عُمق أزمات اسرائيل وأثرها على تطور الأحداث القادمة، بقلم : مروان أميل طوباسي
رغم استمرار بشاعة عدوان الإبادة على شعبنا وتداعياته المختلفة ، فأن دولة الاحتلال الاسرائيلي تشهد تصاعد أزماتها ذات الأوجه المتعددة ، وهي تعيش مدة من التوتر السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي غير المسبوق بعد أحداث السابع من أكتوبر حتى الآن ، والتي أدت إلى تصاعد الانتقادات والمظاهرات ضد حكومة بنيامين نتنياهو .
وفي وصفة للحالة القائمة قال إيهود براك الذي يُعد من أهم جنرالات جيشهم ورئيسا سابق للوزراء ، ” اليوم دولة اسرائيل امام خطر ازمة وجودية في تاريخها ، نحن نتحدث عن حرب تحولت من تهديد وجود وفق التقييم الإسرائيلي الى أزمة وجودية بسبب محركات السياسة الإسرائيلية ” . في هذا المقال ، سأحاول نقاش تأثير هذه التوترات على السياسة الإسرائيلية ومستقبلها .
فعلى صعيد الأوضاع الداخلية والتحديات السياسية ، يواجه نتنياهو وحكومته ضغوطاً كبيرة من الداخل .
فالمجتمع الإسرائيلي ما بعد السابع من اكتوبر لا يشبه بتاتا المجتمع الإسرائيلي الذي كان ما قبل السابع من اكتوبر .
نتنياهو ما زال يتعامل معه في ذات المعتقدات وذات التكتيكات والاستراتيجيات التي تعامل معها فيما ما قبل السابع من اكتوبر . تتجلى هذه الضغوط في الخلافات العميقة داخل الائتلاف الحكومي خاصة مع شركائه من اليمين الديني المتطرف . هذه الخلافات تتعلق بالسياسات الأمنية والتشريعات القانونية ، حيث تطالب الاحزاب الصهيونية الدينية بمزيد من التشدد في التعامل مع القضايا الأمنية ، بينما يسعى نتنياهو إلى تحقيق توازن يحافظ على استقرار الحكومة واستمرار العدوان ضد شعبنا . هذا التوتر يضعف من تماسك الائتلاف ويجعل من الصعب تحقيق أي تقدم حقيقي في السياسات ذات الشأن الداخلي بدولة الاحتلال .
وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى تراجع الدعم الشعبي لحكومة نتنياهو ، حيث يعكس هذا التراجع حالة من عدم الرضا العام عن أداء الحكومة، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمات الأمنية والاقتصادية . على الجانب الآخر ، تزداد شعبية أحزاب المعارضة وخاصة تلك التي يقودها الجنرالات السابقون مثل بيني غانتس وازنكوت .
هذا التحول في الدعم الشعبي يعكس رغبة متزايدة في تغيير القيادة السياسية وإيجاد حلول جديدة للأزمات التي تعيشها مجتمعاتهم .
ومن جانب اخر تواجه إسرائيل ضغوطاً دولية متزايدة لتحقيق وقفا للنار و الوصول لحل سياسي يتعلق بما يسمونه “باليوم التالي” ينهي عدوانها في غزة تحديدا ويصل الى صفقة تبادل ووضوح مستقبل غزة . الامر الذي لا يمكن بالنسبة لنا الا ان يكون سوى جزء من الحل السياسي الشامل لإنهاء الأحتلال واقامة الدولة الفلسطينية على قاعدة وحدة الارض والشعب ، رغم اتساع العدوان في كل فلسطين . في الوقت نفسه تستمر جرائمها وعملياتها العسكرية ، مما يزيد من تداعياتها الداخلية والخارجية .
فجيش الاحتلال الإسرائيلي يواجه انتقادات داخلية بشأن فعالية العمليات العسكرية والتكلفة البشرية العالية التي تتزايد بالفترة الاخيرة لم يعتاد عليها سابقا على الرغم من النجاحات التكتيكية التي يدعونها هم والمتلخصة بالجرائم المرتكبة من تحقيق الإبادة الجماعية . إلا أن الجيش لم يحقق بعد أهدافه الاستراتيجية التي اعلنتها حكومته منذ البداية ، مما يزيد من الضغوط على حكومة نتنياهو . وعلى الصعيد الدولي تزداد حدة الانتقادات من دول مختلفة ووتتصاعد حركة احتجاج الشعوب في دول العالم ودعوات المقاطعة الجادة ، وتقف دولة الاحتلال التي تعاني العزلة الدولية الى حد كبير امام القضاء الدولي الذي من المنتظر ان يصدر عنه خلال ايام أوامر توقيف بحق قادة إسرائيليين من بينهم نتنياهو وجالانت ، ما يعتبر حدث غير مسبوق في تاريخ كيانهم الذي يجسد اليوم معاني النظام المارق .
من الجانب الآخر ، فانه من المحتمل أن يكون هناك تصعيد محدود بين إسرائيل وحزب الله دون تدخل كبير من القوى الكبرى . هذا قد يشمل تبادلاً مكثفا للنيران عبر الحدود ولكن دون تحول إلى حرب شاملة بهدف إبعاد اللبناني الى شمال الليطاني . اما إذا تصاعد العدوان على لبنان بشكل كبير، فقد تتدخل إيران وروسيا بشكل غير مباشر من خلال دعم حزب الله أو الضغط الدبلوماسي والتحركات الدولية . تركيا قد تتدخل إذا رأت فرصة لتعزيز مصالحها أو ردا على تهديدات مباشرة ، او لربما لتحقيق أهدافها من الخلاف بالجزيرة القبرصية التي تستضيف قواعد عسكرية اسرائيلية على أراضيها .
— سيناريوهات المستقبل واحتمالات التغيير السياسي.
إذا فشلت حكومة نتنياهو في تحقيق استقرار داخلي أو نجاح عسكري حاسم يتفق والأهداف المعلنة ، فإن ذلك قد يؤدي إلى دعوات متزايدة لإجراء انتخابات جديدة أو لتشكيل حكومة بديلة. يمكن أن تقود هذه التحولات السياسية شخصيات من الجيش أو المعارضة الصهيونية الليبرالية ، مما يغير محركات السياسة الإسرائيلية بشكل جذري . السيناريو المحتمل يتضمن تشكيل ائتلاف جديد يضم عناصر من مؤسستهم الامنية والسياسيين من المعسكر الصهيوني الليبرالي، وهذا قد يكون بمثابة تغيير جوهري في نهج القيادة والسياسات المتبعة والتي ما زالت تجمع على رفض الوصول الى تسوية سياسية للصراع يقوم على الاعتراف والحقوق الوطنية لشعبنا وبالمقدمة منها حق تقرير المصير .
وتشهد دولة الأحتلال حالة من الغليان في مجتمعاتها المتباينة أصلاً ، حيث يطالب العديد منهم اليوم بإنهاء الحرب لاطلاق سراح اسراهم وللتخفيف من حدة التداعيات المختلفة كازدياد الهجرة الخارجية المعاكسة وتردي الاوضاع الإقتصادية وانسحاب العديد من الشركات العالمية من اسواقهم كما وعدم تمكن سكان المدن والقرى بالشمال والجنوب من العودة الى بيوتهم ، اضافة الى مطالبتهم بتحقيق إصلاحات سياسية جوهرية بنظامهم . المظاهرات المستمرة تعكس حالة من الأستياء العميق تجاه الحكومة الحالية وسياساتها ، ومظاهر القلق تتزايد لتتحول من ازمات سياسية وامنية إلى صراعات أعمق داخل المجتمع الإسرائيلي غير المتجانس ، مما قد يفاقم من الوضع الحالي ويؤدي إلى تصاعد العنف والأنقسام مما سيكون له اثارا اجتماعية مختلفة تنعكس على البعد الوجودي .
— دور الجيش والمؤسسات الأمنية.
جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يزال يحتفظ بثقة جزء كبير من جمهورهم ، يلعب دوراً حاسماً في المشهد السياسي الحالي . فتصريحات المسؤولين العسكريين وانتقاداتهم لنتنياهو تعكس مدى التوتر بين القيادة السياسية والعسكرية. الجيش قد يضغط من أجل تغيير في السياسات أو حتى في القيادة ، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير كبير على مستقبل نتنياهو السياسي ، خاصة في ظل هذه الأوضاع حيث يصبح الجيش ليس فقط لاعباً في ساحة القتال بل أيضاً عنصراً رئيسياً في التوازن السياسي الداخلي بدولة الاحتلال ومشاركا بالقرار السياسي ، وهذا ما تؤيده الادارة الامريكية حاليا ، لخدمة مشروعها بالمنطقة .
والان وبعد تسعة أشهر من حرب الإبادة ، فأننا نجد ان قادة الاحتلال الإسرائيلي يضطرون الى قول عدة حقائق امام الجمهور الإسرائيلي ، فبالإضافة الى تصريحات واعترافات عدد من قياداتهم حول حقيقة الاوضاع ، يخرج الناطق باسم جيش الاحتلال هيجاري ليقول بأن “حماس هي فكرة ولا يمكن القضاء عليها” ، وتصريحات اللواء في الاحتياط دان هرئيل نائب رئيس الأركان سابقاً ، “لا يمكن محو حماس” ، لتعكس اقوالهم واقعاً معقداً ومتعدد الأبعاد بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
تصريحاتهم هذه تشير إلى واقع تصاعد الازمات التي تعيشها دولة الاحتلال . وكأنهم يقولوا برأيي ، ان الحلول العسكرية وحدها لن تكون كافية للقضاء على الفكرة التي تمثلها حماس والمقاومة ، بل يجب أن تكون هناك مقاربات سياسية واجتماعية واقتصادية متكاملة لمعالجة جذور الصراع ، الذي لا يتحدثون عنه بشمولية واقع استمرار الاحتلال .
تصريحاتهم هذه تعكس واقع الحال وشكل الخلاف والازمة بين نتنياهو ومؤسستهم الأمنية ، وقد تفتح الباب أمام تفكير جديد قد يسهم في السعي لرؤية مختلفة لطبيعة مجريات الأحداث القادمة التي قد تسعى لها الإدارة الامريكية والمعارضة الاسرائيلية بتجسيد اقامة ما تحدثت عنه في مقالي السابق نحو ايجاد كيانين لقتل مبدأ اقامة الدولة المتواصلة ذات السيادة والمشروع الوطني التحرري ، وهذا ما يندرج ايضا من خلال الضغوطات والعقوبات التي تمارس بالقدس والضفة الغربية من اجل القضاء على كيان منظمة التحرير ومحاولة فرض الاجندات الأمريكية عليها ، الامر الذي يتطلب الحزم والوحدة واستنهاض دور المنظمة والحركة الوطنية لمواجهته .