المدارس و الجامعات بطرق تخاطب العقل لتصبح هذه المواد جزء من حياتنا، تؤثر فينا و في سلوكنا، و تفهم الطالب أنه لا يوجد حقيقة واحدة، عند ذلك لا يمكن لأحد أن يقلل من قيمة العلوم الاجتماعية و الإنسانية و سيزداد الإقبال على دراستها في الجامعات و تتغير النظرة الدونية إليها، لأن كل ما يحدث من حولنا هو نتيجة التقليل من قيمة هذه المواضيع و عدم التأثر فيها و تطبيقها اليومي في المجتمعات، قبل أن نصبح كمن يقلب كقيه على ما فاته، لأن تجاهل العلوم الإنسانية و الاجتماعية بشكل مقصود أو غير مقصود يؤدي إلى جعل العالم يسير وفق قيم واحدة هي قيم الغرب، و كذلك فرض رؤى عالمية أحادية على العالم بدل رؤية عالمية تعددية منتوعة تقبل تعدد الثقافات و القيم و مصادر المعلومات و إلى تفاعل هذه التعدديات مع بعضها و اعتراف كل منها بالآخر.


و هنا أطرح بعض الأسئلة تثقل كاهلي و كاهل كثيرين آخرين من التربويين و علم الاجتماع و الفلسفة، أنا أعتقد أن العلوم الاجتماعية و الإنسانية هي المحرك الفكري و الأخلاقي في حياة البشر في جميع مناحي الحياة:


1-لماذا على الطالب أن يدرس ويبحث في العلوم الاجتماعية  و الإنسانية إذا لم يكن هنالك طلب في السوق كما يجري حاليا؟


2-كيف يمكن أن نقنع الأجيال القادمة بأهمية العلوم الإجتماعية و الإنسانية و هنالك آلاف الخريجين بدون عمل و بدون وظيفة ؟


3-إلى متى يتم تدريس العلوم الاجتماعية كمدخلات لفظية ومخرجات لفظية؟


4-هل يمكن حصر التعليم في خدمة القطاع الخاص و تلبية حاجات رجال الأعمال على حساب تجاهل العلوم الاجتماعية و الإنسانية؟


5-كيف يمكن للعلوم الاجتماعية و الإنسانية أن تساهم في حل المشاكل الأخلاقية اليومية و هنا أشير إلى حلول يمكن للناس العاديين تطبيقها وليس حملة الشهادات.


6-هل لا يزال للعلوم الاجتماعية والإنسانية مكان في عالمنا اليوم بشكل عام و في التعليم بشكل خاص؟


7-ما هي التحديات الأخلاقية التي يمكن أن تظهر في المستقبل القريب أو البعيد بعد ظهور الذكاء الاصطناعي؟


8-ما هي التحديات الفلسفية التي فرضتها اكتشافات العصر ؟ أي كيف سنفكر كبشر؟


9-هل يجب أن نقلق كبشر من فكرة أن يصبح الإنسان عديم المهارة عديم الأخلاق؟


10-لماذا هذه النظرة الدونية لأصحاب التخصصات في العلوم الاجتماعية و الإنسانية؟ مع العلم أن علم النفس وعلم الاجتماع والآداب و الفنون و التربية لها وزن كبير في دول العالم الآخر.


11-لماذا ينظر إلى الذين يدرسون الطب و الهندسة و الصيدلة و الحاسوب على أنهم أفضل من الذين يدرسون علم الاجتماع و الفلسفة و التربية و الفنون على سبيل المثال؟


12-لماذا يتم قبول الطلاب في الجامعات في الطب و الهندسة والحاسوب على أساس المعدلات المرتفعة و أصحاب المعدلات المتدنية يوجهون إلى كليات العلوم الإنسانية و الاجتماعية؟ لماذا لا يتم توجيه المعدلات المرتفعة لدراسة التعليم و الآداب و الفلسفة و الفنون و الحوار؟


 
و أخيرا أقول: نحن التربويون المحاورون أصحاب اليقظة، أصحاب البوصلة، نصنع البوصلة ولا ننتظرها،و ندق الناقوس أحيانا لأنه عدم وجود رؤية تعليمية تربوية واضحة المعالم يؤدي إلى جموح المناهج و المعلمين و الطلاب و التقويم و المجتمع.

  • – د. فواز عقل – باحث في شؤون التعليم و التعلم

شاهد أيضاً

نداء فلسطين يرحب بقرار الجنائية الدولية ويؤكد أن العبرة بالتنفيذ

نداء فلسطين يرحب بقرار الجنائية الدولية ويؤكد أن العبرة بالتنفيذ

شفا – رحب (نداء فلسطين) بإصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرتي اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال …